بعد "مساكين يعملون فى البحر"

عبد الرحمن مقلد فى حوار: الشعر يحقق مقروئية كبيرة و"البيست سيلر" كاذبة

الخميس، 12 يناير 2017 01:03 م
عبد الرحمن مقلد فى حوار: الشعر يحقق مقروئية كبيرة و"البيست سيلر" كاذبة الشاعر عبد الرحمن مقلد
حاوره ياسر أبو جامع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قدر الشعراء العرب أن يرثوا الموتى ويحزنوا على الضحايا

جابر عصفور أخطأ فى مقولة زمن الرواية ومصر تشهد قفزة كبيرة فى الكتابة

 

عندما يمنحك الله موهبةً، خاصةً حين تكون هذه الموهبة متعلقة بـ قلم وورقة – الكتابة - تضعك تجربتك الذاتية أمام الاختيار الصعب والرهان الأكبر بين صنوف الكتابة، أيهم سيعبر عنك ويحتوى طاقتك الإبداعية، وحين تختار الشعر ستكون قد اخترت الرهان الأصعب، "فلم يغادر الشعراء متردم"، وهذا ما راهن عليه الشاعر عبد الرحمن مقلد منذ نشيده الأول- ديوانه- "نشيد للحفاظ على البطء"، وفيما يلى حوارنا معه بعد تجربته الثانية "مساكين يعملون فى البحر"، متحدثاً عن هموم المساكين ومستقبل القصيدة العربية وقيمة الشعر بين صنف الكتابة الإبداعية، فإلى نص الحوار:

بداية، "مساكين يعملون فى البحر" تجربتك الثانية بعد "نشيد للحفاظ على البطء".. حدثنا عن تجربة كتابه نصوصه، وكم استغرق من الوقت؟

نحو 6 سنوات، حيث بدأت كتابته فى العام 2010 وانتهيت منه فى 2016.

 لماذا كل هذا الوقت؟

الشعر يحتاج جهدًا وعملًا شاقًا، ومطالعةً، وتهيئةً، وكتابة القصيدة بالنسبة لى ليست رحلة ترفيهية، وإنما جولات محفوفة بالمخاطر. وأنا أكتب أضع فى رأسى أكثر من 1400 سنة من الإبداع الشعرى العربى، والتراث الإنسانى بشكل عام، وأفكر كيف أكتب نصًا خاصًا ومغايرًا لما يكتبه الآخرون، ومنفلتا من الدوائر الكتابية المحدودة أو الموضات الكتابية، وهذا أمر ليس سهلًا على الإطلاق. فى نظرى  أن الموهبة لا تكفى وحدها، ولا التداعى الذى يمكن أن يملأ الشاعر به آلاف الصفحات من الخواطر الجوانية، لأن القصيدة بناء يحتاج تشييدًا وعملًا جادًا، ليحافظ النص على بكارته من جانب وتكون له أبعاد أكبر نفسية ومعرفية.

 يتحدث الديوان كثيرًا عن القتل والحرب والمخاوف البشرية والكوارث والثورات المجهضة، هل لما يحدث فى الوطن العربى من حروب وقتل واستنزاف لثورات الربيع العربى أثر فى كتابتك؟

بالتأكيد، فضلا عن أن الشعر ذاكرة لما يدور حوله، من يستطيع أن ينفصل عما يحدث فى أوطاننا من كوارث، بلاد تنهار وحروب أهلية وبشر يغرقون فى البحر وجيوش تتقاتل وطائرات تقصف بشرا عزل وإرهابيون يقتلون على الهوية. كيف يستطيع الشاعر العربى الآن أن يبتعد عن كل هذا، قدرنا أن نرثى الموتى ونحزن على الأقل على الضحايا الذين يتساقطون كل يوم، وواجبنا أن نقول للزعماء والمقاتلين والسياسيين والجنرالات: كفوا، يكفى كل هذا القتل، على ماذا تتحاربون، هذا ما عرضته فى ثلاثية قصائد "الحرب والدم وعدوان"، كما لم أغفل أبدًا الكوارث التى تحيط بالمصريين، كيف بى ألا أكتب شعرًا عن أمهاتنا اللواتى يتهافتن أمام المستشفيات للحصول على العلاج؟ كيف لا أسجل هذا الألم؟ كيف لا يحوى كتابى وهو عن المساكين قائمة بالأحلام المجهضة؟ وكيف لا أدون مأساة الضحايا الذين تتساقط عليهم بيوتهم كل يوم؟ وكيف لا أسجل أن بشرًا ماتوا محروقين، وتحت قضبان القطارات، وغرقى فى رحلات الهجرة غير الشرعية؟ كل هذا العبث والموت والحزن نعايشه كل يوم، فكيف نبتعد عنه؟ إن كنا لا نملك أن نمنع هذه المقتلة، فعلى الأقل ندوّنها ونحزن على الضحايا، وندعو للسلام والمحبة.

فى ظل ما يعيشه العالم... هل تراه فى حاجة إلى الشعر، ولماذا؟

ما دام الإنسان يعيش، فبالتأكيد هو فى حاجة للشعر، هناك مقولة مفادها "أن كل إنسان هو شاعر بالقوة"، وما دام هناك مجال للعواطف والمشاعر، فهناك حاجة ملحة للفن، بل نحن الآن فى واقع يلزمه الكثير من الشعر، لنشر المحبة ورثاء الضعفاء، وكبح الصفات الوحشية التى تنتشر بين البشر. للشعر دور ترويضي، لأنه يجعل الإنسان أكثر تمسكا بالقيم المثلى، وأكثر بعدا عن الكراهية والصفات البغيضة.

لمن تقرأ من الشعراء، وترى أن بإمكانه أن يدهشك؟

كل الشعراء يدهشونني، لم أفقد أبدا الإحساس بالدهشة فى نصوص أى شاعر حقيقي، أعيد قراءة أعمال شعراء هم الأقرب لى دائما، على رأسهم محمود حسن اسماعيل، وابن الرومي، وأعتبر تجربة الأخير إحدى أهم التجارب الإنسانية التى ظلمها طغيان نموذج المتنبى ونمط كتابته على الذائقة العربية، لابن الرومى قصيدة أتذكرها دائما هى بائيته "فى ذم الأسفار"، التى يعبر فيها عن حياته الخاصة ورحلته مع مكابدة السفر، أحب هذه النماذج الشعرية كثيرا، أما محمود حسن إسماعيل فأعتبره مرشدى الأول، هذا الشاعر الاستشرافى الذى تعامل مع المعرفة الشعرية الباطنية، وأحدث فارقا هائلا ونقل بلغته القصيدة العربية من أرض مأمونة العواقب، إلى أرض شاسعة غنية ثرية أخرى ومملوءة بمخاطر وملذات لم تطأها قدم. قبل محمود حسن إسماعيل، لم تخرج القصيدة العربية الحديثة عن تراتبيها وأغراضها المعروفة إلا قليلا، ولم تنتقل فى كثيرها إلا تنقلات محدودة وأفكار محدودة، وهو خطا بالقصيدة إلى مناطق التخوم والمعرفة غير المحددة.

لكن هناك أزمة فى تلقى الشعر فى مصر الآن، من المدان: الشاعر أم المتلقى، وما رؤيتك للمشهد الشعرى الحالي؟

هناك أزمة فى المناخ المحيط بالشعر، وليس فى الشعر ذاته، القصيدة العربية بخير دائما، هناك مئات من النصوص والدواوين والكتابات الجيدة والمتطورة التى تصدر سنويا فى كل الأقطار العربية. فى مصر هناك قفزة كبيرة فى الإنتاج الشعرى، أستطيع أن أعد لك الآن عشرات الدواوين الجيدة التى صدرت، وتشكل نقلات كبيرة وتطورات مهمة فى القصيدة، يكفى أن أذكر الشعراء محمود قرنى، وإيهاب البشبيشى، وعماد أبوصالح، وأشرف يوسف، وعزمى عبد الوهاب، ومحمد رياض، ومحمد القليني، وعمرو الشيخ، وسيد العديسي، ومحمود سباق، وعلى منصور، والضوى محمد الضوى، وحسن عامر، ومحمد هشام، وسلمى فايد، ومحمد مجدى هرمس، وإبراهيم السيد، وعبد الرحمن تمام، وأحمد بلبولة، وأسامة بدر، وأحمد عايد، وقائمة كبيرة من الشعراء، أخشى أن أكون نسيت شعراء آخرين، أصدروا أعمالا مهمة، وكتبوا قصائد لقيت قبولا كبيرا. كما أن هناك شعراء جددًا ظهروا، وشبابا مبشرين بدأوا الكتابة، واقتحموا آفاقا جديدة، شباب بارع ومختلف وموهوب يحمل هم القصيدة العربية، ويتطور كل يوم، أذكر منهم محمد العارف، ومحمد المتيم، وأحمد حافظ، وأحمد جمال مدنى، ومحمود على، ومحمد إسماعيل وعبد المنعم شريف وغيرهم. ليس هناك أزمة فى إنتاج الشعر، ولا أزمة تلقى، هناك أزمة فى القائمين على أمور الشعر، أشعر أحيانا أن مسئولى مؤسسات الشعر فى مصر يكرهونه، سواء فى لجنة الشعر، أو بيت الشعر. هؤلاء شوّهوا المشهد الشعرى، وأفرغوا ندوات الشعر ومحافله من الجمهور بسياستهم التافهة. كما هنا أزمة نقد، نقاد اليوم أكثرهم، قلوبهم ممتلئة بالحجارة، لا يحسون، ولا يحبون الشعر، ويفضلون خوض غمار الكتابة عن الأعمال المضمونة، والمرحبة، ولهم العذر بالطبع.

مع الكتابات النقدية والآراء التى تشير إلى أنه لم يحدث أى جديد على مستوى قصيدة الفصحى بعد ما قدمه جيل الستينيات الرائد، إلى أى حد ترى هذا الرأي؟

كلام غير صحيح، فهل تتخيل أن أكثر من 50 عاما من الكتابة لم يكن لها صدى، أقول إن مثل هذه المقولات تحمل ظلما وتجنيا على الثقافة العربية جميعها وتظلم أجيالا ممن حملوا همّ التجديد فى كل جوانب الكتابة ولا نقول الشعر فقط. بالطبع لا ينكر أحد فضل جيل الستينيات على القصيدة العربية، لكن هذا لم يمنع التجارب المغايرة التى شغلت شباب السبعينيات وما بعدها. وأرى أن اختفاء الشاعر النجم على عكس ما يتوقع المثيرون أفاد القصيدة العربية، فبغياب الأسماء الخمسة المعروفة، ظهرت مئات الأسماء غير المستنسخة والتجارب الحقيقية، وهذه التجارب استطاعت أن تعبر عن مآسى الإنسان العربي، ولم تنحسر فى مأساة أو اثنتين، صحيح أن شاعرًا بحجم محمود درويش لم يعد حاضرا، وهذا شيء مؤسف، لكن محمود درويش تجربة واحدة، وهناك مئات من التجارب الأخرى سواء اتسع منجزها أو ضاق، الماكينة الإبداعية العربية لم تتوقف أبدا ولن تتوقف عن إنجاز الشعر.

هل حقاً نحن فى زمن الرواية لا الشعر، ومن هم الروائيون الذين تقرأ لهم، وما رواياتك المفضلة؟

من وضع الشعر فى مقابل الرواية؟ أخطأ جابر عصفور شديد الخطأ حينما سمى كتابه "زمن الرواية"، وجعلها تنازع الشعر، نحن ككتاب ومثقفين من المفترض أننا نؤمن بالتجاور والاتساع للجميع، وبضرورية الأشكال الأدبية كافة، لا أظن أن هناك رواية تقرأ أكثر مما يقرأ شعر نزار قبانى ومحمود درويش وأمل دنقل. وطرح مثل هذه القضايا عبث، إلا إذا كان فى طرحها عداءٌ للشعر العربي، وللأسف هناك نزعات ظهرت بمسميات عدة لتهاجم القصيدة العربية باعتبارها عمود خيمة الثقافة العربية، فسعت لهدم الشعر، واعتباره من الأمور التى تجاوزها الزمن فادعوا اختفاءه.

حقق ديوانك متابعة ومقروءية ملحوظة، إلام ترجع ذلك؟

ليس ديوانى فقط، علينا أن ندرك أن هناك فرقًا كبيرًا بين الشعر وغيره من الفنون الكتابية، فى المقروئية، يمكن أن تتداول قصيدة ما آلاف المرات كما تتداول الأغنية، على عكس حركة الرواية ككل، وبالتالى فإن الشعر العربى إلى الآن يحقق مقروئية كبيرة، ويقف فى أول الفنون، ولا يحكم على تداول الشعر من "البيست سيلر"، فالإنترنت ومواقع التواصل فتحت وسائط كبيرة لتداول القصائد، ولو حتى سطر شعرى واحد، ويمكننا أن نحكم على ذلك من مراجعة عدد التدوينات الموجودة على الإنترنت المأخوذة من الفنون الكتابية لنعرف أن الشعر يتصدر المشهد. 

ديوانك الثانى جاء كالديوان الأول، يبدو أنك مصر على كتابة شعر التفعيلة، فهل هذا توجه ضد طغيان قصيدة النثر؟

لا أفكر فى الكتابة من هذا المنطق أبدا، الشعر شعر، ليس شرطه الأوزان ولا القوافى، ولا شرطه تركها، نعم ديوانى الأول والثانى حفلا بالموسيقى، لكنها موسيقى أجمع كل من قرأهما أن الموسيقى فيهما قيمة مضافة، أضافت للشعر ولم تفسده، كما تفسد الموسيقى الطناطة الكثير من قصائد شعر التفعيلة، علينا أن نفرق بين الموسيقى والأوزان، وأرى أنه لا بد أن يكون الشاعر خالقا لموسيقاه الخاصة وإيقاعه المتفرد.

لكن هناك صراعا بين التفعيلة والنثر، يعتبره البعض صراعا بين المؤسسة ممثلة فى قصيدة التفعيلة التى انتهت صلاحيتها والتمرد ممثلا فى قصيدة النثر الشابة.. ما رأيك؟

لا القصيدة التفعيلية عجوز ولا النثرية شابة، القصيدتان ظهرتا فى وقت واحد تقريبا، وصارتا متجاورتين، وأبدع كاتبو التفعيلة والنثر الكثير من النصوص العربية الخالدة والفارقة، ومن الظلم والتعاسة، الآن، أن نقصى أى كتابة أدبية، وعلينا أن نعترف بأن لكل نص آفاته، فإن كانت آفة التفعيلة أنها فى كثير منها لم تخرج من عباءة روادها، فإن آفة النص النثرى أنه أفقد القصيدة مذاقها فى كثير مما يكتبه، ولم نعد نعرف هل هذا المكتوب شعرا أم خبرا صحفيا، للأسف اختلطت الأمور على الناس جراء هذه النصوص، وهو ما أضر بالقصيدة العربية، والشاعر لا بد أن ينجو من هذه الآفات. 

ولماذا اخترت النشر الحكومى للمرة الثانية، فـ"مساكين يعملون فى البحر" و"نشيد للحفاظ على البطء" صدرا عن قصور الثقافة؟

اخترت النشر الحكومى، وانتظرت عامين، ليصل كتابى للقراء الفقراء وللشباب بثمن قليل يستطيعون تحمله، ويوزع فى كل أقاليم مصر، وهو ما لا تتيحه دور النشر التى تقوم على استغلال الكاتب والقارئ معًا، فتحصل على أموال الكاتب ولا توزع كتابه، وإن طبعته تطبع منه 100 نسخة أو 500 على الأكثر، ثم تطرح الكتاب بثمن غال لا يستطيع تحمله الفقراء ومحددو الدخل من أمثالنا. وبالنسبة لى فإن النشر الحكومى هو النشر بمعناه الحقيقى، وللأسف بورصة الكتب أو "البيست سيلر" التى تعلنها دور النشر كاذبة ومخادعة، فالكتب التى تطبعها الحكومة توزع أضعاف ما توزعه هذه الدور،  فديوانى الأول طبع 3000 نسخة وانتهى توزيعه خلال سنة، وديوانى الثانى يحقق نسب توزيع عالية، ويختفى من عند باعة الكتب والمكتبات بأسرع من الكتب التى تروج لها دور النشر وتضعها فى قوائم الأكثر مبيعا.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة