أصر عام 2016 ألا تنطوى صفحاته إلا وقد ترك فى قلوبنا ألما ووجعا، بعد أن غدر الإرهاب بأرواح الأبرياء فى الكنيسة البطرسية، ولم يمض فى مسيرته نحو الفناء قبل أن يكتب لمصر قدرتها على دحض الإرهاب ومكافحته والسير فى طريق إفنائه، يرحل "عام الدم" الذى سال على أرض سيناء فى الحرب المقدسة ضد المتطرفين والغلاة والإرهابيين، لم يلفظ "عام الدم" أنفاسه إلا وقد تماسكت أنفاس المصريين مسلمين ومسيحيين فى مواجهة سرطان يوشك الوطن على البرء منه.. ولم يمتطِ "عام الدم" جواده إلى رحلة اللاعودة دون أن تضع مصر أعمدة نهضتها وتقدمها، ليكون اأجمل فى أن يتحقق الانطلاق فى ضيافة "عام الأمل" 2017.
كانت رحلة طويلة عاشها الشعب المصرى بكل الآمال والألام، الآمال فى تحقيق نهضة فى كل النواحى الاقتصادية والاجتماعية، ومواجهة قوى الشر التى تكالبت على مصر من الإخوان وتابعيهم من الجماعات الإرهابية المارقة، وأسيادهم الذين يأتمرون بأمرهم فى قطر وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، والألام من أزمة اقتصادية خانقة تدور بين الارتفاعات الجنونية فى الأسعار، والانتفاخ الدولارى فى مواجهة الجنيه الذى تراجع خيفة ورهبة، ومواجهة التطرف بكل أشكاله وصوره من فتاوى تؤدى إلى تمزيق المجتمع، ومرورا بالفساد الذى يسكن فى مفاصل الدولة المصرية رغم إعلان حالة الحرب عليه، إضافة إلى ترك بعض الجهلاء ليتحدثوا فى غير علم، وعلى غير فهم، وسط عالم يموج بالتقلبات التى تشير إلى بروز نظام عالمى جديد، وتقلبات عربية فى المواقف والقواعد دون أسس منهجية فتاهت فى الزحام مفاهيم التشاركية وسط اندفاع تآمرى نحو مصر .
فالتطرف معناه الأبسط هو السير ضد المعقول، وهو ما رأيناه فى فى زيادات مبررة وغير مبررة فى الأسعار بالشكل الذى أوحى للمواطن أنه فى طريق المتاهة يسير، وسط تصريحات من بعض المسئولين بوردية الحياة فتزيد لدى المواطن استعداده للإصابة بارتفاع ضغط الدم، ووسط تصريحات أخرى تصدر سوداوية الحياة فتصيب المواطن بارتفاع معدلات السكر فى الدم، وتضخم فى حجم الدولار الذى أصبح وكأنه فيل فى الحديقة المصرية، فى ظل تقزم للجنيه حتى أنه لم يعد يستطيع التقاط أنفاسه فى ماراثون الصراع غير المتكافئ بسبب إصابته بالالتهاب الاقتصادى، هذا التطرف الاقتصادى الذى أدخلته القيادة فى مصر إلى المعامل المركزية للوقوف على أسبابه، وكيفية مواجهته، وأنتجت القيادة أمصالا جديدة حقنت بها الاقتصاد فى قرارات اقتصادية جريئة استطاعت بها الدولة مواجهة هذا التطرف، ورغم أن رحلة العلاج طويلة ومرهقة للمواطن إلا أن الأمل فى الشفاء يبقى قائما.
ويأتى تطرف الفساد فى أروقة الدولة ودواليب العمل الرسمية ليؤكد أن الفساد كارثة تهدد الوطن، ويتغذى على دماء المصريين، ورغم أن حفنة الفاسدين الكبار معروفون وتشير إليهم الأصابع كل صباح، إلا أنهم مازالوا يخرجون للدولة ألسنتهم، فاعلنت الدولة عن حمل كل مطارقها لتضرب بها رأس هذا الأخطبوط المسمى بالفساد، منهم من تسقط رأسه تحت المطرقة، وهو ما نتابعه كل يوم من إعلان عن سقوط الفاسدين فرادى أو جماعات منظمة تستهدف العدوان على الشعب وسرقة ماله بعد أن سرقوا تاريخه واغتصبوا مستقبله، ومازالت الدولة المصرية تشهر أسلحتها للقضاء على هذا التطرف الذى يحاول أن يقتل فينا كل أمل فى مستقبل نتمنى أن يكون خاليا من هذا التطرف .
والتطرف فى الفكر يأتى ليكون أشد أنواع التطرف فتكا بالمجتمعات، فعندما ساد تطرف الكنيسة فى العصور الوسطى فى أوروبا سقطت مجتمعاتها فى مستنقع الظلام الذى لم يرحل بغير القضاء على تطرف الكنيسة وإعادة الإنسان لأصله حرا ومبدعا وخلاقا، وعندما طغى المتطرفون الجدد بفتاويهم، أفرزت دعاة القتل والدم من الإرهابيين الذين لا ضمير لهم ولا دين،وفى مواجهة أولئك الغلاة،نبت لدينا غلاة جدد على المسار الآخر، فتركت الدولة للجهلاء وفاقدى الذكاء المنابر فى الجامعات والنوادى وعلى شاشات التليفزيون ليطعنوا فى ثوابت الدين والعقيدة، فأحدث ذلك اختلالا لدى الناس، وراحوا يتساءلون: هل هؤلاء وأفكارهم العفنة هم الذين سيواجهون غلاة الفكر والإرهابيين؟ أم أنهم يزيدون المجتمع احتقانا وتفككا؟ ومما يزيد "الطين بلة" أن هؤلاء يوجهون سهامهم للدولة شعبا وسلطة، وأولئك يوجهون سهامهم إلى السلطة رغم أنهم يجاهرون بأنهم فى حمايتها، وهو مايذكرنى بأزمة الأسلحة الفاسدة عام 1948 عندما كانت المدافع ترتد طلقاتها إلى صدور جنودنا بدلا من الانطلاق نحو العدو..ورغم خطورة هذا النوع من التطرف إلا أن الدولة لم تضع استراتيجية واضحة للقضاء عليه، وهو الأمر الذى نحذر منه بكل أنواع التحذيرات وصورها فى أن بقاء هذا الغلو فى عام 2017 سيؤدى إلى كارثة وموجة جديدة من التطرف، فتصبح الدولة فى مواجهة تطرفين متقابلين أحدهما تطرف الفاشية الدينية، والآخر تطرف الجهل والغباء الذى ستتحمل الدولة كوارثه.
وتطرف الإلغاء والإقصاء هو واحد من أشد أنواع التطرف وأخطره على كيان الدولة، فكل من لا يشاركنى الرأى فهو عدوى، فهذا يطالب بإلغاء "فيس بوك" لأسباب يراها مهمة ليكرس مفهوم "الإلغاء" بالكلية دون البحث فى تطويره غير معتبر لما يمكن أن يؤدى ذلك إلى تخلف الدولة، وفعل كمن ينادى بتحريم شرب الماء لأن رجلا شرب فشرق فمات، وهذا يحرم على المسلمين التعامل مع الأقباط دون أن يدرك التقاسم الوطنى فى التاريخ والمستقبل بين المسلمين والأقباط، وهو الأمر الذى يدعونا فى المركز الوطنى للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام بتهنئة أقباط مصر بمناسبة أعياد رأس السنة الميلادية.. ونكرات تطعن فى البخارى ومسلم ويصفهما بأوصاف ونعوت تؤكد حالة التطرف والتشيع داخلهم يصدرونها للمجتمع، فيمهدون الأرض للصراع الذى يمكن أن يتحول إلى اشتباك مجتمعى دون أن يدرك من يقف وراء هؤلاء أنها المصيبة تسير ممتطية مطية الشر والغباء مجتمعين وعلى الرغم من كل هذة الحروب المجتمعية التى لا يمكن لأى دولة النفاذ منها إلا أننا كمجتمع استمد العبرة من تاريخ آبائه خاضها وانتصر واذهلتنا حالة الصمود الاجتماعى، كما أذهلت أعداءنا عبورا صعبا داخل نفق 2016 حتى ننفذ إلى عام نتمنى فيه الأمل والنجاح هو2017 وما بعده بإذن الله وتوفيقه، وفى النهاية كل عام والمصريين جميعا فى خير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة