نشرت صحف مصرية خبر تعيين الرئيس السادات للفريق سعد الدين الشاذلى سفيرا لمصر فى لندن، فطلب الشاذلى مقابلة عاجلة مع الرئيس، ليبلغه اعتذاره عن المنصب، حسبما يذكر الشاذلى فى مذكراته «حرب أكتوبر».
كان «الشاذلى» رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة منذ 16 مايو 1971، وأثناء حرب أكتوبر 1973 تفاقمت الخلافات بينه وبين الرئيس السادات الذى أقاله من منصبه يوم 13 ديسمبر 1973، ويكشف الشاذلى، أن المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية، استدعاه يوم 12 ديسمبر، وأبلغه بقرار الإقالة وتعيينه سفيرا فى وزارة الخارجية، ويؤكد أنه أبلغ «إسماعيل» شكره للرئيس، واعتذاره عن عدم قبول منصب السفير، مفضلا البقاء فى منزله.
فى مساء نفس اليوم «12 ديسمبر 1973» كان اللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية، ينفذ مهمة كلفه بها السادات وهى إقناع الشاذلى بالقرار، ويتذكر الشاذلى أن مبارك أوضح له أسباب وأهداف قرار الرئيس، لكن الشاذلى أصر على رفضه، وبعد أسبوعين نشرت الصحف الخبر، فطلب الشاذلى مقابلة الرئيس، وفى 6 يناير، مثل هذا اليوم، عام 1974 تم اللقاء فى مدينة أسوان.
يتذكر الشاذلى وقائع اللقاء، قائلا: «كان حديث الرئيس ظريفا طيبا، وأخذ يسألنى عن أحوال زوجتى والعائلة، ثم فاتحنى فى الموضوع الرئيسى، وبدأ حديثه بنبرة عتاب ولكنه من نوع العتاب الضاحك الباسم، فقال: «لا، لا،لا، أنا زعلان منك، إزاى تعمل كده؟، أنت اتجننت؟، أبعت لك حسنى مبارك برسالة منى فترفض الرسالة، أنا لما قال لى حسنى إنك رفضت، قلت أبعث أجيبك وأكلمك بنفسى لكن حسنى قال لى: بلاش دلوقتى، ده مصمم وراكب دماغه، قلت طيب بعدين».
رد «الشاذلى» على عتاب الرئيس: «سيادة الرئيس، أنا لست منزعجا من أن أترك القوات المسلحة، إن كل ضابط يجب عليه أن يترك القوات المسلحة فى يوم ما ليخلى الطريق لغيره، وهذه هى سنة الحياة، ولكن ما ضايقنى هو الأسلوب الذى أبلغنى به هذا القرار، سيادتك تعلم جيدا ما بينى ويبن أحمد إسماعيل، ومع ذلك طلبت منه أن يقوم بإبلاغى بهذا القرار».
قال الرئيس، أنا أعرف ما بينك وبين أحمد إسماعيل وعلشان كده لما أبلغنى بأنك رفضت المنصب، وقال لى الكلام الذى قلته له، اعتقدت أنه يبالغ فقررت أن أرسل لك حسنى مبارك فرفضت أيضا، وعندما قلت أحضرك أمامى وأبلغك بنفسى، حسنى قال لى بلاش دلوقتى، وأضاف ضاحكا: «لازم بيخاف منك، قل لى ماذا تعمل لكى تجعل مرؤوسيك يخافونك ويخشونك».
يواصل «الشاذلى»: «استرسل الرئيس فى حديثه، فأثنى علىّ وأفاض فى ذلك كثيرا، وقال إننى ما زلت موضع ثقته وإن كل ما حدث هو أنه ينقلنى من مجال عمل إلى مجال عمل آخر، وإن ما اضطره إلى ذلك هو الخلاف الشديد الذى يسود العلاقات بينى وبين أحمد إسماعيل، وحكى لى كيف ولماذا أعفى الدكتور محمود فوزى من رئاسة الوزراء، فقال: «كان فوزى يشتكى كل يوم ويقول لى، الوزير فلان والوزير فلان لا يسمعون كلامه، أنا مش فاضى علشان أعمل قاضى بين كبار الموظفين».
واستطرد الرئيس: «فيما يتعلق بك أنت وأحمد إسماعيل كان لازم واحد منكم يمشى، وأنا فكرت ووجدت أنه من الأفضل أنك أنت اللى تمشى وعرضت عليك أفضل المناصب عندنا، وأنا اخترت لك لندن ليس لمركزها الأدبى فحسب لأنى محتاج لأن يكون لنا رجل ذو خبرة عسكرية كبيرة فى لندن، إننا على اتصال الآن مع ألمانيا الغربية، وستقوم بإمدادنا بأسلحة متطورة ومتقدمة، وسفيرنا فى ألمانيا رجل مدنى اسمه محمد إبراهيم كامل «وزير الخارجية فيما بعد»، كان معى فى السجن وعينته فى الخارجية هو الآن سفيرنا فى ألمانيا، إنما طبعا لا يفهم فى الشؤون العسكرية، ولا يستطيع أن يتابع عمليات المباحثات والعقود العسكرية، وأنا أهدف إلى أنك من لندن تقوم برحلات مستمرة إلى ألمانيا للإشراف على هذا الموضوع، إن وظيفتك كسفير فى لندن ستكون موضوعا ثانويا بالنسبة للوظيفة الأولى وهى تسليح الجيش المصرى، وليس لدينا من هو أفضل منك للقيام بهذه المهمة».
يؤكد «الشاذلى»: أفاض الرئيس فى حديثه حتى اعتبرت أن ما قاله هو ترضية كافية، وأن منصب سفير مصر فى لندن هو امتداد لمسؤوليتى فى خدمة القوات المسلحة المصرية وتقويتها، وقبلت المنصب»، ويضيف: «انتقلنا بعد ذلك إلى الحديث عن العلاقات المصرية البريطانية، والمصريين الذين يعيشون فى المملكة المتحدة وموضوعات أخرى، وكانت الساعة بلغت الواحدة والنصف بعد الظهر عندما غادرت استراحة الرئيس، وعدت إلى فندق «الكتراكت» لتناول الغداء.
يؤكد «الشاذلى»، أنه بعد وصوله إلى لندن فى مايو 1974 أجرى اتصالا مع سفير ألمانيا فى بريطانيا فاكتشف أنه لم تكن لديه أية فكرة عن موضوع التسليح، وبعد عدة اتصالات سرية بينه وبين حكومته اتضح أن ما قاله الرئيس حوله كان من نسج خياله.