قال الناقد إيهاب الملاح، تعليقًا على سؤال، هل تجاوز الكتاب الجدد طريقة نجيب محفوظ؟ إنه فى عام 2015 تفضلت صديقتى العزيزة والروائية البارعة مها حسن وكتبت مقالاً مثيرًا للاهتمام محوره نجيب محفوظ (بعنوان إلا نجيب محفوظ) نشرته فى جريدة الاتحاد الإماراتية آنذاك.. هى لا تستسيغ كتابة محفوظ ولا تعده كاتبًا ذا ثقافة غربية كبيرة، فى الوقت ذاته سجلت مها تقديرها الوافر وإعجابها العميق بالرجل ومنجزه الذى اعتبرت أبرز ما فيه أنه كان يكتب خالصًا للأدب دون أن ينتظر مقابلا ولا جائزة.. فلما جاءته نوبل كانت فرحة كبيرة ومستحقة.. هكذا فهمت المقال، أو ما أحسب أنه فكرته الرئيسية.
وأضاف "الملاح" أن هذا الكلام الذى يقوله سوف يكون مقالا مطولا سينشره فى إحدى الصحف قريبا، وتابع: أما المناقشات والتعليقات التى جاءت على هامشه فهى كاشفة عن قطاع معقول من المثقفين والكتاب الذين يسيرون بمبدأ "خالف تعرف" أو "خُلقنا لنعترض".. أفكار تختزل المنجزات الإبداعية الكبرى فى علاقات ومؤامرات محبوكة وربطها بالجوائز! يعنى نجيب محفوظ ما كان لأحد أن يعرفه لولا فوزه بنوبل هكذا!! الحقيقة ودون التورط فى سجال عقيم فى ظل غيبة تحديد الهدف من النقاش وتحرير المصطلحات، فإن منجز محفوظ باق وكبير.
أما عنى أنا فأعتبر محفوظ من أهم كتاب الرواية فى تاريخها كله، حيثياتى فى هذا عرضتها فى كثير من اللقاءات والنقاشات والكتابات المتناثرة.. أراه المؤصل الأول لفن الرواية فى الثقافة العربية.. وأتفق تماما مع كبار الأساتذة والنقاد المعتبرين، مصريين وعربًا وحتى فى أوروبا وأمريكا، ممن أجمعوا على أن مجمل التراث المحفوظى الراسخ يقوم فى دلالاته المتعددة على أمرين معًا، هما "التأصيل" و"التجديد"، وهما يلتقيان ويتجادلان فى حركة فكرية وتعبيرية وجمالية تخفى إلا على أهل النظر والبصر وأصحاب الذائقة المدربة والخبرة بالتطور اللغوى والجمالى. هنا تتبدى فى هذا التراث المحفوظى دقائق العبارة العربية المتواترة منذ سجع الكهان وصياغات المتصوفة وكتابات الجاحظ والمعرى والتوحيدى وجبران خليل جبران وطه حسين وتوفيق الحكيم، كما تتبدى أسرار (الشعرية) منذ مبدعى المعلقات إلى فتوحات المتنبى وابن عربى وأحمد شوقى.
"ها هنا فى الموقف الفكرى الروحى والتشكيل التعبيرى الجمالى يستقر لدى الدارس المحقق أن التراث المحفوظى بتوسله بالعقلانية إنما يوغل فى مسالك التقدم والعلم والليبرالية والديمقراطية على قاعدة مكينة من قيمة القيم: "الحرية". كذلك يستقر أن هذا التراث المحفوظى بتأسيسه على الدقائق والحقائق التعبيرية والصياغية والجمالية فى الموروثات والنصوص الدينية والملحمية والأسطورية والشعبية إنما يحل مبدعه المحل الأرفع إماما من أئمة الإبداعية فى كل دوائرها المكانية والزمانية".
أعذر كتابًا مصريين من أجيال مختلفة، ما زالوا حتى لحظتنا الراهنة، يرون محفوظ "عقبة" فلا يجدون سبيلاً للتعبير عن الحنق والغيرة وقلة الحيلة إلا "بزقله بالطوب" أو شن هجوم مجانى لا يستند على أى قراءة واعية للرجل ولا أعماله.. فقط من الهامش للمتن نحن موجودون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة