كنا فى الماضى مع كل تغييرات حكومية نرفع شعار «مكرر فى الحقيقة» مفاده أننا نريد تغييرًا فى السياسات لا تغييرًا فى الأفراد، وساد هذا الشعار طوال عمليات التغيير التى سادت سنوات مبارك وما بعدها، أما الآن فنحن أمام سياسة ثابتة منذ 30 يونيو، وأمام إرادة سياسية حاسمة لرأس الدولة فى العمل والتغيير والإنجاز، وأمام منظومة تحقيق نتائج مثمرة فى قطاعات متعددة، لكن الفروق فى الإنجاز والنتائج بين وزير وآخر أصبحت واضحة للجميع، النواب والإعلام والناس وأجهزة الدولة، إذن، وبوضوح، السياسات ليست وحدها العائق فى تحقيق الإنجاز، ومن كان يلوم السياسات فى السابق فإن عليه أن يتأمل الآن دور المهارات الفردية والاستعدادات والمواهب الخاصة لكل وزير فى العمل والابتكار والتفانى والتخطيط وسرعة خلق البدائل للقرارات داخل الوزارة.
المهارة الفردية عنصر حاسم جنبًا إلى جنب مع السياسات العامة للدولة، ومن هنا فإن حسن اختيار الأفراد المرشحين للمناصب يشكل عنصرًا حرجًا دائمًا، ويبدو لنا أن عقدة أى تغييرات وزارية هى فى المكونات الفردية لكل وزير، وفى الاختبارات التى تعرض لها هذا الوزير فى مواقع مختلفة قبل توليه الوزارة، وفى قدرته على أن يقدم جديدًا داخل وزارته، ثم فى تدريبه المناسب على الاضطلاع بالمهام، وفهم السياسات العامة، والإبداع فى ظل هذه السياسات وليس تنفيذ التكليفات كما هى.
نتفق الآن معًا على أن «السياسات وحدها لا تكفى»، ونتفق الآن على أن طبيعة ومهارة كل وزير هى أساس النجاح، فهناك وزراء فى الحكومة استلموا سياسات واعدة ثم أهدروها بأداء متواضع، وهناك وزراء استلموا وزارات مرتبكة، ثم أحسنوا الإمساك بزمام الأمور ببراعة وبمجهود فردى مميز للوزير، والرسالة التى أصبو إليها هنا أن مسألة القيادات فى مصر لا ينبغى أن تكون «رهانا مع الزمن» أى أن نختار الوزير، أى وزير وننتظر النتائج «وإحنا وبختنا»!! الوزراء يمكن صناعتهم كما نصنع أى منتج فى مصر، وإذا كانت وظيفة الوزير هى واحدة من أهم الوظائف التى تؤثر على الأداء العام للدولة فإن علينا أن نراجع الآليات التى يتم بها الاختيار، وأن نتأمل أيضًا فى إمكانية وضع معايير تدريب واختبار محددة سلفًا تساعدنا على أن نختار الشخص المناسب دائمًا دون الدخول فى مقامرة قد تخسر أو قد تكسب «حسب الظروف».
أراقب مثلًا المعايير التى يتم تطبيقها فى ترشيحات برنامج التدريب الرئاسى، وأراقب المنتجات البشرية المبهجة التى ينتجها هذا البرنامج من كوادر وكفاءات، والتقيت عددًا من هؤلاء المتدربين على هامش منتديات الشباب وكان آخرها المنتدى الدولى فى شرم الشيخ، وأعتقد من قراءة أولية لنتائج هذا التدريب أننا باستطاعتنا الاعتماد على معايير علمية مماثلة فى عملية اختيار الوزراء، وعلى إخضاع المرشحين المحتملين لتجارب «محاكاة» قبل إسناد المهام الوزارية إلى شخص معين بناء على تقييمات عامة أو بناء على ما يتوافر أمامنا من كوادر.
هذه البرامج العلمية تؤدى إلى نتائج مبهرة، وليس عيبًا أن يكون لدينا برنامج موازٍ لاختبار المهارات الفردية للمرشحين للمناصب الوزارية، وليس عيبًا أيضًا أن نمنح المرشحين من الوزراء فترة «حضانة» ملائمة لطبيعة التحديات التى سيتعرضون إليها، والأزمات التى سيتصدون لها، وإن كان الأمر قد أثمر فى قطاع الشباب وخرجت كوادر بهذا المستوى، فإن التجربة يمكن تكرارها فى مواقع أخرى، وليس أعز فى جهاز الدولة من موقع الوزير ليكون عنوانًا للاختيارات التى تؤسس على معايير علمية ووفق برامج مدروسة فنيًّا وسياسيًّا.
السياسات وحدها لا تكفى، البحث عن أصحاب المهارات الفردية أساس فى التقدم.
والله أعلم.
مصر من وراء القصد.
عدد الردود 0
بواسطة:
بركة
الرد الوحيد لوزير الثقافة السابق .. ميزانية الوزارة للمرتبات !!!
.. وذلك لتبرير الجمود وعدم النشاط وعدم التفكير خارج الصندوق .. نعم كاتب كبير نقدره ونحترمه .. لكن الثقافة حركة وانفتاح وإبداع وتفكير غير تقليدي ...