هذه قصة للشباب الذين يستدينون لشراء شقة، وما إن تتجمع لديهم مدخرات صغيرة حتى دفنوها فى مقدم شقة تمليك وقضوا ما تبقى من عمرهم فى سداد القرض..
وهذه القصة للحكومة أيضا التى تحلم بالتنمية والتطوير، بينما الشباب يوجهون مدخراتهم الصغيرة للشقق السكنية، ويرهقون أنفسهم بالقروض لسداد ثمن الشقق، ولا يجرؤ أى منهم على توجيه مدخراته للاستثمار الصناعى أو فى خلق مشروع صغير ينفع به نفسه وينفع به البلد..
اسمع قصة هانى الشامى..
بطل هذه القصة صديق طيب، تبدلت أحواله بسبب عجزه عن شراء شقة فى المحلة ليتزوج بها، فقاده الإحباط إلى أن يتحول من شاب يبحث عن سكن تمليك بالقسط، إلى أحد أشطر رجال صناعة الملابس فى مدينة المحلة، عندما قرر أن يبدأ بمدخراته الصغيرة مشروعا صناعيا بدلا من أن يدفن هذه المدخرات فى شقة تمليك يتباهى بها بعض الوقت ثم يبقى مديونا بسببها نصف حياته.
كان عمره خمسة وعشرين عاما عندما ادخر هانى أول عشرة آلاف جنيه فى حياته، كان مبلغا ضخما لشاب مثله فى عام 1990 قبل 28 عاما، جمع هانى هذه الأموال بمشقة حين بدأ يعمل فى توزيع ملابس مصانع المحلة على تجار الملابس والمحلات، يسافر بالساعات بين القرى والمدن، يسهر أمام المصانع لتحميل البضائع، ويرسم ابتسامة كبيرة على وجهه أمام التجار وأصحاب المحلات، لتكون جسرا للثقة حتى يضمن علاقات فى السوق كبائع صغير، ويحظى على ثقة الكبار فى هذا الوقت المبكر من حياته.
خمس سنوات كاملة يجمع قرشا فوق قرش حتى تجمعت الآلاف العشرة، واختار قلبه فتاة من جيرانه لتملؤه شغفا بحبها، وتوجه عزيمته نحو الادخار للفوز بها وتأسيس مسكن الزوجية.
أهل هذه الفتاة لا يختلفون عن أى أسرة مصرية، الطلبات والاشتراطات محفوظة عن ظهر قلب، الشبكة والشقة أولا، وفى المحلة المنافسة على جميلات العائلات شاقة للغاية، إذ إن المحافظة يملأها أصحاب الجيوب العامرة والتجارة الرائجة، فأين يذهب هذا الشاب بآلافه القليلة التى جمعها فى خمس سنوات كاملة؟!
هرول هانى إلى عمارة جديدة ليحجز بها شقة تمليك، هذا البناء تملكه سيدة بنت عمارتها للربح وليس لتحقيق أحلام هانى، ولذلك حين أودع عندها مبلغ عشرة آلاف جنيه ليحجز شقته، وظن بذلك أنه عبر نصف الطريق ليتزوج حبيبته المنتظرة، صدمته صاحبة العقار حين طلبت «ألف جنيه» زيادة على هذه المقدم، وحين عجز هانى عن توفير «ألف جنيه» ردت له هذه السيدة آلافه العشرة فى صلف، وطلبت منه «أن يحلم على مقاسه»!
هكذا وبعد خمس سنوات من العذاب ضاعت الشقة، وضاعت بعدها الحبيبة، تعذب هانى حين اكتشف أن كل سنوات «البهدلة» لم تساوِ كلمة جارحة من هذه صاحبة العقار، حين طعنته بأن هذا الحلم ليس على مقاسه، رغم السهر والتعب وحرمان النفس من كل المتع لادخار هذا المال..
هنا أدرك هانى الشامى أن مساره يجب أن يتغير..
وأقسم باكيا أنه سيذهب يوما ما لهذه السيدة التى طعنت كرامته ويقول لها إنه اشترى أعظم شقق مصر على الإطلاق، وأن مقاسه بآلافه العشرة سيكون أعظم من كل هؤلاء الذين طعنوه فى كبريائه، وحاولوا كسر عزيمته والسخرية من كفاحه..
تغير المسار بعدما تغيرت الأفكار...
قال هانى لنفسه:
لماذا يجب أن أضع هذه الأموال فى شقة ولا استثمرها فى مشروع صناعى؟!
وقال هانى لنفسه؟
لماذا يجب أن أقضى عمرى فى خدمة الدين لشقة تمليك، بينما يمكن أن أسكن بالإيجار وأوجه مدخراتى إلى الاستثمار؟
وقال هانى لنفسه:
لماذا يجب أن أدفن أول مدخراتى فى الشقة بينما يمكن أن أستخدم هذا المال فى العمل والصناعة ليربو المال أولا ثم أستخدم فائضه لشراء ما أحلم به لاحقا؟!
هكذا أعاد الرجل ترتيب أفكاره تحت ضغط جرح الكبرياء وفقدان الحبيبة، لم ينكسر هانى ورتب حلمه من جديد، ليحقق مفاجأة لنفسه وعائلته، ويذهب بالفعل بعد سنوات ليواجه صاحبة العقار، ويكشف لها كم أنعم عليه الله بعدما ردت له المال، وعصفت بحلمه الصغير..
استخدم هانى عشرة آلاف جنيه فى استئجار مصنع مساحة 200 متر ليحوله إلى مصنع صغير، هكذا قرر أن يتحول فجأة، من موظف يوزع الملابس إلى صاحب مصنع، ومرة أخرى يسخر منه كل من حوله، وتنطلق أصوات التعجيز «إنت هتروح فين يا ابنى وسط كل القامات الصناعية هنا فى المحلة»، وتستمر آلة الإحباط «يا ابنى هتفشل دى شغلانة واسعة وتفاصيلها كتيرة»، «مش هيسمحولك يا ابنى ده ياكلوك»، ويمتد التخويف «هتضيع فلوسك وتتحبس».
لم تساوِ هذه الأصوات أكبر من جناح بعوضة فى قلب هذا الشاب، لقد أقسم أن يعمل، وقد كان، بدأ بهذا المكان الصغير، وقع شيكات على نفسه لشراء الماكينات، وقام بتوزيع البضاعة بنفسه على من يعرفهم من تجار ومحلات.
وخلال سنوات قليلة تحول هذا المصنع الصغير إلى ظاهرة فى الإنتاج وفى التوزيع بين كل مصانع المحلة، 200 متر وماكينات بالقسط قلبت الموازين تماما، وسدد هانى قروض الماكينات، وبنى أدوارا أخرى فوق المصنع بعد أن اشترى الأرض لنفسه، وفتح الله عليه بسعة الرزق بعد نجاحه فى الصناعة..
أنت لا ترى هانى فى التليفزيون
ولا يحتاج إلى إعلانات فى مسلسلات رمضان
لكن قصة هانى رسالة مهمة للشباب..
لماذا يدفن الشباب مدخراته فى أول شقة سكنية ويورط نفسه فى الديون إلى الأبد، بينما يستطيع أن يوجه هذه المدخرات لعمل صناعى أو مشروع صغير يضمن به المزيد من المال والمزيد من الشقق السكنية.
يظن الشباب أن الشقق استثمار جيد، لكن الشقق ليست استثمارا، إنها عبء بالديون والقروض والتوضيب والفرش، لماذا يجب أن تبدأ بالشقة أولاً، لماذا لا تبدأ حياتك بمشروع صغير مثل هانى الشامى؟
صدمة، أعقبها وعى، أعقبتها إرادة، ثم خطة عمل، ثم مخاطرة، ثم أصبح هانى الشامى بمصنعه الصغير قادرا على أن يشترى عقار المحلة الذى فشل فى أن يحصل فيه على شقة، بل ويشترى العقارات المجاورة له بالكامل.
هكذا صنعت عشرة آلاف جنيه مجدا بمشروع صناعى صغير، بينما كانت ستحول هانى وشقته إلى عبء جديد على بطاقات التموين وعلى البوتاجاز والبنزين وتكافل وكرامة.
هكذا يمكن أن تتغير حياتك بمشروع صغير.
هكذا يمكن أن تصبح رجل أعمال تكتب عن نجاحك الصحف بمصنع مساحته الأصلية المستخدمة 200 متر، هكذا يمكن أن تقترض لشراء الماكينات أفضل من اقتراضك لوحدة سكنية من الأسمنت.
..
وأتمنى أن تحظى قصص المشروعات الصناعية فى بدايتها بدعاية حكومية بنفس القدر الذى ننفق فيه أموال الدعاية على بيع الشقق والأراضى والعقارات.
اسمع يا ابنى قصة عمك هانى الشامى..
يقول هانى الشامى عن قصة حياته
لو كنت اشتريت الشقة كانت حياتى باظت
الحمد لله إنى وجهت فلوسى للصناعة مش للشقق
عارف عمك هانى عنده بيوت فين دلوقتى..
فى أرقى وأجمل مبانى مصر..
بارك الله لأصحاب العمل الجاد
بارك الله فى المشروعات الصناعية صغرت أو كبرت..
بارك الله فى عقل شباب هذا البلد وألهمهم المسار الصحيح..
مصر من وراء القصد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة