خالد عزب

الثقافة المصرية.. رؤى للمستقبل ( 3- 7 )

الثلاثاء، 03 سبتمبر 2024 09:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

المكتبة الوطنية والمكتبات العامة.. أين الحاضر.. وإلى أين المستقبل؟
أسست المكتبة الوطنية المصرية في عهد الخديو إسماعيل وافتتح مبناها التاريخي في عهد عباس حلمي الثاني، في فترة كانت مصر تستعيد قوتها وزخمها في مواجهة الاحتلال الإنجليزي، ثم نقلت الدار إلى مبناها الحالي في أوائل السبعينيات من القرن العشرين.

المكتبة الوطنية المصرية (دار الكتب) في حاجة ماسة إلى استعادة دورها، فهي غير حاضرة في المشهد الثقافي بصورة جيدة، ولن نقارنها بمكتبات على الصعيد الدولي حتى لا يقال إن الإمكانيات والقدم سبب، ولا بغيرها من بعض المكتبات العربية وهذا ما يدفعنا لطرح ضرورة مراجعة ما يتعلق بالمكتبة الوطنية:
أنشئت دار الكتب المصرية عام 1869، ونظم عملها بقانون صدر عام 1870، وتعددت منذ ذلك الحين القوانين الخاصة بالدار، وتعرضت لنكبة بضمها للهيئة العامة للكتاب عام 1971، ثم عادت وفصلت عنها عام 1993، لكن الأهم أن قانون دار الكتب الذي ينظم عملها لا يتواكب مع متطلبات العصر ولا مع متطلباتها الوظيفية كمكتبة وطنية في عصر المعرفة والمعلومات، مما يجب معه بناء قانون جديد لها كمؤسسة مستقلة تحت سلطة وزير الثقافة ولها مجلس إدارة له صلاحيات، ومدير يختار بناء على خطة عمل يقدمها، ولهذا المدير مدة زمنية هي 5 سنوات حتى يتم ضمان استقرار المؤسسة.

إن من المهم الآن استعادة وقف الخديو توفيق على دار الكتب المصرية المقدر بـ1800 فدان، فهذا الوقف الذي يعود لسنة 1889 كان إيراده حينئذ ألفي جنيه، فإذا قدرنا أن الإيجار السنوي لفدان الأرض الآن لا يقل عن عشرة آلاف جنيه فإن موارد الدار من وقفها تكفل لها أداء دورها مع الدعم المقدم من الموازنة العامة للدولة.

ضم مبنى وزارة الأوقاف المصرية لدار الكتب بعد نقل الوزارة للعاصمة الإدارية ليكون متحفا للقرآن الكريم والمخطوطات والخط العربي، لكي تعرض فيه كنوز دار الكتب، ولتبرز المدرسة المصرية في الخط العربي التي تفوقت في العصر المملوكي بصورة خاصة، فمصر لديها من المصاحف المخطوطة المخزنة في دار الكتب ما لا يوجد في بلد آخر.

إن المبني الحالي لدار الكتب المصرية لا يصلح أن يكون مقرا لها، فتصميمه سيئ، ولا يفصل مناطق الخدمات عن الجمهور الذي ليس له مداخل خاصة تؤدي به إلى القاعات، والشرح يطول حول هذا المبني الذي لا يليق بمصر، فضلا عن وجود مطبعة داخله بها مواد قابلة للاشتعال بالقرب من مخازن المخطوطات والكتب النادرة ورصيد مصر من الكتب المطبوعة.

ضرورة حل أزمة أرقام الإيداع في دار الكتب المصرية، والتي يجري إصدارها ببطء شديد.

هناك أزمة حادة في الكوادر العاملة في دار الكتب المصرية، فضعف المرتبات بل وإغلاق الأفق أمام العاملين في الدار للترقي للمناصب العليا، والاستعانة المستمرة بكوادر من الجامعات كل هذا أدى منذ السبعينيات إلى الآن إلى الفرار المستمر من الدار للجامعات وللعمل خارج مصر. ولنا أن نتذكر أن الدار في عصورها الزاهرة كان من بين العاملين بها الشاعر أحمد رامي والأديب توفيق الحكيم.

توجد حركة نشر علمي من دار الكتب، فقد أصدرت العديد من الكتب المهمة، غير أن المشاريع الكبيرة لتحقيق تراث مصر المخطوط مثل ما حدث عندما نشرت كتاب (السلوك في معرفة دول الملوك) لم تعد موجودة، وهناك قصور في أداء المراكز البحثية بالدار وتحتاج إلى تجديد دمائها وإعطاء فرص للكفاءات الباقية بالدار، وحيث إنها مراكز بحثية فيجب تطبيق الكادر الجامعي عليهم حتى تحتفظ الدار بالكفاءات العلمية ولكي يعطي هؤلاء الدار.
أداء دار الكتب في الفضاء الرقمي من الخدمات في حاجة إلى تطوير مستمر يتناسب مع المعطيات العصرية ومتطلبات الجمهور، وهو أداء هزيل في حاجة إلى اعادة بناء وتأهيل ليتواكب مع تحول المكتبات إلي مؤسسات منتجة للمعرفة.
المكتبات العامة
تمثل المكتبات العامة التي يجب أن تتوافر في كل حي أو مدينة عصب صناعة النشر والكتاب، والمعدل الدولي هو مكتبتان لكل 100 ألف نسمة دوليا، وبالتالي 20 مكتبة لكل مليون نسمة، وهذا يعني أنه يجب أن يكون في مصر، ما يزيد على ألفي مكتبة عامة، في الوقت الذي يوجد فيه في مصر 1154 مكتبة عامة، وهو ما يعني أن هناك فجوة في الخدمات الثقافية المقدمة للمواطن، وفي علاقة المواطن بالقراءة، فمدينة نصر والقاهرة الجديدة بلا مكتبات عامة بالمعنى الحقيقي للمكتبة، وبالفعل في القاهرة الجديدة التي تعد أحدث وأكثر ضواحي القاهرة ثراء، وهذا ما يعبر عن الطبقة الجديدة في مصر التي تعتبر الثقافة على الهامش في الوقت الذي كان حي مصر الجديدة يحظى بمكتبة عامة، وهو ما يعبر عن العصر الذي أنشأت فيه، والمكتبة هي فضاء للأنشطة الثقافية أيضا، لكن أهميتها في أن منازلنا ضيقة لا تستطيع منازلنا  بصغر حجمها وموازنات كل منزل تحمل شراء كل كتاب جديد، فضلا عن ارتفاع أسعار الكتب، وبالتالي فالمواطن عبر اشتراك سنوي في مكتبة مدينته يستطيع أن يستعير للقراءة كل كتاب جديد أو قديم، وعبر شراء المكتبات والكتب ينشط النشر في العديد من الدول، وهو ما تفتقر إليه مصر، وبالتالي إذا حدث هذا ستتحول مصر إلى مكانة أخرى في فضاء النشر، ستقول لي إن النشر الرقمي هو القادم، سأقول لك لن تنتهي متعة القراءة من الكتاب الورقي، فضلا عن أن المكتبات العامة في العالم تتيح الكتب رقميا أيضا، فضلا عن استضافة المؤلفين لمناقشة كتبهم. فالمكتبات فضاءات للأنشطة والفاعليات الثقافية والفنية.

إن ما سبق يتطلب دمج هيئة قصور الثقافة ومكتبات مصر العامة معا، مع عملهما وفقا للآليات الناجحة التي تعمل بها مكتبات مصر العامة التي تعتمد على اللامركزية في اتخاذ القرار فضلا عن الاندماج الجيد مع البيئة المحلية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة