نسبة ليست بالهينة قدرت بـ9 مليون طفل وفق أخر الإحصائيات الصادرة عن الجهات المعنية وقعوا فى دوامة العنف الأسرى بسبب شبح الطلاق الذى اقتحم حياة أبائهم وأمهاتهم ليتحولوا مع الوقت لأداة ضغط لكل طرف على الأخر وإبتزازه حتى يستولى على حقوقه، ليدفع أطفال الطلاق ثمن تلك التصرفات المريضة لبقية حياتهم بسبب الضغط النفسي والعنف الذى نهش براءتهم ، بعد أن أعمت الخلافات الزوجية عقول ذويهم لينساقوا وراء العند والانتقام حتى أصابوا أطفالهم بنارها ، لتعلن الأرقام التى رصدتها الجهات الرسمية والحقوقية عن خطورة أثار الطلاق المدمرة ، الأمر الذى يجعنا نتساءل :"كيف تتعايش تلك الفىة بعد أن دمر العنف الأسرى حياتهم".
وواصلت الأرقام معاناة الأطفال لتؤكد احصائيات صادرة عن مكاتب تسوية المناعازت تضرر 60% نفسيا ومعاناتهم من إضطراب بسبب الضغوط التى تقع عليهم أثناء تناحر الزوجين نسبة 5% أصيبوا بعاهات مستديمة، و7 % سلكوا طرق غير قانونية ، و2 %هربوا من جحيم العيش بداخل أسر منفصلة.
ورصدت بعض الأرقام نسبة العنف الذى يتعرض له الطفل بسبب زوج الأم من خلال قضايا تم نظرها بمحاكم الأسرة وصلت إلى 25% وعدد القضايا التى يتم فيها التعنيف من زوجة الأب إلى 30%.
ارتفاع نسبة عدد قضايا الرؤية بعد حرمان الآباء من رؤية أبنائهم بلغت 16ألف دعوى بسبب رفض الزوجات منحهم حق رؤية الأطفال كيدا بهم، و12 ألف دعوى نفقة لزوجات يقفن أمام محاكم الأسرة بسبب رفض أزواجهن دفع نفقة الأطفال عقابا لهم على الطلاق، و6 ألاف أخرى لإسقاط حق الرؤية بسبب سوء تصرف الآباء والأمهات ومحاولة السيطرة على الأطفال والتعدى بالضرب والعنف ضدهم.
فيما خرجت علينا الأرقام خلال لتعلن أن نسبة البلاغات الخاصة بالعنف للأطفال لآباء وأمهات منفصلين انقسمت إلى العنف البدني بـ 68% ، مقابل 22% للعنف النفسي ، و10% للعنف الجنسى.
كما صنف العنف بـ" الضرب " الذى وصل إلى نسبة 29.5% ،وجاء أسلوب التوبيخ والسباب في المرتبة الثانية بنسبة 24.1% ثم أسلوب الحرمان من الأكل أو المصروف بنسبة 20.8% وأسلوب الضرب باستخدام آلة بنسبة 6.3% وأسلوب التوبيخ أمام الناس بنسبة 9% وجاء أسلوب اللسع بالنار في ذيل القائمة بنسبة 2%.
كما ذكر مركز البحوث الجنائية والاجتماعية، أن 80% من الأطفال يتعرضون للإساءة من أحد أو كلا الوالدين فى حالات الانفصال منهم 26% أصغر من 4 سنوات و 27% أعمارهم ما بين (8 - 12) عام و 23% أعمارهم من (13 - 18) عام ، كما وجد أن 52% من ضحايا العنف بعد الطلاق إناث و 49% من الضحايا كانوا من الذكور.
ومن هنا نتعرف على مأساة بعض الأطفال بعد أن قمنا برصد حالات العنف التى تعرضوا لها بسبب شبح الانفصال أمام محاكم الأسرة.
حسن يشتغل فى ورشة عشان يصرف على أسرته
مأساة حقيقة يعيشها غالبية أبناء الطلاق، ليصبحوا أطفالا لا يعرفون معنى كلمة الطفولة ويكبرون قبل أوانهم،وهو ما وصفه الطفل حسن أثناء وقوفه أمام محكمة الأسرة بإمبابة بحثا عن حقوقه وإخوته ليؤكد قائلا: اضطررت للعمل فى ورشة لتصليح السيارات حتى أساعد والدتى فهى ليس لديها مصدر دخل وأنا أصبحت مع الوقت "راجلها الوحيد" -وفق تعبيره-.
وأكد حسن البالغ من العمر 12 عاما: "مفيش حد بيسأل علينا ولا يقف جنب والدتى ولا يساعدنا فى مصروفات شقيقى وشقيقتى".
وأكمل: "لما بشوف أصحابى وهما عيشين فى سعادة بتحسر على حالى وأنا طوال عمرى فى الغلب".
مصطفى ابن الـ9 سنوات: " علامات ضرب بابا منحوتة على ضهرى وبخاف منه ومش عايز أشوفه"
الطفل مصطفى والذى اشتكى من تعرضه للضرب على يد والده أثناء نظر دعوى والدته بإسقاط حق الرؤية عن طليقها والتى حملت رقم 912 لسنة 2018 بمحكمة القاهرة الجديدة: 9 سنين عمرى قضيت معظمها أخاف من التواجد فى نفس المكان مع والدى بسبب تعنيفه لى، ليضيف: "علامات ضربه بالسلك فى جسدي منحوتة على ضهرى".
وتابع الطفل أثناء تواجده مع والدته "فاطمة.ط": والدتى بتتسول فلوس النفقة عشان تصرف علي المنزل وشقيقتى المريضة ووالدى عندما تذهب له يطردها ويقول لها "اعتبرنى مت".
طفلة من ذوى الاحتياجات الخاصة: "والدى طلق والدتى بسبب إعاقتى وكان يرفض خروجى من المنزل بسبب خشيته من الناس".
ووفق سرد الأطفال لمعاناتهم بمحاكم الأسرة تشابهت القصص من حيث العنف النفسي والجسدي لتروي الطفلة إيمان التى تخلى عنها والداها لكونها من ذوي الاحتياجات الخاصة أمام محكمة الأسرة بإمبابة: دائما كنت أسمع من المحيطين بوالدتى من أقاربها أن والدى طلقها من أجلى بسبب رفضه لإنجابها طفلة معاقة-على حد وصفها ووالدتها-،مؤكدة: عندما كان يتواجد فى المنزل معانا كان يضربنى ويرفض خروجى بسبب خشيته من كلام الناس.
وأكملت: حتى النفقات اللازمة من أجل علاجى رفض وطلب من والدتى التسول بي وبشقيقاتى،ويصرخ فى المحكمة أنها تنجب إناث وهو نفسه فى إنجاب الذكور، مضيفة:أنا مش بحبه عشان كان بيضرب أمى.
إياد وقع ضحية زواج والدته وخلعها لوالده
وننتقل لمحكمة الأسرة بمصر الجديدة فى الدعوى القضائية التى حملت رقم 1325لسنة 2018 والتى وقع ضحيتها الطفل إياد.خ.ه بعد أن تزوجت والدته اثر خلعها لوالده ووقف هو فى صراع على مكان إقامته بعد أن حصلت جدته على الحضانة ليصرح: وقت مكوث والدى ووالدتى قبل الطلاق كانوا دائمى الشجار والتعدى بالضرب كلا منهم على الأخر ورغم صغر سني ووقتها وبكائى كانوا لا يستجبون وأحيانا يضربونى وكذلك أهل والدتى عند تركها المنزل ومكوثها لديهم وقولهم لى بأنهم لا يريدونى كونى أشبه والدى.
وتابع: فى أخر مرة قامت والدتى بحرقى على يدى والتعدى على بالضرب بسبب رفض والدى دفع النفقة لجدتى وهددتنى إذا لم أقنع والدى بدفع الأموال لهم بإجبارها لى على ترك المدرسة".
الطفل على مهدد بوضعه بدار أيتام
على.ج.م طفل أخر وقع ضحية التناحر الزوجى لأبويه"جمال" و"هدى" ليؤكد أثناء نظر دعوى النفقة التى أقامتها والدته أمام محكمة الأسرة بزنانيرى رقم 4521 لسنة2018: "نفسي أشوف بابا ويروح معايا المدرسة 18 شهر محروم منه بسبب أخر خناقة جمعته مع أمى ورفض بعدها الدخول للمنزل مرة أخرى وعرفت بعدها بزواجه".
وأكمل : والدتى اضطرت للعمل بوظيفتين بسبب رفضه دفع النفقة ومصروفات مدرستى، مضيفا: عندما لجأت أمى لجدتى لتستعين بها للتأثير على أبى لسداد المصروفات والنفقات حتى لا تضطر لإقامة دعوى حبس ضده قالت لها ابنى لم ينجب أطفال وهددتها بأخذى وإلقائى فى أى دار رعاية، وعندما علم والدى تعدى عليها بالضرب فى الشارع.
هاجر: بكره زوجة والدى
فيما قالت الطفلة "هاجر"، التى لم تتجاوز 8 سنوات، أمام محكمة الأسرة بإمبابة، لتحكى مأساتها وسط مشاكل لا حصر لها بين والديها: "أنا بكره أبويا عشان رمانى وحسبى الله ونعم الوكيل فيه وفى مراته اللى خطفت أبويا من ماما"، وأضافت الطفلة، أن والدها تزوج سيدة بعقد عرفى، على والدتها، وهجرهما وامتنع عن الإنفاق عليهما، متابعة: "لما بيشوفنى بيعمل نفسه مش شايفنى، وأنا يوميًا أمام محكمة الأسرة مع ماما للمطالبة بالنفقة".
العنف ضد الأطفال
ومن أبرز حالات العنف ضد أطفال التى تكشف خطورة العنف الأسرى الطفلة "شهد.م.ي" وذلك بعد سرد والدتها أمام محكمة الأسرة بإمبابة فى مطالبتها بالنفقة الشهرية لها بعد أن قام أبيها بالتسبب لها فى حروق من الدرجة الثالثة بسبب رفضها زيارته بسبب الخلافات الأسرية بينه ووالداتها التى انتهت بطلاقهما بعد زواج دام 12 عاما .
وقالت الأم: ابنتى ونجلى الصغير محمد عانيا مع أبيهم كثيرا فلم يكن يتحدث إلا بيديه ودائما ما يقوم بضربهما عندما يحدث خلاف بينى وبينه، وفى أخر مرة بعد طلاقى منه وقيام ابنتى بالبكاء بعدما أخذها لقضاء بعض الوقت معه وأخيها الذى يكبرها بعام بكت خوفا منه بعد أن كسرت كوب زجاجى وعندها قام بأخذها على المطبخ وحرقها ليعاقبها على فعلتها".
أخصائية نفسية: يجب أن نحمى الأطفال من التعرض للعنف
عرضنا مأساة هؤلاء الأطفال على الدكتورة مها توفيق، أخصائى علم النفس، فقالت: "يجب أن يتعامل الآباء والأمهات الذين قررا الانفصال بالشرح إلى أطفالهم طبيعة الحالة التى يمران بها وصعوبتها وإيجاد البدائل والحوار واللغة السهلة لكى يتغلبوا على الحالة النفسية التى من الممكن أن تؤثر عليهم سلبًا لكى نحميهم وللخروج من هذه التجربة الأليمة دون تشوه وبأقل الخسائر".
وأكملت: "يجب أن يدرك الوالدان هنا أنهما أمام "طفل" حرم من ميزة "الأسرة" ويكون لديهما مهارات التحكم عند الغضب لكى لا يتأثر الطفل فى هذا التنازع".
وأشارت إلى أنه من الجيد فى مثل هذه الحالات التى تلجأ لمحاكم "الأسرة" أن يجدوا البديل للطفل الذى يستطيع أن يتحدث معه ويحاول أن يكون طرفًا محايدًا ليحاول أن يمتص التأثير السلبى الذى يقع على أطراف النزاع.
وتابعت: "الخلافات الأسرية تحول الطفل إلى "عدوانى" سواء على أصدقائه أو المجتمع والبعض منهم يتجه للعنف أو يصبح طفلاً حقودًا ليعاقب غيره على الأزمة التى يمر بها ونجد منهم من يتجه للكذب لكى يتغلب على ما يمر به".
وأشارت إلى أن الحالة التى يكون فيها الطفل "رأى سلبى" لأحد الأطراف سواء أمه أو أبيه فيجب أن يكون رد الفعل عليه الهدوء وإشعاره أنه خاطئ لكى لا تحدث له انتكاسة أكبر مما هو فيها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة