تتزايد حدة التوتر والاضطرابات فى الدولة الإسبانية، مع اقتراب موعد استفتاء انفصال إقليم كتالونيا، الذى تسعى حكومته للاستقلال عن إسبانيا، وتستعد لهذا الاستفتاء على مدار 5 سنوات عن طريق الدعاية له، والمظاهرات، وتنظيم المسيرات السنوية فى 11 سبتمبر، من كل عام.
وتتجلى الاضطرابات التى تشهدها الأراضى الإسبانية، قبل أيام قليلة، عن موعد استفتاء استقلال الإقليم، فى التعزيزات الأمنية المكثفة التى تفرضها الحكومة الإسبانية، على "كتالونيا"، حيث أرسلت أكثر من 4000 عضو من قوات الحرس المدنى، وقوات الشرطة العسكرية، إلى مينائين بكتالونيا، لمنع الاستفتاء المقرر إجرائه فى الأول من أكتوبر، وذلك فى الوقت الذى تصر فيه حكومة الإقليم، على إجراء الاستفتاء فى موعده، يوم الأحد المقبل.
كتالونيا سادس أكبر منطقة من حيث المساحة فى إسبانيا
وللتعرف على منطقة النزاع الإسبانية، نجد أن إقليم كتالونيا، هو منطقة تقع فى شمال شرق إسبانيا، ضمن 17 منطقة تتمتع بالحكم الذاتى فى إسبانيا، وعاصمة الإقليم هى مدينة برشلونة، والمنطقة مقسمة إلى أربع مقاطعات هى، برشلونة، جرندة، لاردة وطراجونة، وتبلغ مساحة كتالونيا، 32.106 كم²، وعدد سكانه يبلغ قرابة 7.5 مليون نسمة، وهى سادس أكبر منطقة من حيث المساحة فى إسبانيا.
وتعد منطقة كتالونيا، أحد أكثر الأقاليم الإسبانية ثراءً، وهى منطقة صناعية، ذات نزعة استقلالية، وتعتز بهويتها ولغتها الخاصة، ويمتد تاريخ الإقليم إلى العصور الوسطى، ويعتقد كثيرون من أهالى الإقليم أنهم أمة مستقلة عن بقية إسبانيا، ويعزز هذه المشاعر الذكريات المرتبطة بفترة "فرانسيسكو فرانكو"، الذى حاول قمع الهوية الكتالونية، وينعكس الأمر بوضوح فى التنافس الشرس بين نادى برشلونة، ومنافسة ريال مدريد، اللذين يمثلان قمة كرة القدم الإسبانية.
وأغلب سكان الإقليم يعيشون فى عاصمته برشلونة، التى تمثل مركزا اقتصاديا وسياسيا مهما، فضلا عن أنها نقطة جذب سياحية تحظى بشعبية كبيرة، ويشتهر الإقليم أيضا بالصناعات التقليدية وصناعة الكيماويات والأغذية المصنعة والمعادن، فضلا عن ازدهار قطاع الخدمات به.
تاريخ إقليم كتالونيا من التبعية إلى الحكم الذاتى
وبالعودة للتاريخ، فإقليم "كتالونيا"، ظهر أول مرة كهوية متميزة مع صعود مقاطعة برشلونة فى القرنين الـ11 و12 ميلاديًا، لتصبح تحت نفس الحكم الملكى لمملكة أراجون المجاورة، وأصبحت قوة بحرية كبرى فى العصور الوسطى، فيما أصبحت كتالونيا، جزءا من إسبانيا منذ نشأتها فى القرن 15 عندما تزوج فرديناند، ملك أراجون، وإيزابيلا، ملكة قشتالة، ليوحدا مملكتيهما.
وفى القرن التاسع عشر، تجدد الشعور بالهوية الكتالونية التى تحولت إلى حملة من أجل الاستقلال السياسى وحتى الانفصال وشهدت هذه الفترة مرحلة لإحياء الانتماء الكتالونى، وعندما أصبحت إسبانيا جمهورية فى عام 1931، منحت "كتالونيا"، حكما ذاتيا واسعا خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وكانت حينها معقلا رئيسيا للجمهوريين.
وكان سقوط برشلونة، فى يد الجنرال "فرانكو"، فى عام 1939، بداية نهاية المقاومة الإسبانية، وتحت الحكم المتشدد لـ"فرانكو"، ألغى الحكم الذاتى، وتعرضت القومية الكتالونية للقمع، وأصبح استخدام اللغة الكتالونية مقيدا، حتى وفاته عام 1975.
ولكن مع ظهور الديمقراطية فى إسبانيا، بعد وفاة "فرانكو"، أصبح لإقليم كتالونيا، فى العام 1979، البرلمان الخاص به، مع حكم ذاتى واسع النطاق، كما أدى تراجع الاقتصاد الإسبانى فى السنوات الأخيرة إلى تأجيج النزعة الانفصالية فى كتالونيا، حيث يعتقد الكثيرون أن الإقليم يدفع أكثر مما ينبغى لمدريد.
الكتالونيين لا يعتبرون أنفسهم إسبان
وأجرت الحكومة الإقليمية، التى تتولى السلطة منذ انتخابات نوفمبر 2012، والمدعومة من الحزبين الانفصاليين الرئيسيين، استفتاء غير ملزم على الاستقلال عام 2014، حيث صوت 80% بـ"نعم"، فيما اعتبرت الحكومة الإسبانية، أنه ليس من حق كتالونيا دستوريا الانفصال.
وفى هذا الصدد، تعد اللغة الكتالونية، لغة رسمية فى الإقليم، إلى جانب الإسبانية، ويتم التشجيع على استخدامها فى التعليم والإعلام، وأغلب سكان الإقليم يتحدثون اللغتين، كما تنتشر اللغة الكتالونية أيضا فى فالينسيا، فى الجنوب، وجزر البليار، ومنطقة روزالين فى فرنسا، لذلك يعتبر القوميون فى كتالونيا، أن هذه المناطق تشكل "دولا كتالونية".
ويعتبر المواطنين الكتالان أنفسهم غير إسبان، والكثير منهم يرفضون الحديث باللغة الإسبانية، ولا يتحدثون إلا الكتالانية فقط، كما يعبر الكتالونيين، عن أنفسهم من خلال شرفات منازلهم بعلم الاستقلال الكتالونى المغطى بالنجمة الحمراء والألوان الأصفر والأزرق، وفى حالة اكتمال إجراء الاستفتاء، وتحقق انفصال الإقليم، ستكون إسبانية، مهددة بخسارة قرابة 15% من أراضيها.
والحكومة الكتالونية الحالية، تتكون من أغلبية مؤيدة للاستقلال والانفصال عن إسبانيا، وهى الأولى فى أكثر من 80 عاما، وينطبق نفس الشئ على البرلمان الإقليمى، حيث يكون مؤيدين الانفصال عن إسبانيا أغلبية، ومع ذلك، لم يستطع استفتاء 2009، و2011، و2014، و2015 أن يؤدى إلى انفصال كتالونيا فعلياً عن إسبانيا، ودائماً ما تتعهد وتتوعد الحكومة بمدريد على إبطال الاستفتاء، وعرقلة عملية الاقتراع، لأن الدستور الإسبانى، لا يمنح الحق الدستورى فى تقرير المصير، وبذلك يكون الاستفتاء غير دستورى، على الرغم من أن حق تقرير المصير يكفله القانون الدولى.
الاستفتاء يهدد بتأجيل مباراة نادى "برشلونة" المقبلة
أما الرياضة، فلم تكن بمنأى عن وطأة السياسة، حيث ذكرت تقارير إخبارية، اليوم الخميس، أن مباراة برشلونة، ولاس بالماس، المقرر تنظيمها، الأحد المقبل، على ملعب "كامب نو"، بالجولة السابعة من الدورى الإسبانى لكرة القدم، مهددة بالتأجيل، حيث تتزامن المباراة، مع الاستفتاء الانفصالى، وتأتى إمكانية تأجيل المباراة – حسب صحيفة "موندو ديبورتيفو" – إلى إمكانية عدم وجود قوات أمن كافية لضمان تأمين اللقاء.
لم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل تلقى نادى "برشلونة" الإسبانى، طلباً من مؤيدى استقلال كتالونيا، بارتداء "تى شيرتات" تحمل أعلام الإقليم خلال مباراة، لاس بالماس، إلا أن إدارة النادى الكتالونى، رفضت هذا الطلب، فيما أعلن النادى، أنه مع القرار الذى ستتخذه الأغلبية فى كتالونيا، سواء بالانفصال عن إسبانيا أم لا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة