احجروا على "ذبابة الخليج".. قطر تكابر رغم ذل "حمد" وبكائه فى 2013 بعد كشف مؤامرة القذافى.. هل تتدخل الجامعة ومجلس التعاون لعزل الدوحة أو إخضاعها لإدارة عربية؟.. ومتى تعد مصر مشروعا لإدانة الإمارة بمجلس الأمن؟

الإثنين، 31 يوليو 2017 05:00 م
احجروا على "ذبابة الخليج".. قطر تكابر رغم ذل "حمد" وبكائه فى 2013 بعد كشف مؤامرة القذافى.. هل تتدخل الجامعة ومجلس التعاون لعزل الدوحة أو إخضاعها لإدارة عربية؟.. ومتى تعد مصر مشروعا لإدانة الإمارة بمجلس الأمن؟ حمد بن خليفة والقذافى والجامعة العربية ومجلس الأمن
حازم حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مكالمة فاضحة بكل المقاييس، جرت وفق ما تشير الشواهد والمؤشرات فى نهاية العام 2010، كان طرفاها حمد بن خليفة آل ثانى، أمير قطر السابق، والرئيس الليبى السابق معمر القذافى، وكانت المملكة العربية السعودية موضوع الحوار بينهما، بطريقة لا يمكن حسابها على اللعبة السياسية وتنسيق المواقف، قدر ما تمثل مؤامرة واضحة وصريحة على بلد عربى شقيق.

فى المكالمة الهاتفية المسجلة، قال حمد بن خليفة إن قطر تسبب إزعاجا كبيرا للمملكة، وتمول المعارض السعودى سعد الفقيه، وعددا من مناوئى النظام الحاكم بالمملكة المقيمين بالخارج، وتنفق على قناة الحوار الفضائية التى تبث من لندن، وعلى قناة "الجديد" اللبنانية، المعادية لتيار المستقبل المدعوم من الرياض، والساعية لإثارة البلبلة والتوتر فيما يخص الملف السعودى الداخلى، متعهدا للقذافى بإسقاط المملكة وحكم أسرة آل سعود خلال اثنتى عشرة سنة على الأكثر.

 

قصة التآمر القطرى الليبى على المملكة العربية السعودية

المحادثة المشينة لأمير قطر المعزول، يبدو أنها سُجّلت فى إطار مناورة من الرئيس الليبى السابق، وكانت ضمن المعلومات والوثائق المسربة عقب اشتعال الثورة الليبية، وفى الفترة المتزامنة مع ملاحقة "القذافى" والقضاء عليه بشكل عنيف فى مخبئه بإحدى صحارى ليبيا.

بحسب المعلومات المتاحة، يبدو أن حمد بن خليفة آل ثانى شعر بخيانة القذافى وتلاعبه به، فكان ردّه الانتقامى بدعم التحركات الثورية المصنوعة فى ليبيا، ووصل الأمر للمشاركة المباشرة فى قتل معمر القذافى، عبر تمويل وتسليح بعض الجماعات المعارضة، والمشاركة بفرقة من الجيش القطرى فى عملية ملاحقة الزعيم الليبى الراحل.

حالة الانتقام التى سيطرت على أمير قطر السابق، لم تغير حقيقة أن المؤامرة أصبحت مكشوفة والمعلومات متاحة على قارعة الطريق، ولم يعد لديه سبيل لردّها أو التخفيف من أثرها، ليس فقط بشأن مكالمته القديمة مع القذافى، ولكن بشأن مكالمات واجتماعات تنسيقية جمعت رئيس وزرائه ووزير خارجيته حمد بن جاسم، بالقذافى وعدد من مسؤولى إدارته، إضافة إلى تفاصيل وترتيبات أخرى تعود إلى ما قبل المكالمة المسجلة بعدة سنوات.

بدأ الأمر خلال القمة العربية بشرم الشيخ 2003، كان الملك السعودى الراحل عبد الله بن عبد العزيز وليا للعهد وقتها، وحضر القمة ممثلا للملك فهد بن عبد العزيز، الذى منعته ظروفه الصحية من الحضور، حدثت مشادة بين ولى العهد السعودى والرئيس الليبى، تطاول القذافى على المملكة، فرد "عبدالله" بحدة وقوة، متهما الرئيس الليبى بأنه مصنوع ومدعوم من قوى خارجية ومحاط بالشبهات، ما مثّل صفعة قوية آلمت الرجل الذى طالما رأى نفسه زعيما وقائدا لأفريقيا والعرب، وإن لم يمتلك صفة من صفات القيادة أو جدارة استحقاقها، فقرر التحرك لاغتيال ولى العهد السعودى والملك المنتظر، تواصل مع المعارضة السعودية المقيمة فى لندن، فلم تُبد تجاوبا معه بسبب تنسيقها المسبق مع أمير قطر، فكانت خطوته التالية بالتواصل المباشر مع حمد بن خليفة.

 

المؤامرة تبدأ باغتيال "عبدالله" وتنتهى لاستهداف العائلة المالكة

بحسب رواية الكاتب الصحفى السعودى عبد الله ناصر العتيبى، فى مقال له بصحيفة "الحياة" اللندنية، بتاريخ الثلاثاء 6 مايو 2014، وهى الرواية التى أكدها سعود القحطانى، المستشار بالديوان الملكى السعودى والمشرف العام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية بالديوان، تواصل القذافى مع حمد بن خليفة، وأرسل وفدا أمنيًّا ليبيًّا إلى العاصمة القطرية الدوحة، فى النصف الثانى من العام 2003، ضم عددا من رجال المخابرات والجيش الليبيين، عرض الوفد رغبة القذافى فى اغتيال الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ولى العهد وقتها، لم يُبد المسؤولون القطريون تجاوبا مع الطلب، فانسحب الوفد الليبى معترضا وغاضبا.

فى اليوم التالى ركب حمد بن خليفة طائرته، وحط فى مطار طرابلس الدولى، التقى القذافى فى قاعدة "باب العزيزية" العسكرية، المقر الرسمى له، اعتذر عن سوء التفاهم الذى شهده لقاء الوفد الليبى والمسؤولين القطريين، وأبدى موافقته على المشاركة فى خطة الرئيس الليبى لاغتيال ولى العهد السعودى، والتواصل مع المعارضين السعوديين فى لندن لبدء دراسة الفكرة وآليات تنفيذها، وفى الأيام التالية حملت الاتصالات المتبادلة تأكيدات من قطر بالتحرك لإنجاز المهمة، وترحيب عدد من معارضى الخارج والداخل بالفكرة، وبدأ تدفق الأموال الليبية على قطر، حتى تعطلت الفكرة بعد شهور بسبب التعقيدات الأمنية وحساسية الملفات العربية المثارة وقتها، إلى أن وصل ولى العهد عبد الله بن عبد العزيز إلى عرش المملكة فى 2005، وأصبح الأمر صعبا على صعيد الاستهداف الشخصى، وتبقى التنسيق فى إطار استهداف العائلة ونظام الحكم السعودى بشكل كامل.

 

مؤامرة قطر مع القذافى تطيح بالأمير حمد بن خليفة فى 2013

بعد تسريب مكالمة حمد بن خليفة ومعمر القذافى فى العام 2011، وانتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعى ومنصات الأخبار فى العامين التاليين، استدعى الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمير قطر حمد بن خليفة، ووزير خارجيته ورجله الأقوى حمد بن جاسم، واجههما بالتسجيل، وتسجيلات أخرى تخص "ابن جاسم"، ومعلومات ووثائق تدين النظام القطرى وتكشف تآمره على المملكة، حاولا التهرب من التهمة، ثم مع توالى كشف الحقائق والمعلومات اعترفا، وطلبا الصفح، بكى حمد بن خليفة واعترف بالذل والصَغَار، وتعهد بعدم ارتكاب مثل هذه الجريمة المشينة مرة أخرى، ووصل الاعتراف بالجريمة إلى الإطاحة بوزير خارجيته "ابن جاسم"، والتنحى عن الحكم لابنه "تميم"، ليفتح صفحة جديدة وبيضاء مع الأشقاء.

فى الخطاب الأخير لـ"حمد" تحدث عن فتح صفحة بيضاء مع دول الجوار، وفى كلمة "تميم" الأولى تحدث عن علاقات حُسن الجيرة، مرّت الإشارتان بشكل هادئ وكأنهما ضمن بروتوكولات التسليم والتسلُّم، ولكن ما كشفه المستشار بالديوان الملكى السعودى، سعود القحطانى، عبر سلسلة تغريدات على "تويتر"، الجمعة 28 يوليو الجارى، وتأكيده أن السبب الحقيقى لعزل "حمد" وتولية "تميم" هو المؤامرة القطرية الليبية لاغتيال الملك عبد الله بن عبد العزيز، والسعى لإثارة القلاقل وتهييج الشعب السعودى، طمعا فى تقويض حكم العائلة المالكة واستقرار المملكة، وبسبب هذه السقطة المشينة اضطر "حمد" لترك السلطة لابنه "تميم"، اعترافا بجريمته واعتذارا عنها، ولعمق إدانة قطر اضطر الأمير الصغير لاحقا لتوقيع اتفاق الرياض الشهير فى 2013، متضمنا 3 بنود تتصل بعلاقات الجوار والإخوان والجماعات الإرهابية وميليشيات اليمن، ثم إجباره لاحقا على توقيع اتفاق تكميلى له فى 2014، يوسع من التزامات قطر السياسية والأمنية.

السؤال المهم، اتصالا بهذه المؤامرة الممتدة منذ العام 2003، وحتى عقاب قطر ونظامها عليها بعد 10 سنوات، هو لماذا تغيرت آلية الخلاف وطريقة تعامل قطر معه فى الأزمة الجارية؟ وهل يعود الأمر إلى حالة من الغطرسة أصبحت تسيطر على النظام القطرى، فلم يعد يستجيب لمواقف الأشقاء الكبار، ويكابر فى الاعتراف بجرائمه، ويستقوى فى وجوه الجميع بالجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة المتحالفة معه؟ وإذا كانت الصورة قد وصلت لهذه المرحلة من الفجاجة والانكشاف، فلماذا لم تدفع دول الرباعى العربى فى اتجاه اتخاذ موقف واسع من قطر، عبر المؤسسات السياسية العربية والإقليمية والدولية؟

 

لماذا غابت الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى عن الأزمة؟

فى 1978 كانت المفاوضات المصرية الإسرائيلية قد قطعت شوطا كبيرا، ووصلنا لمحطة توقيع اتفاقية السلام "اتفاقية كامب ديفيد"، التى تسترد مصر بموجبها باقى أراضى سيناء المحتلة، وقتها دفعت بعض الدول العربية، على خلفية طموحات الزعامة الإقليمية لدى أنظمتها ورؤسائها، فى اتجاه مقاطعة مصر، فدعا العراق إلى قمة عربية طارئة فى 2 نوفمبر 1978، حضرتها 10 دول فقط، إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وأسفرت عن اتخاذ قرار برفض اتفاقية "كامب ديفيد" ومقاطعة مصر عربيا ونقل مقر الجامعة من القاهرة لتونس، وفى 20 نوفمبر 1979 عُقدت قمة تونس العادية، لتؤكد استمرار مقاطعة مصر، وظل الأمر على هذه الحالة العدائية حتى نجح الرئيس الأسبق حسنى مبارك لاحقا فى استعادة العلاقات العربية واستعادة مقر الجامعة للقاهرة.

الموقف العربى المحدود الذى حركته العراق وسوريا وقتها، بسبب طموحات الزعامة لدى الرئيس العراقى أحمد حسن البكر، وخليفته صدام حسين، والرئيس السورى حافظ الأسد، كان موقفا غريبا وانفعاليا ومزايدا على مصر وانتمائها لدائرتها القومية وصيانتها لأهدافها العليا، إذ انحازت القاهرة لمصالحها التى لا تصطدم بالمصالح العربية المباشرة، واستعادت أرضها دون تضحية بأمن المنطقة العربية واستراتيجياتها، ومع ذلك نجحت دولتان فى قيادة المؤسسة السياسية العربية، بحضور 10 دول فقط، لإنجاز مقاطعة سريعة وغير مستندة لمبررات منطقية، ما وضع مصر رهن عزلة عربية لعدة سنوات.

الآن تقف قطر موقفا مختلفا عن موقف مصر فى 1978، لم تنحز الدوحة لمصالحها السياسية والاستراتيجية، ولم تراع المصالح العربية العليا، بل عملت فى خدمة أجندات وأهداف إقليمية ودولية تصطدم اصطداما مباشرا بالمصالح العربية، واحتضنت ميليشيات مسلحة وجماعات إرهابية تسعى لتقويض استقرار المنطقة وهدم أنظمتها، وتآمرت ضد ليبيا وسوريا والعراق واليمن ومصر والمملكة العربية السعودية، وهناك قائمة اتهامات طويلة تلاحق الإمارة الصغيرة، مدعومة بالأدلة والوثائق والمهاتفات والمقاطع المصورة، يبدأ الأمر من دعم وتسليح الإرهابيين، ويصل إلى تسهيل اختراق إيران وتركيا للمنطقة، وتحقيق مصالحهما على حساب المصالح العربية، وترويج الشائعات عن الدول الإقليمية الكبرى، والعمل على تهييج الشارع وإثارة الفوضى داخلها، وكلها أمور أكبر وأكثر أثرا وتهديدا للأمة من إبرام مصر معاهدة سلام مع إسرائيل لاستعادة أرضها، بل إن العلاقات القطرية الإسرائيلية الآن أضخم من علاقات مصر وباقى الدول العربية مع دولة الاحتلال، ومكتب الجزيرة فى تل أبيب أكبر المكاتب والإعلامية الخارجية فى إسرائيل، وهناك مكاتب تبادل تجارى بين البلدين، وحجم تجارة وتدريب وتعاون اقتصادى بمليارات الدولارات، وكلها أمور تستوجب وقفة مؤسسية حاسمة، ويمثل غياب الجامعة العربية عنها سؤالا مثيرا ومحملا بقدر ضخم من الغرابة.

على صعيد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لا يختلف الأمر كثيرا، ففلسفة إنشاء المجلس لا تختلف عن فلسفة الجامعة، فى النهاية هو مؤسسة إقليمية لتوطيد العلاقات وخلق بيئة عمل وإدارة مشتركة لتحقيق مصالح المنطقة ودولها، وما تورطت فيه قطر من سياسات معادية للخريطة العربية على اتساعها، ومستهدفة لمصالح بعض شركاء مجلس التعاون، أو بالأحرى كل الشركاء، يهدد هذه المؤسسة فى ركائزها واستراتيجية تأسيسها، إذ طالت المؤامرات القطرية، السعودية والإمارات والبحرين، ولم تنج منها سلطنة عمان التى تتبنى سياسة محايدة تماما فى الملف العربى، بل إنها طالت حتى الكويت التى تلعب دور الوسيط النزيه حاليا، وتحاول تجنيب الدوحة الفاتورة الضخمة والقاسية لتجاوزاتها الطويلة بحق المنطقة، ففى العام 2011 سعت قطر إلى تأجيج الشارع الكويتى والزعم بأن البلد الخليجى الهادئ يشهد ثورة رافضة لنظام الحكم، وهو ما فعلته فى الفترة نفسها مع البحرين، وحاولت فعله مع السعودية والإمارات، ومع توالى المحاولات المشبوهة والمشينة من جانب الدوحة ونظامها بحق الأشقاء، والدائرة الأقرب منهم فى مجلس التعاون الخليجى، يثير أيضا أسئلة عديدة حول صمت المجلس وعدم تحركه لردع قطر وعقابها.

 

هل تتحرك الجامعة ومجلس التعاون لعزل قطر أو إدارتها عربيا؟

قياسا على حجم التوتر الذى أحدثته قطر فى المنطقة، ومواقفها السياسية المتتابعة التى تقع فى دائرة العداء الصريح لبعض الدول الإقليمية الكبرى، ولقائمة مصالح استراتيجية أساسية للمنطقة العربية، يصبح من المنطقى السؤال عن تأخر اتخاذ موقف واضح وصريح من المؤسسات الإقليمية الفاعلة، وفى مقدمتها جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ما يسمح به ميثاق الجامعة العربية، واتفاقات تأسيس مجلس التعاون الخليجى، يوفر فرصة سهلة لتجميد عضوية قطر وفرض حالة من العزلة الإقليمية عليها، بشكل أوسع وأبعد تأثيرا من مواقف الرباعى العربى، خاصة مع توفر الإدانات المدعومة بالأدلة والوثائق لاتخاذ موقف من الإمارة الصغيرة، واتساع دائرة المواقف العربية عمّا كانت عليه الحالة المصنوعة والموجهة ضد مصر فى 1978، فإلى جانب الرباعى العربى، طالت تجاوزات قطر دولا عدة، أبرزها سوريا والعراق وليبيا واليمن، وشهدت قائمة المقاطعات موريتانيا وجزر القمر، ولحقت الإهانة بلبنان والأردن، بحسب ما تضمنته مكالمة حمد بن خليفة المذكورة سلفا مع القذافى، التى اعترف فيها بالعمل داخل لبنان وتمويل قنوات مناوئة للدولة اللبنانية، واتهم الأردن بأنها دولة لا كرامة لها، ما يعنى أن قائمة المتضررين من قطر تتسع لتشكل أغلبية قادرة على توجيه دفة الجامعة العربية، وهو الأمر نفسه فى مجلس التعاون الخليجى، الذى تضررت كل دوله من ممارسات الدوحة، وإذا افترضنا التزام عمان بالحياد، والتزام الكويت بدور الوسيط، فإن السعودية والإمارات والبحرين تمثل أغلبية قادرة على قيادة دفة المجلس لاتخاذ موقف من قطر والتحرك باتجاه عقابها.

إذا تجاوزنا ما يسمح به ميثاق الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجى فى الوضع القائم، فإن الأغلبية المتوفرة، وحالة الإجماع على ضرورة مواجهة سياسات قطر الداعمة للإرهاب والمهددة لمصالح المنطقة، توفران مظلة واسعة لاتخاذ إجراءات أكثر اتساعا وحدّة، لا تتوقف على تجميد عضوية قطر، أو عزلها وطردها من المؤسستين الإقليميتين، فقد يقبل الأمر نظرة عميقة للمواثيق القائمة، وإعادة نظر فى الركائز التأسيسية للجامعة والمجلس، بما يسمح بفرض حالة من الوصاية، أقرب إلى "الحَجر القانونى" على ابن العائلة المختل والمهدد لمصالح عائلته، أى أن التحرك السياسى العربى داخل الجامعة والمجلس قد يُفضى إلى وضع أطر صارمة للرقابة والإشراف على الإدارة القطرية لملفات السياسة الإقليمية والدولية، وربما وضع قطر نفسها رهن إدارة عربية مؤسسية، عبر لجنة مشكّلة من المؤسسات الإقليمية النافذة، استنادا إلى إجماع عربى، بما يضمن وفاء قطر بالتزاماتها السياسية الإقليمية والدولية، وعدم خروجها على مقررات الإجماع العربى واتفاق الرياض 2013 وملحقه التكميلى فى 2014، الخيارات كثيرة ومتعددة وتقبل الإضافة والتنقيح وفق حالة الأغلبية وتوفر الإدانة بحق الدوحة، ويظل السؤال: متى تتحرك الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى لعزل قطر أو وضعها رهن إدارة عربية مباشرة؟

 

هل تتحرك مصر لتقديم مشروع قرار إدانة الدوحة فى مجلس الأمن؟

 فى الوقت الذى تسعى فيه دول الرباعى العربى، والوسيط الكويتى، لحل الأزمة القطرية فى إطارها العربى بصيغته الأخوية، يبدو أن قطر تتحرك فى اتجاه مغاير، وتستهدف تصعيد الأزمة والاستناد إلى حماية دوائر سياسية وإقليمية خارج المساحة العربية، هذا هو التبرير الوحيد الذى يمكن من خلاله قراءة حالة التنسيق المتزايدة بين الدوحة وتركيا وإيران، والوجود المباشر لنظامى أنقرة وطهران فى الأراضى القطرية، فى مستويات سياسية وعسكرية عديدة، وهو ما يجعل من إصرار دول الرباعى العربى على حل الأزمة فى إطارها الداخلى، وتحت سقف البيت العربى، رومانسية مفرطة فى التعامل مع دولة خارجة على الأطر السياسية والمصالح الاستراتيجية للمنطقة، وتجاهر بعدائها لدولها الكبرى وعملها فى خدمة أجندات ومصالح أطراف أخرى.

أمام حالة الاستمراء القطرية لتصعيد الأزمة وإخراجها عن دوائرها العربية، يصبح السؤال عن إمكانية التحرك العربى على صعيد دولى أمرا مقبولا ومطلوبا، خاصة مع تورط قوى إقليمية كتركيا وإيران فى معادلة الصراع، وهنا قد يكون البديل الأممى عن التحرك عبر أطر وآليات الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى، هو اللجوء لمجلس الأمن الدولى.

فى التشكيل القائم لمجلس الأمن تمثل مصر المجموعة العربية والأفريقية، وتمتد عضويتها حتى نهاية العام الجارى، لتخرج فى نهاية 2017 هى واليابان والسنغال وأوكرانيا وأوروجواى، وتحل محلها الكويت وبولندا وبيرو وساحل العاج وغينيا الاستوائية، ما يعنى أن بإمكان مصر خلال الشهور الخمسة المقبلة، تقديم مشروع قانون للمجلس لإدانة الممارسات القطرية الداعمة للإرهاب، وعقاب الإمارة الخليجية الصغيرة على تجاوزاتها فى حق الدول الإقليمية، وفى حق المواثيق والأعراف الراسخة فى العلاقات الدولية، ويمكن بقدر من الدبلوماسية تأمين مواقف الدول الخمسة دائمة العضوية، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، خاصة مع معاناة روسيا من موقف قطر ضد حليفها بشار الأسد فى سوريا، وحالة المد الإيجابى الواسعة فى العلاقات العربية الصينية، فى إطار سعى بكين لإحياء طريق الحرير ضمن مبادرتها الضخمة التى تضم عشرات المدن العالمية التى تقع حصة كبيرة منها فى المنطقة العربية، وأيضا مع مواقف الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وتصريحاته الأخيرة ضد قطر ودعمها للإرهاب، وحالة التنازع والارتباك فى المواقف داخل الإدارة الأمريكية، وأيضا مصالح بريطانيا وشركتها العملاقة "بى بى" فى عدد من الدول العربية الكبرى، ومشروعاتها الاستثمارية المتوسعة فى المنطقة.

 

خريطة مجلس الأمن الدولى تؤكد إمكانية تمرير قرار بإدانة قطر وعقابها

تأمين مواقف الدول الخمسة دائمة العضوية يضمن تعطيل آلية الفيتو "النقض دون إبداء أسباب"، ما يضمن فى أسوأ الظروف ألا تتحرك أى من الدول الخمس إلا بالامتناع عن التصويت، أو الرفض فى أقصى حالات الممانعة، بينما يمكن استمالة باقى الدول الأعضاء: اليابان، والسنغال، وأوكرانيا، وأوروجواى، وإثيوبيا، وبوليفيا، وكازاخستان، والسويد، وهولندا، مع احتمال فوز اليابان بتنظيم كأس العالم 2022 حال سحبه من قطر، ومصالح أوكرانيا مع روسيا الداعمة للحل السلمى فى سوريا، والعلاقات السياسية والدبلوماسية القوية بين مصر والإمارات من جانب، ودولتى أمريكا اللاتينية، بوليفيا وأوروجواى، من جانب آخر، والقدرة الكبيرة للسعودية على توجيه موقفى السنغال وكازاخستان، البلدين الإسلاميين، بما لها من ثقل روحى وعلاقات استراتيجية عميقة معهما، وهو الأمر نفسه بالنسبة لإثيوبيا التى تشهد تعاونا اقتصاديا واسعا مع المملكة، ولا يختلف الأمر كثيرا على صعيد العضوين الأوروبيين، السويد وهولندا، اللذين تواترت مواقف وتصريحات من حكومتيهما بشأن اتخاذهما مواقف صارمة من إرهاب الميليشيات الإسلامية وداعميه، ووصول قطار الإرهاب وعمليات الذئاب المنفردة للقارة العجوز، وضربه عمق بعض الدول الأوروبية الكبرى خلال الفترة الأخيرة.

تركيبة مجلس الأمن الحالية، وحتى مع تغيرها فى مطلع 2018 بدخول الكويت وبولندا وبيرو وساحل العاج وغينيا الاستوائية، بديلا لمصر والسنغال واليابان وأوكرانيا وأوروجواى، يؤكد إمكانية تمرير القرار الآن، أو خلال الشهور الأولى من العام المقبل، حال تعطله إلى ما بعد خروج مصر من المجلس، شريطة اتخاذ موقف عربى عبر الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجى، يضمن التفات العالم إلى فداحة ما تمارسه قطر إقليميا، ومعاناة جيرانها جرّاء ممارساتها العدائية، ويدفع الكويت لتبنى مشروع القرار لاحقا، خاصة مع تعمد قطر إفساد الوساطة الكويتية، واكتمال المشهد بمواقفها السابقة من الكويت ونظامها الحاكم فى 2011، ما يؤكد حالة العداء القطرية للجارة المحايدة حتى الآن.

 

مجموع المواقف القطرية، وتصاعد حالة الغطرسة والعناد من جانب نظام الدوحة وأميرها الصغير تميم بن حمد، تؤكد أن الرهان على تجاوز الأزمة والوصول إلى حلول لها فى الإطار العربى من قبيل التصورات الافتراضية معدومة الفرص، إذ لا يبدو أن لدى الدوحة أفقا للحل، أو التراجع عن مواقفها العدائية ضد المنطقة، تصريحات أميرها ومسؤوليها المتتابعة تؤكد إصرارها على المضى فى طريق المكابرة والعداء حتى آخره، استمرار احتضانها للجماعة الإرهابية وقيادات الميليشيات المسلحة رسالة واضحة على انحياز نهائى فى اتجاه دعم حالة عدم الاستقرار فى المنطقة، وعمل مجموعة الجزيرة الإعلامية بالآلية نفسها تأكيد منها لأنه لا رجعة عن مواقفها، وصولا إلى مطالبتها مؤخرا بتدويل المشاعر المقدسة قبل أسابيع من موسم الحج، وهو ما اعتبره وزير الخارجية السعودى، عادل الجبير، عداء للمملكة وإعلانا للحرب عليها، ومع توالى القرائن والأدلة على العداء، وتواتر المؤشرات التى ترتقى إلى حالة إعلان الحرب على كل الشركاء والجيران والقوى الإقليمية، يُصبح الصبر على الإمارة الخليجية الصغيرة بمثابة وضع جمرة مشتعلة فى كومة صوف، والرهان على انطفائها بفعل بقائها بعيدا عن الهواء، بينما يؤكد الواقع أن "ذبابة الخليج" تعالى طنينها، وأن الأمر يحتاج تحركا واسعا عبر أطر رسمية، إقليمية ودولية، قد تبدأ من الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى، وتصل إلى مجلس الأمن الدولى، ولكنها فى النهاية ستقود إلى الوجهة التى يجب أن يسير القطار العربى باتجاهها، وهى وضع قطر رهن الوصاية، بعدما أثبتت عجزها أن تكون كيانا متزنا ومسؤولا، وإذا كانت محتلة أو مختلة، فالأولى هو "الحَجر" عليها، وفى هذا عين الصيانة للأخوّة ولقيم العروبة، قبل أن يشعل الابن المعتوه بيت العائلة.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة