عدة أيام مرت على الخبر الذي كان كوقع الزلزال على الدول العربية، حين أفادت مصادر وثيقة الصلة بتطور الأحداث فى الأزمة العربية ـ القطرية، بتسلم ميليشيات من الحرس الثورى الإيرانى تأمين قصر الأمير القطرى الداعم للإرهاب تميم بن حمد.
لم تمر أيام كثيرة حتى تصاعد الموقف تمامًا وبدلا من اكتفائه بتسليم القصر الأميرى إلى قوات الجنرال قاسم سليمانى قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى المسئول عن العمليات الميدانية الخارجية، إلا وأصر الأمير الأرعن على تسليم الدوحة بكاملها إلى الحرس الثورى ووضع مفاتيح الإمارة برمتها بين يدى الإيرانيين والأتراك، الذين تصارعوا هم الآخرين وتنافسوا على اقتسام الكعكة القطرية الثرية، والتى تحظى بواحد من أكبر احتياطات الطاقة فى العالم.
فى مساء الأربعاء 15 يونيو ذكرت مصادر بارزة بالمعارضة القطرية لـ"اليوم السابع"، أن هناك انتشارًا لافتًا لعناصر من الحرس الثورى الإيرانى فى العديد من المبانى والمؤسسات الحيوية داخل العاصمة القطرية الدوحة.
وأضافت المصادر التى رفضت الكشف عن أسمائها خوفا من بطش أجهزة الأمن القطرية، مساء الأربعاء، أن الإيرانيين يدخلون البلاد عبر جوازات سفر باكستانية تمكنهم من التنقل من وإلى قطر والتحرك داخل الإمارة بحرية.
وأوضحت المصادر، أن عناصر الحرس الثورى تتولى بشكل مكثف تأمين القصر الأميرى، فضلا عن حراسة الأمير تميم بن حمد فى تحركاته داخل قطر، مشيرة إلى قيام تلك العناصر فى الوقت نفسه بنشاط استخباراتى ضد المواطنين القطريين، وفى مقدمتهم المعارضين لحكم الأمير الداعم لجماعات التطرف والإرهاب.
إيران تستثمر فى الخلاف
اعتادت إيران دائما على الاستثمار فى الخلاف، وهى السياسة التى اتبعتها طهران فى كل الملفات التى انخرطت بها، بداية من الخلاف اليمنى الداخلى بين مؤسسات الدولة والانقلابيين الحوثيين الذى حولته إلى حرب طاحنة، وعملها على تثبيت أحد دعائمها بصنعاء، وكذلك الأمر فى المسألة العراقية حين دخلت إليه على بساط التناقضات التى أنشأها اللاعبون الغربيون بين السنة والشيعة والعرب والكرد، وها هى للمرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة تمتطى رياح الخلاف لتحقيق الأهداف الاستراتيجية بين الدول العربية.
منذ اللحظة الأولى للأزمة العربية ـ القطرية، دخلت طهران على خط الخلاف، وبادرت بعرض خدماتها على الأمير تميم الذى لم تمكنه معرفته بالشئون الإيرانية ولا بأصول السياسات على إدراك الخطر بعيد المدى الذى يكتنف المسألة برمتها وسارع فى خلع ملابسه قطعة قطعة أمام الجنرال محمد على جعفرى، قائد الحرس الثورى، مسلما إياه مفاتيح إمارته.
لكن السؤال الذى يطرح نفسه مجددا، هل ستتحول الدوحة إلى فناء خلفى للصراع بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين المتمثلتين في طهران وأنقرة؟ الإجابة: نعم.
طهران تنافس أنقرة فى أغلب الملفات الإقليمية بداية من الحرب السورية ومرورا بالمسألة اليمنية واللبنانية وانتهاء بالأزمة العراقية واحتلال تركيا جزء من الأراضى العراقية بالرغم من تنديد الحكومة العراقية والجامعة العربية بالأمر.
وعلى هذا الأساس لا يمكن تصور ثمة تعاون أو تنسيق بين إيران وأردوغان حول الملف القطرى، بل الصحيح أن الانخراط السريع والمكثف من الجانبين يعكس إلى أى مدى ينظر كل من الطرفين إلى الطرف الآخر بترقب وحذر.
أسباب الموقف التركى
ومن جانبه، صادق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، يوم الخميس 8 يونيو، على قرار البرلمان الذى وافق على تطبيق اتفاقية نشر قوات تركية على الأراضي القطرية، حسب بيان للرئاسة التركية نقلته وكالة الأناضول.
وصادق أردوغان على قرارين اتخذهما البرلمان بخصوص العلاقة بين تركيا وقطر، الأول يتعلق بنشر عدد من القوات المسلحة التركية فى قطر بناءً على اتفاق سابق بين البلدين، والثانى قرار يخصّ تطبيق التعاون بين أنقرة والدوحة فيما يتعلّق بتكوين قوات الأمن والدرك.
البرلمان التركى الذى يهيمن عليه تيار أردوغان وافق على قرار يسمح بنشر قوات تركية فى قطر، كجزء من اتفاقية بين البلدين تتيح إنشاء قاعدة عسكرية تركية فى قطر، وعدّل البرلمان مشروع قانون القرار بناءً على تغييرات وقعت فى هيكلة الجيش التركى، بعد محاولة الإطاحة بالنظام التى جرت فى صيف العام الماضى.
الحقيقة فى هذا الأمر أن تركيا تستهدف من نشر القوات وتطبيق الاتفاقية التي أرسلتها الحكومة التركية للبرلمان في مارس ليس "تطوير القوات المسلحة القطرية" و"زيادة القدرات الدفاعية للقوات المسلحة التركية من خلال تدريبات مشتركة" و"دعم جهود مواجهة الإرهاب وحفظ السلام الدولي"، كما نص مشروع القرار، لكن ترمى إلى منافسة إيران وعدم تركها تنفرد بالسيطرة على دولة عربية أخرى بعدما حققت نفوذا كبيرا فى عواصم أربع قبل الدوحة.
هذا إلى جانب أمر آخر ينطوى على كثير من الخطورة في الإستراتيجية التركية تجاه الدول العربية وإقليم الشرق الأوسط ككل، فقد استشعر أردوغان أنه في حال خروج إيران منتصرة في الميدان القطري فإن تركيا تواجه خطرًا إزاء إعادة تقييم علاقة الدوحة بأنقرة تبعًا لما يرضي إيران كما هو الحال في بغداد ودمشق ما يفرز معادلة جديدة في تموضع تركيا داخل الملفات السائلة في الإقليم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة