"قصف ورصاص لا يتوقف.. أشلاء قتلى ومصابين تترامى هنا وهناك"، وسط تلك الظروف غير الآدمية يعيش ما تبقى من 3 ملايين سورى ظلوا داخل العاصمة السورية، دمشق، الواقعة تحت قذائف وخطر الحرب التى لا تتوقف، وصواريخ الجماعات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، التى تستبيح بدماء باردة أرواح المدنيين.
وفى تحدى واضح لكل مخاطر الحرب ومصاعب الحياة فى المدينة المدمرة بفعل الحرب، خرج الأطفال السوريين فى المدينة القديمة بدمشق إلى الشوارع فى الصباح الباكر قاصدين مدارسهم لينالوا العلم وليكتسبوا الخبرات الحياتية من معلميهم، رافعين أسلحتهم الخاصة من أقلام وكراسات مدرسية فى مواجهة بارود الإرهابيين والمتطرفين، وذلك فى مشهد انتصرت فيه براءة وأمل الأطفال على نفوس المخربين والمفسدين فى الأرض.
هدوء الأوضاع فى مدينة دمشق عقب توقف القصف
عودة الطلاب السوريين إلى مدارسهم فى دمشق
الأمهات السوريات يرافقن أبنائهم إلى المدارس فى دمشق
وجاء خروج الطلاب فى دمشق بعد انقطاع عن المدارس لأيام عدة بسبب خرق الهدنة واستمرار القصف على المدينة، وفى هذا الصدد، أوصلت سيدة سورية تدعى "حنان"، اليوم الأحد، ابنتها البالغة من العمر 11 عامًا إلى باب المدرسة وقلبها يخفق من شدة الخوف خشية تساقط قذائف الفصائل المعارضة مجددًا على دمشق بعد تصعيد شهدته العاصمة ومحيطها.
وتقول حنان، البالغة من العمر 44 عامًا، لوكالة "فرانس برس"، "لا يمكننى وصف قلقى منذ لحظة ذهابها إلى المدرسة وحتى لحظة عودتها، وكأنّها عائدة من مغامرة أو من معركة، وليس من المدرسة"، خاصة وأن دمشق، والغوطة الشرقية - معقل الفصائل المعارضة إلى الشرق منها - شهدت تصعيدًا عسكريًا فى الأسبوع الثانى من شهر فبراير، أجبر العديد من المدارس فى دمشق على إغلاق أبوابها.
وتعيش حنان مع زوجها وبناتها الثلاث فى حى الأمين، فى وسط دمشق القديمة، حيث تساقطت عشرات القذائف التى أطلقتها الفصائل المعارضة من الغوطة الشرقية بعدما تعرضت بدورها لقصف جوى ومدفعى عنيف، لتستهدف بذلك المدنيين وليس العسكريين.
أطفال سوريا يذهبون إلى مدارسهم وسط المبانى المهدمة
المدارس السورية تفتح أبوابها مجددًا فى دمشق
الطلاب السوريين يحملون كتبهم المدرسية فى مواجهة صواريخ المسلحين
وعن انقطاع "لينا"، عن مدرستها "اليوسيفية" لأكثر من 8 أيام، تقول حنان، "أفضّل أن تخسر ابنتى سنتها الدراسية، على أن تخسر حياتها"، وتضيف "اليوم الوضع أفضل، استيقظنا بشكل طبيعى على صوت المنبه بعدما اعتدنا الاستيقاظ على أصوات الانفجارات".
وبرغم ذلك، أول ما قامت به حنان، هو تفقد صفحة "يوميات قذيفة هاون" على موقع "فيس بوك"، والمعنية بتوثيق القذائف التى تتساقط على دمشق، وتقول "شعرت ببعض الأمان، فأيقظتُ ابنتى وجهّزتها للمدرسة بثياب ثقيلة"، وبرغم أن المدرسة لا تبعد سوى بضع دقائق عن المنزل، أصرت حنان، على توصيل ابنتها بنفسها، على أن تعود لاصطحابها، وتوضح "ابنتى ليست صغيرة، تدرك تمامًا ما معنى الحرب، لكنها تصاب بحالة هلع حين ترى آخرين يبكون أو يركضون، لذلك أفضل البقاء بقربها".
وعاد المشهد فى دمشق القديمة إلى ما كان عليه قبل نحو أسبوعين، طلاب يحملون على اكتافهم حقائب مليئة بالكتب، يسيرون فى شوارع ضيقة ويتفادون الحفر التى خلفتها القذائف وملأتها مياه المطر ،وعلى غرار "حنان"، يرافق الكثيرون من الأهل أولادهم، تمسك إحدى الأمهات ابنتها بيد وبالأخرى تحمل مظلة تقيها من المطر.
أطفال سوريا يذهبون إلى المدارس تحت الأمطار
أطفال سوريا فى طريقهم إلى المدارس رغم خطر الحرب
قاعات المدارس خالية من الطلاب بسبب القصف المستمر
وبرغم أن دمشق بقيت بمنأى من الدمار الكبير الذى حل بالعديد من المدن السورية الكبرى، إلا أنها تشكل منذ سنوات هدفًا لقذائف الفصائل المعارضة، وخصوصاً الأحياء الشرقية الأقرب إلى الغوطة مثل المدينة القديمة، وتعرضت الغوطة الشرقية على مدى 5 أيام الشهر الحالى لغارات عدة تسببت فى مقتل عشرات المدنيين والأطفال، حيث استهدفت الفصائل المعارضة أحياء عدة فى دمشق، ما أسفر عن مقتل نحو 20 شخصًا بينهم 3 أطفال، وفق حصيلة للمرصد السورى لحقوق الإنسان، ولا تزال القذائف تستهدف العاصمة وإن تراجعت وتيرتها.
وعلى غرار آخرين، توقفت فاديا، البالغة من العمر 36 عامًا، مدرسة اللغة الإنجليزية، عن الذهاب إلى عملها فى مدرسة الرعاية فى باب شرقى فى المدينة القديمة لأيام عدة، وتقول "كنا نسمع أصوات القذائف ونخاف بعض الشئ، إلى أن استشهدت إحدى طالباتنا وتدعى "ريتا العيد"، البالغة من العمر 15 عاماً، بقذيفة هاون"، مضيفة "فى اليوم التالى كانت معظم قاعات الدراسة خالية من الطلاب".
طفلين يتوجهان إلى مدرستهم فى دمشق
الطلاب السوريين يحملون المظلات فى طريقهم للمدارس
وبعد أيام من الهدوء، سيداوم المدرسون جميعاً ابتداء من الاثنين فى المدرسة المسيحية التى تغلق أبوابها أسبوعياً يومى السبت والأحد، وتقول فاديا، "أعتقد أن الأهالى سيشعرون بالأمان حين يرون المدارس فتحت مجدداً"، متوقعة عودة الطلاب "إذا استمرّ الهدوء"، وتتذكر فاديا، حالة الهلع التى أصابتها والطلاب خلال الأيام الأولى للتصعيد، وتقول "لم تتوقف أصوات سيارات الإسعاف، كنا نضطر أحياناً لإغلاق النوافذ كى يسمعنا الطلاب، ثم نفتحها حتى لا يتكسر زجاجها من وقع الانفجار فى حال سقطت قذائف قريبة".
وأضافت "نحاول دائماً طمأنة طلابنا، لكن فى المرة الأخيرة حتى الأساتذة كانوا خائفين"، متسائلة، كيف لنا أن ننقل لهم أماناً نحن لا نشعر به؟"، وتخشى "فاديا"، تجدد القصف، وتقول "القذائف ليست لعبة، إنها مسألة حياة أو موت، والحياة فى دمشق القديمة باتت مرتبطة تمامًا بوضع الجبهات فى الغوطة الشرقية".
الطلاب السوريين يعودون إلى المدارس فى دمشق
الأطفال يحتمون بالمظلات من الأمطار فى دمشق
سكان المناطق الشرقية بدمشق يفضلون البقاء داخل المنازل
وفى ساحة باب توما المجاورة، تنتظر بضع حافلات الركّاب للانطلاق باتجاه ضاحية جرمانا القريبة، وينظّف السائق أبو محمد، زجاج حافلته البيضاء لتمضية الوقت، يتوقف قليلاً مشيراً إلى حفرة صغيرة بجانبه، ويقول "هنا انفجرت قذيفة بجانب سيارة سرفيس، واستشهد 3 أشخاص وأصيب أكثر من 10 آخرين بجروح"، ويتذكر "يومها - قبل أكثر من أسبوع - ذهبنا جميعاً إلى المنزل، وعُدنا فى اليوم التالى، نريد أن نعيش، ليس لدينا خيار آخر".
وفى الوقت الذى قرر فيه سكان المناطق الوسطى من العاصمة دمشق الخروج إلى الشوارع وممارسة أنشطتهم وحياتهم وسط حذر شديد من عودة القصف، فضّل سكان المدينة فى الأحياء الشرقية، البقاء فى منازلهم، ويوضح أبو محمد، "عادة فى مثل هذه الأيام تبقى الحركة حتى وقت متأخر، لكنها باتت خفيفة"، فخلال الأيام الماضية لم يخرج أحد من منزله إلا للضرورة "فالموت قد يركب حافلة السرفيس أيضاً".
فرحة الأطفال السوريين أثناء توجههم إلى مدارس بدمشق
أطفال سوريين يحملون شنطهم المدرسية فى دمشق
أم سورية توصل ابنتها المصابة إلى المدرسة بدمشق
الأطفال السوريين يتوجهون لمدارسهم رغم خطر الحرب
أطفال سوريا يتحدون الحرب ويذهبون للمدارس بدمشق
الأمهات السوريات توصلن أبنائهن للمدارس فى دمشق
أفواج الطلاب السوريين فى طريقها إلى المدارس بدمشق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة