يسرى الفخرانى

جريمة كاتب مبدع.. الموت قهرًا وفقرًا!

الإثنين، 10 أكتوبر 2011 04:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نكتب لمن؟ إذا كان لا أحد يقرأ.. إلا قليلاً، من هذا القليل؟ لا يفهم المعنى والفكرة التى يريدها الكاتب إلا الأقل، وهكذا.. فالمهمة صعبة، والموهبة تنصهر مع السنين، فتتحول إلى نهر من حروف كثيرة. ملايين الحروف يجرفها تيار وعاصفة إلى بحر مالح يأكلها، فلا يبقى منها شىء يذكر، كم سنة كتبت وكتب غيرى؟ كم حرفًا وكلمة وجملة وتعبيرًا وفكرة ورغبة ورأيًا؟ كم وضعنا نقاطًا فوق الحروف وفاصلة بين جملة وجملة.. تخيل جبال الكلمات التى سهر كتابها يبحثون عنها فى ليل أو بدايات نهار؟

كنت أفكر فى إجازة نهاية الأسبوع فى كم الأصابع التى ودعناها إلى مثواها الأخير، رحلت بعد أن دفعت ثمنًا لا يحتمل للإبداع، على قدر ما فى الكتابة من متعة على قدر ما تحمل من قسوة وجهد وألم، ينحت الكاتب كلماته من جسده وعقله، يرويها دماء صافية، يتقوس ظهره من كثرة ما يحمل من كلمات.. وتغضب شرايينه قبل الأوان من تفكير عميق يبحث به عن عبارة مبدعة تبهر قارئًا، للكتابة وجعها الذى يشبه لحظات الولادة بكل صدقها وتعثرها، تشبه ارتطام موج بصخرة فى نوة بين عامين.

تبقى ميلاد القصة واكتمالها، والرواية ونهايتها، والمقال وآخره، تبقى هذه اللحظة هى المكافأة الحقيقية التى يحصل عليها الكاتب، على الأقل فى عالمنا العربى، حيث كل شىء يعتمد على ثقافة قليل، البشر والعقل والمنطق والثروة والسلطة.

لم يحصل كاتب فى العالم العربى على ثروة أو سلطة.. بالعكس ظل مطاردًا من أصحاب الثروة أو السلطة. لسبب بسيط، هو أنه يحمل مصباحه ويمضى لينير للعالم ظلامه ويكشف لمن يقرأ الواقع بكل تفاصيله، يحرض الآخرين على التفكير، وهذه فى حد ذاتها جريمة يعاقب عليها قانون العالم الثالث.. إن لم يكن بالحبس.. فالفقر والقهر.

هذا وطن مر عليه العقاد، وطه حسين، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، والطيب صالح، وصالح مرسى، ويوسف إدريس، وإحسان عبدالقدوس، وعبدالوهاب مطاوع، وخيرى شلبى، والمازنى، وشوقى.. وبحر من كتاب ومبدعين لا يحصى، على ماذا حصلوا.. ليحصد غيرهم؟ هذه قامات عملاقة، أقلهم يبست أصابع يده أو مات بانفجار فى المخ، تركوا ملايين الصفحات المكتوبة التى نهبها ناشر أو تجاهلها قارئ، كم رسموا موانئ من حروف.. فلم يرسُ عليها إلا قليل قليل من بشر!

حين تتحول الموهبة إلى مهنة، إلى باب رزق، وسيلة ليعيش منها الكاتب، يجد ألف قارئ يشترون كتبه، يحصل من الناشر على قرش واحد عن كل كلمة يكتبها، وأغلب الناشرين يدعون الفقر ويهربون من تقدير إبداع الكاتب مهما كان حجمه وقيمته، فلا يجد إلا أن يواصل نحت ونحر نفسه وموهبته لكى يعيش، ولو كان لدينا عشرة ملايين قارئ فى العالم العربى لأصبح ورثة المبدعين أثرياء من عائد المؤلفات، واختصر كل مبدع إبداعه إلى رواية أو ثلاث، لكن الحقيقة أن أقل من مائة ألف مواطن عربى يشترون الكتب، ويفاصلون فى سعرها!

يبقى، قارئ أو عشرة، يبل ريق الكاتب، إذا قرأ، بكلمة حلوة تجعله طفلاً صغيرًا سعيدًا منتشيًا بما كتب، حتى يصحو فى كل الأحوال على واقع حياة صعبة، لا تفتح بيتًا بالكلام المكتوب ولو كان مبدعًا، ولا تعترف بالورق المطبوع بديلاً عن الفلوس أبدًا.

هذا المقال ليس رثاء لمن كتب ويكتب.. إنما هو سؤال حائر منذ سنين، حان وقت الإجابة عنه: متى يصبح للكتابة عقول تستوعبها.. وللكاتب أجر ومكانة تساويه فى بلدنا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة