يترقب الإيرانيون بكثير من الآمل انطلاق الانتخابات الرئاسية المقررة الجمعة المقبلة، والتى يتنافس فيها الرئيس حسن روحانى و5 مرشحين آخرين على المنصب الذى يعد الثانى فى هرم السلطة داخل إيران الذى يعلوه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله خامنئى.
وتحت ولاية المرشد، ينافس روحانى الطامع فى ولاية رئاسية ثانية 5 مرشحين بينهم مرشحان إصلاحيان ينتميان إلى معسكره السياسى وهما نائبه إسحاق جهانجيرى والوزير الأسبق هاشمى طبا، فيما يخوض السباق 3 مرشحين محافظين يتقدمهم إبراهيم رئيسى الملقب بـ"مرشح المرشد"، وكلا من عمدة العاصمة طهران، محمد باقر قاليباف، ووزير الثقافة الأسبق، مصطفى مير سليم.
وبخلاف غيرها من سائر الدول، يعد منصب الرئيس داخل إيران محاطا بالكثير من القيود التى تفرضها ولاية الفقيه، فبحسب الدستور الإيرانى، يحل الرئيس فى المرتبة الثانية تحت المرشد الأعلى، وهو المنصب الذى استحدثه الخمينى مؤسس الجمهورية الإسلامية عقب الثورة فى 1979، بناء على معتقد شيعى يرى أنه ينبغى تنصيب شخص ينوب عن المهدى المنتظر (الذى يعتقد الشيعة الإثنى عشرية أنه غائب وسوف يعود آخر الزمان)، ونصب الخمينى نفسه آنذاك أول مرشد أعلى فى البلاد حتى وفاته فى 89 وأخلفه على خامنئى.
أما عن اختيار الولى الفقيه أو المرشد الأعلى تنص المادة (107) من الدستور الإيرانى على أن مجلس خبراء القيادة هو الذى يعين الشخصية الدينية التى تتوافر فيها كل الشروط الدينية والفقهية لتولى منصب (الولى الفقيه) ويحق له خلعه إذا خالف الدستور أو إصابه مرض لا يمكنه من الحكم، ومجلس الخبراء الذى يختار الولى الفقيه يضم 86 عضوا، من رجال الدين ممن يعرف عنهم التقوى والعلم يتم اختيارهم بالاستفتاء الشعبى المباشر لدورة واحدة كل ثمانى سنوات.
ويحتل المرشد الأعلى الموقع الأول وقمة هرم الدولة الإيرانية، وهو المحور الأساسى فى نظامها، ويجمع فى يده كافة السلطات والصلاحيات (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، فهو يعين بشكل مباشر قائد الحرس الثورى، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون الحكومية، ورئيس السلطة القضائية، ورؤساء العديد من المؤسسات الدينية شبه الرسمية، ويتمتع المرشد الأعلى وحده بسلطة إعلان الحرب أو السلام، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولقوات الحرس الثورى، وبحسب الدستور يقوم المرشد الأعلى بوضع والإشراف على السياسات العامة للدولة، ويحدد طبيعة وتوجهات والخطوط العريضة للسياسات الداخلية والخارجية، ويتولى منصبه مدى الحياة حتى وفاته.
وفضلا عن أن المرشد يعين كافة رؤساء المؤسسات، فأنه يتدخل أيضا فى اختيار رئيس الجمهورية المفترض انتخابه من الشعب ولكن بشكل غير مباشر عبر "مجلس صيانة الدستور"، ذلك المجلس الذى يعد آلة فى يد خامنئى لإقصاء خصومه السياسيين، حيث يعين خامنئى بنفسه 6 فقهاء دينيون من أعضاء هذا المجلس البالغ عددهم 12، والـ 6 الآخرين فيكونوا من الحقوقيين الوضعيين يرشحهم رئيس السلطة القضائية (الذى يعينه أيضا خامنئى) إلى البرلمان، ويتم انتخاب أعضاءه كل 6 سنوات، ويهيمن على مجلس صيانة الدستور رجال الدين المتشددين، وهؤلاء يلعبون أبرز أدوارهم فى قبول المرشحين للانتخابات الرئاسية.
ومع اقتراب موعد الاقتراع للانتخابات الرئاسية فى إيران، مارس المجلس مهامه المنوطة إليه فى بحث ودراسة أهلية المرشحين، حيث أقصى فى 21 من أبريل الماضى الرئيس الأسبق المتشدد أحمدى نجاد، بعد أن عصى أوامر المرشد الذى أوصاه بعدم خوض الانتخابات، ليس نجاد وحده من طالته لعنة المجلس، بل على مدار السنوات الماضية استخدم المجلس كآلة لإقصاء الخصوم السياسيين أو من لا يتبعون نهج هرم السلطة.
ومن أبرز الأمثلة على الإقصاءات التى حدثت لرجال النظام داخل مجلس صيانة الدستور، كان رفض ترشح الراحل هاشمى رفسنجانى رئيس تشخيص مصلحة النظام السابق للانتخابات الرئاسية فى عام 2013، وتم أيضا إقصاء حفيد الخمينى من الترشح لمجلس خبراء القيادة، وفى أبريل 2017 أحدث المجلس جدلا واسعا داخل المجتمع الإيرانى بعد أن قرار رئيس مجلس صيانة الدستور رجل الدين المتشدد أحمد جنتى إقصاء الأقليات الدينية (الزرادشتية واليهود والمسيحيين والأرمن) من خوض انتخابات المجالس البلدية وتسببب فى موجة غضب داخل البرلمان. كما منع المجلس فى 22 يناير 2016، خوض شخصيات إصلاحية بارزة الانتخابات البرلمانية التى أجريت فى فبراير من العام نفسه، ما جعل روحانى يفتح النار على أعضاء صيانة الدستور ويطلق تصريحه الشهير فى فبراير العام الماضى والذى قال فيه "لا داعى لإجراء الانتخابات طالما سيشارك تيار واحد فيها.. يسمى برلمان الأمة، وليس برلمان فصيل واحد".
يرى المراقبون أن هرم السلطة فى إيران لا يقف على مسافة واحدة من المرشحين الست، إذ يحظى المرشح المحافظ ورجل الدين إبراهيم رئيسى بنصيب الأسد من الدعم، فرئيسى الذى رفض فى البداية الترشح للرئاسة، قرر خوض السباق بمباركته وبضوء أخضر من خامنئى شخصيا، إذ كشف تقارير إعلامية نشرتها طهران بأنه عدل عن رأيه بعدما قام بجولة تشاورية مع رجال الدين فى مدينة قم وحظى بتأييد من خامنئى.
إبرهيم رئيسى
وبالعودة للوراء قليلا أصدر المرشد أوامر بتعيين رئيسى فى مارس 2016، على رأس أكبر مؤسسة خيرية "آستان قدس رضوى" فى مدينة مشهد، لذا يرى مراقبون أن هذا الدعم دفع الحرس الثورى لمساندة المرشح عبر إعلامه الذى سخره لحشد أنصاره، وجعله أيضا منصات للهجوم على مرشحى التيار الإصلاحى، مما جعل المرشح المحافظ رئيسى يشعر أنه فتى خامنئى المدلل، فعمل على التقرب منه أكثر خلال فترة الدعاية الانتخابية غازله خلال خطاباته مرات عدة أمام أنصاره فى الخطابات التى ألقاها فى جولات الدعاية الانتخابية، على سبيل المثال نراه كرر تصريحات خامنئى أمس، السبت أمام حشد انتخابى فى مدينة تبريز، والذى قال فيه "أن حضور الشعب هو الذى أبعد شبح الحرب عن البلاد وليست الاتفاقية النووية كما يدعون"، وهو ما يدل على أنه يسير على نهج المرشد، وأنه تفهم رسالة صعوده وتأييد خامنئى له، فما يدور خلف الكواليس أن صعود نجم رئيسى وتسليط الأضواء عليه لم يكن من فراغ، فالتقارير تشير إلى أنه قد يكون رجل المرحلة وأنه يتم إعداده للقيام بدور أكبر من دور رئيس الجمهورية، فحتى لو خسر السباق فاحتمالات خلافته للمرشد الأعلى باتت أكبر.
المرشد الأعلى مع قادة الحرس الثورى والمؤسسة العسكرية
وعلى النقيض، منذ بداية صعود الرئيس الحالى حسن روحانى فى 2013، لم تكن العلاقة بينه وبين المرشد سيئة أو ممتازة، لكن أصبحت تتخذ منحنى تنازليا منذ توقيع الاتفاقية النووية فى يوليو 2015، ووصل هذا المنحنى ذروة انخفاضه فى 21 مارس الماضى، حيث كشفت رسائل تهنئة بعيد رأس السنة (العام الفارسى) الجديد، عن خلاف حول الملف الاقتصادى بدا يظهر إلى العلن بين المرشد الولى الفقيه والرئيس (السلطة التنفيذية)، حيث انتقد المرشد الأوضاع الاقتصادية، وآداء حكومة روحانى فى هذا القطاع بشدة، قائلا " لم تكن على مستوى طموح الشعب مشيرا إلى أن قسما من الإحصائيات التى يقدمها المسئولون إيجابية وهناك أخرى سلبية ويجب النظر إلى النتيجة الكلية"، ليخرج روحانى فى اليوم نفسه بعد ساعات قليلة من خطابه، يدافع عن انجازاته ورد قائلا " ما حققناه فى كبح التضخم وتعزيز النمو الاقتصادى والوظائف فى السنة الأخيرة لم يسبق له مثيل فى الأعوام الـ 25 الماضية".
وفى مناسبة أخرى انتقد خامنئى سياسة الانفتاح الذى حاول روحانى تحقيقها مع الغرب، وقبيل أيام من الانتخابات خرج المرشد يقول "البعض يقول منذ أن تولينا المنصب تلاشى شبح الحرب هذا ليس صحيحا، حضور الشعب فى المشهد السياسى هو الذى أبعد شبح الحرب عن البلاد".
وكان أحد أبرز الشعارات التى رددها روحانى فى حملته الانتخابية هو إبعاد شبح الحرب عن البلاد من خلال الاتفاقية النووية التى رأى أنه انتزع بها حقوق طهران النووية مقابل رفع العقوبات.
ورغم أن المرشد يتمكن من رسم ملامح الرئيس الجديد، إلا أنه غير قادر على فرض توجهاته على كافة الفئات، فمازال هناك شعبية كبيرة للجبهة الإصلاحية بين الشباب الشريحة الأكبر، والتى تتطلع إلى الحرية والانفتاح وتميل إلى المرونة فى الخطاب الإصلاحى، كما أن هرم السلطة غير قادر على دفع ضريبة التلاعب فى النتائج، لأن احتجاجات عام 2009 بدعوى تذوير الانتخابات الرئاسية، حراكها السياسى وأثرها لا يزال موجود ويؤثر على المجتمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة