قرأت النص الكامل لقانون الجرائم الإلكترونية، والحقيقة هو قانون بالغ الأهمية إذ إن الكثير من الجرائم كانت تقع باستمرار فى المجال التكنولوجى بلا حسيب أو رقيب أو نصوص قانونية تضمن عودة الحق لأصحابه، والقانون يتضمن عددا كبيرا من الجرائم وصورا مختلفة فى العقاب، ويحقق الردع فى هذا المجال الذى سادته الفوضى لسنوات طويلة، ويتعرض لاختراقات منظمة من قوى وجهات متعددة.
القانون جيد ويمثل خطوة أساسية، لكن لا تزال هذه الساحة التكنولوجية فى حاجة إلى عدد كبير من القوانين التى تنظم هذا العالم الافتراضى على نحو أمثل، ولا تزال هناك جرائم تحتاج إلى تنظيم حقيقى من المشرع المصرى.
خذ مثلا.. إذا كان التهرب الضريبى جريمة مثلا فى عرف القانون، فكيف تبقى بعض صور التجارة الإلكترونية بعيدة عن يد العدالة الضريبية، خاصة أن هناك من يبيع ويشترى إلكترونيا من خلال صفحات للفيس بوك، ومواقع التواصل المختلفة دون أن يخضع لأى معاملات ضريبية.
أضف إلى ذلك أيضا الشخصيات الشهيرة على شبكات التواصل التى جرى الإصطلاح على تسميتهم Influencers «إنفلونسرز»، هذه الشخصيات الشهيرة إلكترونيا يتم الإعتماد عليها فى ترويج منتجات وسلع لصالح شركات كبيرة دون أن ينظم القانون هذا العمل التسويقى والتجارى، وقبل أيام فرضت الإمارات العربية المتحدة شروطا محددة على هؤلاء الـ«إنلفونسزر»، حيث ألزمتهم بفتح حسابات تجارية واستخراج بطاقات ضريبية للمساواة أمام القوانين، لا أن يتم عملهم بعيدا عن الضرائب والقانون، وهو أمر يحقق العدالة، وينظم هذه الفوضى الإعلانية والتجارية فى العالم الرقمى.
وعطفا على مسالة الإعلانات الإلكترونية، فربما تبقى جريمة مهمة خارج منظومة العدالة أيضا وهى المتعلقة بالإعلانات التى يحصل عليها فيس بوك من السوق المصرى دون أن يسدد عليها أى نوع من أنواع الضرائب، فموقع فيس بوك هو أكبر متهرب ضريبى فى البلد، ولا يوجد لدينا من القوانين ما يمكن من خلاله إلزام الـ«فيس بوك» بسداد الضرائب، أو بإلزام المعلنين على الـ«فيس بوكى أن يدفعوا قيمة الضرائب المستحقة على هذا الموقع، أو تسديد رسوم خاصة بالإعلان على مواقع غير مصرية.
لا تزال هناك جرائم مالية وتجارية وإعلانية خارج قانون الجرائم الإلكترونية، ورغم قوة القانون إلا أننا نحتاج إلى عدد آخر من القوانين المنظمة للعالم الافتراضى، ولحدود استخدام التكنولوجيا، وفى المعاملات التجارية والمالية على شبكة الإنترنت، لأن هناك ملايين الأموال الضائعة على الخزانة العامة، وملايين الجنيهات الضائعة على المؤسسات الإعلامية المصرية التى تجرى سرقة حقوقه علنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، كما لا تعمل فى أجواء من المساواة، إذ تلتزم المؤسسات الصحفية والإعلامية بالضرائب، بينما لا يلتزم محتكرى الإعلانات الإلكترونية بسداد مليم واحد من هذه الضرائب لخزينة الدولة.
نأمل أن ينظر البرلمان فى هذا الأمر، لقد كررته مرارا فى مناسبات متعددة، وأثبته بالدليل لبرلمانيين كبار مسؤولين عن التشريع فى المجال الإعلامى، لكن لا تزال هذه القوانين المهمة حبيسة الأدراج، أو حبيسة نوايا لا نعرفها داخل مجلس النواب.
قانون الجرائم الإلكترونية مهمة، لكن يجب أن ننظر إلى المشهد بكامله، لتتحقق العدالة الشاملة.
مصر من وراء القصد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة