إذا كان هناك من الأحزاب المصرية من يخاف على مستقبل مصر، فعليها الآن مهمة ثقيلة هى الاندماج بين هذا الموزاييك السياسى المتسع لتتشكل الحركة الحزبية المصرية من أربعة أو خمسة أحزاب رئيسية، بدلا من هذا التشظى فى الكيانات السياسية، هذا القرار لم يعد رفاهية، بل هو الأقرب للاختيار الحتمى خاصة خلال السنوات الأربع المقبلة بعد انتخابات الرئاسة، فالأحزاب على هذا الحال لا تسمن ولا تغنى من جوع، والتأثير السياسى لها فى الشارع بلغ أدنى مستوياته باقتدار، والدارسون للبرامج الحزبية المصرية يعرفون أنه لا توجد ثمة خلافات أيديولوجية أو فكرية حادة بينها تحول دون عملية الاندماج، وإن بقى الحال على ما هو عليه فإن أحدا منها لن يتمكن من تشكيل تيار رئيسى يجمع حوله المصريين فى تكتل فكرى وسياسى وجماهيرى واضح.
كنا قد طالبنا السيد الرئيس مرارا بأن يؤسس كيانا سياسيا يتبلور حول أفكار 30 يونيو وما بعدها من مشروعات وأفكار وخطط وإنجازات، لكن الرئيس رفض فى كل مرة، واعتبر أن المبادرة يجب أن تأخذها الأحزاب نفسها، إذ يحرص الرجل على أن يكون عمله متساميا على فكرة التحزب، وأن تكون حركته جامعة لكل المصريين دون انتماء إلى تكتل، أو دون أن يمنح الفرصة لأحد بأن يتاجر باسم تكتل تحت اسم الرئيس، والتجارب المصرية السابقة منذ مرحلة تأسيس المنابر داخل الاتحاد الاشتراكى، ثم حزب مصر، ثم الحزب الوطنى، ترجح أن الرئيس لديه الحق فى هذا الترفع الوطنى فوق العمل الحزبى.
ما الخطر الذى يواجهنا هنا إذن؟
فى حالة إصرار الرئيس على ذلك فإننا سنكون ضحايا لشتات حزبى متسع بلا أسس فكرية، وهو أمر قد يؤدى بنا إلى تصادمات سياسية وتشرذم فى الأفكار والمصالح، مصر اليوم تتجمع حول الثقة فى شخص واحد هو الرئيس السيسى، وكل الصبر الذى يعيشه المصريون، وكل المساندة للإجراءات الاقتصادية والسياسية والأمنية، سببها هذه الثقة فى رجل واحد، يحبه الناس وتطمئن قلوبهم لوطنيته ورؤيته، ويرون بأعينهم ماذا فعل لهذا البلد فى سنوات صعبة، ولكن ماذا بعد؟
من دون كيانات حزبية قوية وفاعلة وموحدة وصاحبة برنامج حقيقى وامتداد جماهيرى، فقد تبقى مصر رهينة لقوى الاتجار فى الدين، وتبقى أيضا فى حالة انتظار دائم للرجل الذى يمكن أن يقدم النموذج ذاته الذى قدمه السيسى للأمة، ولا أظن أن مستقبلنا السياسى والوطنى يمكن أن ينبنى على هذه الرهانات وحدها، فنحن فى حاجة إلى مناخ حزبى سليم، وتكتلات واضحة، وعمل مؤسسى راسخ، ومشاركة جماهيرية فاعلة فى العمل العام، ونهاية حاسمة لهذا الموزاييك الحزبى.
كرة الاستقرار ومستقبل مصر هى بين يدى الحركة الحزبية الآن، وإن لم تستطع هذه الأحزاب خلال السنوات الأربع المقبلة أن تؤسس واقعا جديدا فإننا قد نتعرض لأخطار محتملة، وانقسامات بالأهواء والمصالح، ولا نرغب فى أن يكون كل ما أنجزناه خلال السنوات الأربع الماضية، وما نحلم بإنجازه خلال السنوات الأربع المقبلة، رهنًا بهذه السيولة والطراوة والتفكك الحزبى فى مصر.
برهنوا على حب هذا البلد، وقدموا التنازلات كل للآخر، بدلا من أن تحل علينا سنوات لا نعرف فيها الغث من السمين، ونهدر فيها ما حققناه فى مسيرة بالغة الصعوبة.
مصر من وراء القصد.
الكاتب الصحفى خالد صلاح
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة