سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 8 يناير 1992..30 ألفا يحضرون مناظرة «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية» بمعرض الكتاب والغزالى ومحمد عمارة فى مواجهة محمد أحمد خلف الله وفرج فودة

الأربعاء، 08 يناير 2025 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 8 يناير 1992..30 ألفا يحضرون مناظرة «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية» بمعرض الكتاب والغزالى ومحمد عمارة فى مواجهة محمد أحمد خلف الله وفرج فودة محمد الغزالى و فرج فودة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت الساعة الثانية عشرة ظهرا، حين بدأت وقائع المناظرة التى حملت عنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، وكان المعرض الدولى للكتاب بالقاهرة هو مكان الحدث، الذى حضره نحو 30 ألف شخص فى 8 يناير، مثل هذا اليوم، عام 1992، مما اضطر إدارة المعرض إلى إغلاق الأبواب، وعلى مدى ساعتين ونصف الساعة استمع الحاضرون إلى فريقين، فريق يمثل الدفاع عن الدولة الدينية، ويمثله الشيخ محمد الغزالى، والمستشار مأمون الهضيبى المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان وقتئذ، وصار مرشدها فيما بعد، والدكتور محمد عمارة، أما الفريق الثانى الذى يمثل الدولة المدنية، فكان يتكون من الدكتور محمد أحمد خلف الله، والدكتور فرج فودة.

كانت المناظرة انعكاسا لحالة علا فيها صوت الجماعات، التى تنتسب إلى «الإسلام السياسى» بمصر، وفى مقدمتها جماعة الإخوان التى كانت تسيطر وقتئذ على النقابات المهنية، وأبرزها نقابتا الأطباء والمهندسين، وبالتالى كان الاهتمام الشعبى بالمناظرة كبيرا، كما حدث فى مناظرة سبقتها بنحو ثلاث سنوات، وشهدتها نقابة الأطباء بعنوان «الإسلام والعلمانية»، وتحدث فيها محمد الغزالى ويوسف القرضاوى فى مواجهة الدكتور فؤاد زكريا.

أدار مناظرة معرض الكتاب الدكتور سمير سرحان، رئيس الهيئة العامة للكتاب، وأعلن عن تقسيم الوقت بالتساوى بواقع عشر دقائق للمتحدث، وبعد تقديمه للحاضرين وعلى أثر هتافات «الله أكبر ولله الحمد» قال: «نحن هنا فى مناظرة ثقافية دينية، وأرجو أن ننصت إلى المتحدثين دون هتافات حتى نستطيع أن نستفيد»، وكما هو معروف فإن هذه القوى كان تنتهز مثل هذه الأحداث، فتحشد لها بالآلاف، وتنظم نفسها داخل القاعات بالهتافات والانتشار، كما كانت جماعة الإخوان تديره سياسيا وإعلاميا لتعظيم مكاسبها، كما حدث فى هذه المناظرة، حيث قام «مركز الإعلام العربى» التابع للجماعة بطبع نصها ووقائعها وتوزيعها على نطاق واسع لإعطاء إيحاء بغلبة الفريق، الذى كان يمثل الدفاع عن «الدولة الدينية».

كان محمد الغزالى أول المتحدثين، ووفقا للنص الكامل للمناظرة، كان أبرز ما قاله: «لا يكمل لنا استقلال ولا تتضح لنا شخصية إلا إذا عدنا إلى تراثنا السماوى، والشورى الغربية جعلت مجلس العموم البريطانى ومجلس اللوردات يتفقان على إباحة الزنا والشذوذ، ونحن نطالب بحكومة إسلامية نصفها وحى من عند الله، ونصفها يبحث عن المصلحة ويمشى بالقياس والاستحسان»، ومع نهاية كلمته علت الهتافات: «الله أكبر ولله الحمد»، مما اضطر الدكتور سمير سرحان إلى إعادة التنبيه، قائلا: «أرجوكم، أرجوكم اتفقنا لا هتافات، والشيخ الغزالى أفتى بأنه يستحسن ألا يكون هناك هتافات».

بعد هذا التنبيه، قام سمير سرحان بتقديم مأمون الهضيبى للكلام، الذى استشهد بآيات من القرآن الكريم على أن الإسلام دين ودولة، أما الدكتور محمد أحمد خلف الله، فتحدث عن الفرق بين النبوة والرسالة والخلافة، مشيرا إلى أن الله هو الذى يختار النبى الرسول، أما فى الخلافة فالمسلمون هم الذين اختاروا أبوبكر رضى الله عنه خليفة، ولم يكن هناك نص بكيفية قيام الخلافة وبناء الدولة، وكيف يكون هناك أعوان رئيس الدولة، ولو كان هناك نص لما اختلف الصحابة يوم وفاة النبى صلى الله عليه وسلم من يكون خليفة، أمن المهاجرين أو من الأنصار؟ والواضح من تعاليم القرآن أن الخلافة على هذا الأساس هى خلافة مدنية.

وبعد انتهاء الدكتور خلف الله، تحدث الدكتور محمد عمارة فستخدم تعبيرات بدت أحكاما قاطعة منه ضد مخالفيه، كقوله: «كل ما قاله الدكتور خلف الله قاله على عبدالرازق عام 1925 فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، وأضاف: «أرجو الدكتور خلف الله وأمثاله أن يهتدى إلى الصواب»، وأدى هذا الكلام إلى التسخين، فانطلقت هتافات: «الله أكبر ولله الحمد»، ليواصل «عمارة» بعدها كلامه: «أنا أعتب على إخواننا الذين يتناظرون معنا على هذه المنصة ومن يمثلونهم، ومن يتفقون معهم أن يضعوا أنفسهم خارج الحس الوطنى والقومى والدينى»، وأضاف موجها ندائه للحاضرين: «كل ما حدثكم عنه الدكتور خلف الله جزء من قراءة بعيون استشراقية غربية للتاريخ». 

كان الدكتور فرج فودة آخر المتحدثين، وأشار إلى الأحداث الإرهابية التى شهدتها مصر منذ السبعينيات، وقال: «نحن على البر وقبل أن ندخل فى الدولة الدينية لم نر إلا إسالة الدماء وتمزيق الأشلاء، والسطو على المحلات العامة وتهديد القانون وتمزيق الوطن بالفتن، وإذا كان هذا يحدث وأنتم على البر، فماذا يمكن أن يحدث لهذا الوطن إذا خضنا فى اللجج؟ وإذا كانت هذه هى البدايات فبئس الخواتيم»، وأضاف: «الدولة هى كيان سياسى واقتصادى واجتماعى يحتاج إلى برنامج تفصيلى، الذين ينادون بالدولة الدينية لا يقدمون برنامجا سياسيا فى الحكم، ونحن أنصار الدولة المدنية التى لا تعرف هوية سوى المواطنة، وهذه المناظرة هى من ثمار الدولة المدنية، وأعطونا نموذجا واحدا لدول دينية تسمح بمثل هذه المناظرة».







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة