"إن عبد الناصر ليس أسطورة وإنما إنسان، ولقد كان إنسانا عظيمًا، وكان أعظم ما فيه إنسانيته، وكانت هذه الإنسانية هى طريقه إلى التزامه الفكرى، والتزامه السياسى، التزامه القومى، والتزامه الدولى.. بل وأهم من ذلك كله التزامه الطبقى بالعمل والذين يعملون.. وأن العمل هو المصدر الوحيد لأى قيمة".. هكذا وصف الأستاذ محمد حسنين هيكل، الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فالأخير لم يكتب عنه شخص مثلما تحدث الأستاذ، أو كما أطلق عليه البعض "عراب عبد الناصر"، ومع مرور الذكرى الثانية على رحيل محمد حسنين هيكل، الذى رحل فى 17 فبراير 2016، تاركا خلفة إرثا كبيرا من الإنجاز الصحفى والسياسى والمعارك التى صنعت تاريخ مصر خلال نصف قرن، نقدم سلسلة أخرى من أحاديث محمد حسنين هيكل عن الزعيم ناصر، ربما يغلب عليها بعضها بعض الفكاهة فى الشكل، لكن العقل والحكمة كان هو باطنها.
ففى كتابه "عبد الناصر والعالم" يحكى هيكل موقفا لعبد الناصر أثناء انعقاد القمة العربية، فى القاهرة، وفى ظل تأزم العلاقة بين الملك حسين ملك الأردن، وقوات المقاومة الفلسطينية، يقول: "عن موقف ناصر الزعيم العربى، الذى كان بمثابة رمز للكرامة الضائعة وآمالهم التى لم تتحق، وكان يعمل من أجل السلام بين العرب دون كلل أو ملل، بحسب وصف الأستاذ، وكان يختلف، مع الطرفين، وفى إطار تلك الجهود المضنية من ناصر تم عقد مؤتمر القمة العربية فى القاهرة، ولعب ناصر دور الوسيط طوال أيام المؤتمر الثمانية".
ويحكى الأستاذ أنه أثناء عقد المؤتمر، وبعدما جاء الرئيس الفلسطينى السابق ياسر عرفات، هاربا من عمان، متخفيا فى "داشداشة" كويتية وكوفية بيضاء. وما جاء فى التقرير المقدم من الرئيس جعفر نميرى، بطلب من الملك حسين الحضور، والذى ألقى عليه اللوم وحمله تبعات استمرار إرقة الدماء، حتى عارض المشاركون اشتراكه، وكان رأى عبد الناصر أن يحضر الملك ما دام هدف المؤتمر وضع حد للمذابح.
الطريف أن الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى انفجر معترضا على ذلك قائلا: "ما الفائدة من إحضاره؟ إنه معتوه، إنه مجنون". واعترض الملك فيصل آل سعود على الفور قائلا: "كيف تقول ذلك عن ملك عربى؟"، وناشد بعدها الأخير "ناصر" ليتدخل لدى القذافى، قائلا: "كيف نقبل أن يصم أحد زملائنا ملكا عربيا سيشترك معنا فى مناقشتنا غدا. بالجنون؟"، بدأ عبد الناصر مبتسما، بينما مضى القذافى متابعا "أجل.. والله إنه مجنون وينبغى علينا أن تستدعى غدا، بعض الأطباء لإرساله إلى مستشفى للأمراض العقلية حتى نتبين ما إذا كان مجنونا أم لا"، فتدخل "ناصر" ضاحكا "يبدو لى أننا جميعا مجانين، واقترح أن نستدعى بعض الأطباء للكشف علينا جميعا ليقرروا من منا مجنون ومن الراشد".
وتدخل الملك فيصل: "طيب.. لا بأس يا حضرة الأخ عبد الناصر. ولكنى أريد أن أكون أول من يكشف عليه الأطباء.. فربما وجدنى مجنونا وساعتها أكون قد تجنبت عذاب الاشتراك فى محادثات كهذه". فى النهاية استطاع أن يصل ناصر إلى صلح بين الراحلين الملك حسين والرئيس ياسر عرفات.
أمر آخر يرويه "الأستاذ" فى كتابه، وهو عن زيارة السياسى الكوبى، الرئيس الحالى للبلاد، راءول كاسترو، بالتزامن مع ذكرى ثورة 23 يوليو، وكان أعد خطابا لهذه المناسبة، كان بالغ الهجوم فيه على الولايات المتحدة، إلا أن أحد رجال التشريفات استفسر عن الخطاب، ولما أطلعه عليه ترجاه الرجل أن يخفف من حدة الخطاب.
فقام "كاسترو" بتعديله، لكن الرجل عاد مرة أخرى، ليطلب منه التعديل، حتى إنه قام بحذف ثلثى الخطاب، وعندما ذهب إلى الحفل غاضبا، وجد أن كلمة ناصر أكثر عنفا ضد الولايات المتحدة.. فبعد انتهاء الحفل عرض خطابه على ناصر، مؤكدا أن خطابه كان أقل حدة منه، فأبدى ناصر غضبه وعندما عاد إلى الرجل الذى لم يذكره الأستاذ أكد أنه طلب ذلك لأنه كان مقررا أن يحضر السفير الأمريكى الحفل، فقال ناصر لكاسترو: "هكذا يعانى الثوريون من البيروقراطيين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة