رحل عن عالمنا فجر أمس، السبت، فى العاصمة الفرنسية، باريس، المفكر والباحث الجزائرى مالك شبل، عن عمر يناهز 63 عامًا جراء إصابته بمرض عضال. واشتهر "شبل" فى الساحة الفرنسية بدفاعه عن الإسلام المستنير والمنفتح وخلف وراءه عشرات الدراسات انصبت فى غالبيتها على إشكالية الجنس فى التراث الإسلامى ومن أشهرها "الجسد فى الإسلام" عام 1984 و"روح الحريم: أساطير الجنس وممارساته فى المغرب" 2003.
تناول مالك شبل الثقافة الإسلامية من زاوية شمولية ومركبة تمزج بين التاريخ وعلم النفس والأنثروبولوجيا. وانصب اهتمامه فى الأساس على دراسة إشكاليات الجسد والرغبة والحب.
ويعتبر مالك شبل من الباحثين القلائل الذين اهتموا بالتعريف بالإسلام فى الساحة الثقافية الفرنسية بأسلوب بسيط موجه إلى القرّاء العاديين ما جر عليه اتهامات عديدة من طرف الأكاديميين الذين عابوا عليه عدم التقيد بالصرامة العلمية فى أعماله.
والواقع أن كتب شبل، مثل "القرآن للمبتدئين" أو "محمد نبى الإسلام" أو "موسوعة الحب فى الاسلام" كانت وما تزال تلقى رواجًا كبيرًا وتصدر فى طبعات شعبية بأسعار فى متناول الجميع بخلاف الدراسات الأكاديمية النخبوية التى تستعصى قراءتها على الجمهور الواسع وتبقى حبيسة رفوف المكتبات.
حرص "شبل" أيضًا على حضور منتظم فى الساحة الاعلامية الفرنسية مدافعًا عن إسلام منفتح ولّى عهده فى البلدان العربية، وقارع مثقفين فرنسيين وإعلاميين تخصصوا فى التهجم على الاسلام ونشر سلبياته فى العقدين الأخيرين.
ودافع "شبل" بقوة عن إسلام الأنوار والتسامح وعن معاناة الجاليات الاسلامية فى الغرب وقال فى هذا الصدد "غالبية المسلمين فى الغرب محاصرون فى كماشة بين المجموعات الأصولية المتطرفة التى تريد أسلمة العالم وبين الغالبية الساحقة من الأوربيين الذين لا يفقهون أى شىء عن الإسلام".
وكان "شبل" يعتبر نفسه كما قال فى أحد الحوارات، سليل القرون الذهبية فى تاريخ الثقافة الاسلامية: "باسم تلك القرون أشتغل وباسم العدد الهائل من العلماء والشرّاح والشعراء والفقهاء والأطباء والخلفاء والسلاطين المتنورين أتحدث وأعتبر نفسى رفقة آخرين حراسا لهذا التراث".
وقال رئيس المجلس الفرنسى للدين الإسلامى أنور كبيبش إن رحيل مالك شبل يعد خسارة كبيرة لعموم المسلمين فى فرنسا.
ولد "شبل" بمدينة سكيكدة بالجزائر عام 1953. درس الأدب العربى فى جامعة قسطنطينية بالجزائر قبل أن ينتقل لاستكمال الدراسة فى جامعة باريس السابعة وحاز على الدكتوراه فى علم النفس عام 1982. ثم حاز على دكتوراه فى علم الديانات وأخرى فى العلوم السياسية لاحقًا. ابتداء من عام 1995 شرع فى التدريس وتأطير البحوث فى جامعة السوربون وقام بالتدريس أيضًا فى عدة جامعات عربية وأوروبية وأمريكية.
أصدر طيلة حياته 35 كتابًا كلها باللغة الفرنسية، تتناول جوانب مختلفة من الثقافة العربية الإسلامية من أبرزها "موسوعة الحب فى الإسلام" (1996) و"أبناء إبراهيم المسلمون واليهود والمسيحيون" (2011)، و"الإسلام والعقل"، و"محمد نبى الإسلام". كما ترجم معانى القرآن الكريم إلى لغة موليير.
كان الراحل معروفًا على نطاق واسع من خلال مساهمته الأسبوعية طيلة سنوات على أمواج إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولى ميدي1 التى تبث باللغتين الفرنسية والعربية من مدينة طنجة ولها مستمعون كثيرون فى البلدان المتوسطية.
وكان الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى وشح مالك شبل عام 2008 بوسام من فارس جوقة الشرف. وتعليقًا على رحيله، كتب رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس تغريدة على موقع التواصل الاجتماعى تويتر جاء فيها "مالك شبل كان مرادفًا لإسلام الأنوار والحداثة".
فى كتابه "قاموس حب الجزائر" كتب شبل: "العودة إلى الجزائر كانت دائمًا إشكالية لأن العودة ببهجتها الجارفة تمتزج بخشية غريزية من أن لا أحس بأننى فى وطنى وأن أصير كالغريب". لكن هذا لم يمنعه من أن يترك وصية بدفنه فى مسقط رأسه حيث سيوارى الثرى غدًا الاثنين فى سكيكدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة