يتجه المواطنون الألمان، اليوم الأحد، إلى صناديق الاقتراع للتصويت فى الانتخابات البرلمانية التى ربما تكون نتائجها محسومة فيما يتعلق بالحزب المقرر أن يشكل الحكومة ومن سيتولى منصب المستشار حيث تتجه كافة الآراء والاستطلاعات إلى أن المستشارة الحالية، أنجيلا ميركل، تتجه نحو قيادة بلادها لفترة رابعة لمدة أربع سنوات جديدة.
هناك حزبين رئيسيين فى ألمانيا يتنافسا على الصدارة وهم الاتحاد الديمقراطى المسيحى CDU، الذى تنتمى له المستشارة ميركل، والحزب الاشتراكى الديمقراطى SPD الذى يدفع بمارتن شولتز كمرشح منافس للمستشارة الحالية، بيد أن الإقبال على العديد من الأحزاب الصغيرة فى تصويت هذا العام يمكن أن يكون محوريا لاسيما بالنسبة لحزب البديل لأجل ألمانيا، اليمينى المتطرف.
وفى استطلاع للرأى أجرته فى وقت سابق من العام مؤسسة إنفراتست-ديماب والقناة الألمانية الأولى ARD، بحسب تقرير لأيه بى سى نيوز، حصلت ميركل على أعلى نسبة موافقة لها منذ خريف عام 2015. وقال أكثر من 64 % ممن شملهم الاستطلاع فى بداية يونيو الماضى، أنهم راضون عن أدائها، مما يجعلها أكثر السياسيين شعبية فى البلاد.
وفى المقابل يمثل الحزب الاشتراكى الديمقراطى SPD، يسار الوسط ، الذى ينتمى له شولتز وكان ينتمى له المستشار الألمانى السابق جيرهارد شروتر، حزب المعارضة الرئيسى وهو ثانى أكبر حزب من حيث دعم الناخبين، بعد CDU. ومع ذلك فقد تآكلت قاعدة الطبقة العاملة التى كانت تدعمه فى المناطق الحضرية فى السنوات الأخيرة مع ازدياد شعبية ميركل.
أنجيلا ميركل أثناء حملتها الانتخابية
وتمكن مرشح الحزب الاشتراكى الديمقراطى لمنصب المستشار، مارتن شولتز والذى كان رئيسا للبرلمان الأوروبى حتى مارس الماضى، من تحقيق مكاسب فى استطلاعات الرأى فى الشهور الأخيرة، بيد أن معظم المحللين يقولون إنه يواجه معركة شاقة للإطاحة بميركل.
وعلى الرغم من أن العديد من الأحزاب الصغيرة الأخرى سوف تكون على بطاقة الاقتراع، فمن المرجح أن تتجه أعين المراقبون بدقة نحو نتائج "بديل من أجل ألمانيا"، الحزب اليمينى الذى استطاع هز المؤسسة السياسية الألمانية برفضه فتح الحدود أمام المهاجرين وعداءه للمسلمين والاتحاد الأوروبى واليورو.
وفى حين رأى العديد من الخبراء فى البداية أن الحزب قد يأخذ أصواتا من الحزب المسيحى الديمقراطى، فأن البعض يقولون الآن إن من الممكن أن يضر بحصة الحزب الديمقراطى الاشتراكى.
وعلى الرغم من تراجع نسبة مشاركة الناخبين فى الانتخابات البرلمانية الألمانية خلال الدورتين الماضيتين، إلا أنه بحسب مراقبون فأن صعود حزب البديل لأجل ألمانيا وغيره من الحركات الشعبوية الأخرى أدى لاستقطاب الكثيرون ممن لم يشاركوا قبلا فى الانتخابات.
ويتوقع فرانك بوخفالد، الصحفى لدى قناة ZDF الألمانية، أن تبلغ نسبة المشاركة فى انتخابات هذا العام 80% مشيرا إلى أن الوضع مختلف عما قبل بالنظر إلى الأجواء السياسية المشحونة فى ألمانيا منذ تدفق موجات المهاجرين وهناك أزمة ثقة تجاه الحكومة لدى بعض أوساط المجتمع.
لاجئون يرفعون اسم أنجيلا ميركل
قضايا تشغل المجتمع الألمانى
على غرار غيرها من الدول الأوروبية، تظل قضية الأمن والمهاجرين لاعب رئيسى فى الانتخابات الألمانية، فى ظل هذا التدفق الهائل للأجئين والمهاجرين غير الشرعيين على مدار السنوات الماضية وما شهدته الدول الأوروبية من عمليات إرهابية شنتها إما عناصر عائدة من العراق وسوريا أو أشخاص من أصول مهاجرة جندهم تنظيم داعش. وهذه القضية نفسها هى التى تستغلها الحركات اليمينة الشعبوية وقد تسببت سلسلة من الهجمات الإرهابية، بما فيها هجوم شاحنة قامت بدهس المواطنين فى سوق عيد الميلاد، نهاية العام الماضى، مما أسفر عن مصرع 12 شخصا وإصابة العشرات، فى انتقادات حادة لميركل من الجماعات القومية.
مارتن شولتز
وهذه القضية هى نفسها التى تناولتها المستشارة الألمانية فى خطابتها خلال حملاتها الانتخابية. ففى حشد انتخابى فى بلدة فيسترفالدة الواقعة بولاية براندنبورج، تحدثت ميركل صراحة عما وصفته "التطرف الإسلامى" أو الجماعات الإسلامية المتطرفة العنيفة، وأقرت قائلة "الجميع يعانون منه ليس فقط فى ألمانيا ولكن كما شاهدنا فى إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا ويجب أن نعمل بكل ما فى وسعنا من أجل حجز الأشخاص الخطرين الذين نعرفهم الذين ينتهكوا قوانيننا، كما أن الذين يخططون لهجمات إرهابية أو يساندوا تلك الأعمال يجب أن يغادروا البلاد وإذا لم تتوفر الأوراق الثبوتية بخصوصهم فيجب أن يكون من الممكن احتجازهم لعدة أشهر فى سجن الترحيل وعدم تركهم طلقاء. وهذا إنجاز حزبنا المسيحى الديمقراطى".
الاقتصاد هو قضية أخرى تعلق بشدة فى عقول الناخبين، وفقا للدراسات الاستقصائية. فقضايا البطالة والضرائب التى تمس المواطن بشكل مباشر، تشكل لاعبا رئيسيا حتى أن نينا هازا، عضو مجلس التحرير للشئون السياسية والمشرفة على متابعة الانتخابات بقناة دويتش فيله، توقعت انخفاض إقبال الناخبين هذا العام وذلك بسبب الاستياء داخل المناطق الفقيرة من انخفاض مستوى المعيشة.
وكشفت نينا هازا أن عدد من المناطق الفقيرة فى ألمانيا تزيد نسبة البطالة فيها عن 80%، وهو ما لا يمكن لأحد تصور حدوثه فى ألمانيا، بحسب قولها، واستدركت أنها ليست ظاهرة لكنها موجودة وتوجد هذه القضية بشكل كبير فى مدينة دريسدن وهى المدينة التى تم إنزال اللاجئين عليهم مما أدى إلى صدامات وهؤلاء المتضررين يعتقد أنهم لن يشاركوا فى الانتخابات.
وعلى نقيض توقعات أخرى، أشارت هازا إلى أن إستطلاعات الرأى تتوقع ألا تقل نسبة الإحجام عن المشاركة فى التصويت عن 25%. وأوضحت أن ضم اللاجئين إلى بعض الأحياء الفقيرة زاد من حجم المعاناة ومن سخط المواطنين تجاه الحكومة. وهذا الاستياء هو ما استشعره الحزب المسيحى الديمقراطى حيث تعد ميركل بالعمل على تخفيض الضرائب على أصحاب المداخيل الصغيرة والمتوسطة الذين ما زالت تفرض عليهم ضرائب أعلى مما يجب وتوفير فرص العمل الكافية وانتهاج سياسة مغايرة تجاه اللاجئين من خلال العمل مع الدول الأوروبية الأخرى على قبول نسب عادلة من الناخبين.
إحدى دعايا حزب البديل لأجل ألمانيا المناهضة للمسلمين فى حى وسط برلين
وبينما قد ينظر البعض إلى قضايا البيئة والتغير المناخى باعتبارها قضايا نخبوية، إلا أنها تشكل لاعب مهم فى وعى الناخب الألمانى الذى يدرك خطورة التغير المناخى. ويستخدم حزب الخضر قضايا البيئة لجذب عدد متزايد من الألمان الليبراليين.
وتحدثث فرنسيسكا بارتنا، رئيسة كتلة حزب الخضر فى البوندستاج، لـ "اليوم السابع" عن برنامج حزبها مشيرة إلى أن الأولوية هى حماية المناخ وتطوير الاقتصاد وهما يرتبطا ببعضهما لأنه تطوير الاقتصاد يكمن فى كفاءة الموارد.
وأضافت بارتنا "نشعر أن العقول النيرة لم تستخدم مهارتها فى التطوير ولكن فى خداع الناس فتم ابتكار برنامج للسيارات خصيصا ليجتاز الاختبار الخاص بكمية العادم الذى يضر بالبيئة وهذا شئ محزن وأساء إلى صورة الصناعة الألمانية"، فى إشارة إلى فضيحة شركة فولكس فاجن الخاصة بالغش فى اختبار الانبعاثات الضارة.
الائتلافات المتوقعة
لا يسمح النظام الانتخابى فى ألمانيا بفوز حزب وحيد بتشكيل الحكومة حيث تحرص الديمقراطية الألمانية على أن يتشارك حزبين أو أكثر فى قيادة الحكومة ويتجه الاحتمال الأول فى انتخابات اليوم لتشكيل ائتلاف من الاتحاد المسيحى الديمقراطى والحزب الديمقراطى الحر وحزب الخضر ويسمى بائتللاف جاميكا لأن ألون أعلام الأحزاب الثلاثة مثل العلم الجامايكى وهو الأسود والأصفر والأخضر.
وقد يتكرر الائتلاف الحالى المكون من الاتحاد المسيحى الديمقراطى والحزب الاشتراكى الديمقراطى. ويستبعد المراقبون أن تقوم ميركل بالأئتلاف مع حزب "البديل لأجل ألمانيا"، اليمينى المتطرف، لاسيما أن لا مبادئ مشتركة تجمع الحزبين والأخير يريد الإطاحة بميركل.