طرح الرئيس السيسى رؤية تقدمية وعابرة للروتين ومناضلة أمام القوانين المكبلة للاستثمار والإجراءات المعقدة المعوقة للعمل والتطور داخل شركات قطاع الأعمال العام فى مصر، خلال افتتاحه لصرح صناعة الأسمنت فى بنى سويف..
ما قاله الرئيس مكاشفة غير مسبوقة عن طبيعة العمل الحكومى وتعقيداته، وعن الخسائر التى يتحملها البلد من تأخير المشروعات، باسم القوانين واللوائح والمناقصات الفنية، والمناقصات المالية، واللجان، واللجان التى تراقب اللجان، إلى آخر هذه القائمة الطويلة من الإجراءات التى تطبق بنية «الحفاظ على المال العام»، لكنها فى الحقيقة تشكل أكبر إهدار للمال، وتؤدى إلى بطء مخيف فى تنفيذ المشروعات الجديدة، وخسائر كبيرة فى عمليات تمويل هذه المشروعات، وضرب الرئيس مثلا بصرح صناعة الأسمنت فى بنى سويف، فلو كانت الإجراءات قد تمت بنفس الطريقة الروتينية المعقدة لتأخر هذا المشروع القومى العملاق سنوات طويلة، ولخسرت البلاد ما يقرب من 700 مليون جنيه لارتفاع تكلفة إنشاء المصنع خلال هذه السنوات.
نحن لا نريد أن نفوت هذه الفرصة النادرة، وهذه المكاشفة الرئاسية دون أن نصل إلى نتائج حقيقية فى هذا الملف، ما قاله الرئيس لمس بدقة جوهر المأساة، ولولا وجود الرئيس شخصيا على رأس مشروع بنى سويف لفسدت المسارات وتغيرت الأزمنة وتضاعفت التكلفة، لكن الرئيس شخصيا كان ضامنا لأن تتم كل الإجراءات بسرعة، وأن يلتزم المشروع بالقانون فى نفس الوقت الذى يتجاوز فيه طاحونة الروتين واللجان والمناقصات والترتيبات المعقدة التى تحول دون تحقيق كل أحلام البلد فى النمو.
لكننا لا نستطيع أن نضع كل المشروعات تحت الإدارة المباشرة للرئيس بالطبع.
فما الحل إذن لضمان نفس المستوى من سرعة التنفيذ وكفاءة المشروع؟
أتصور أن هذه المكاشفة الرئاسية، وهذه التقدمية التى يدير بها السيسى المشروعات الكبرى ينبغى أن تتم ترجمتها فى عدد من الإجراءات داخل شركات قطاع الأعمال العام:
أولا: يجب أن تتم إعادة النظر فى القوانين التى تحكم حركة شركات قطاع الأعمال العام عند الإقدام على مشروعات جديدة، بحيث يتم تسهيل عملية اتخاذ القرار فى نفس الوقت الذى تتحقق فيه غاية الحفاظ على المال العام.
ثانيا: دخول الرقابة الإدارية فى ترتيبات ومفاوضات المشروعات الجديدة ينهى أزمة الأيدى المرتعشة داخل الشركات، فكثير من قيادات الشركات تملأ قلوبهم المخاوف من أن ينتهى طموحهم فى التطوير إلى دخولهم السجن إذا قاموا بالتفاوض المباشر مع الشركات المنفذة للمشروعات، ولذلك فإن دخول الرقابة الإدارية كطرف مباشر يمكن أن يطمئن قلوب قيادات الشركات، ويضمن أن القرارات الصائبة ليست فيها مخالفات قانونية أو مالية.
ثالثا: اختيار كفاءات من القطاع الخاص لإدارة بعض الشركات فى قطاع الأعمال العام، إذ إن تجارب القطاع الخاص أكثر مرونة وأوسع حيلة، ووجود الرقابة الإدارية يضمن عدم الانحراف بمسارات المال العام فى أى ضلالة قانونية.
رابعا: النظر فى حل المشكلات التمويلية لهذه الشركات سواء من خلال القروض الداخلية، أو من خلال التعاون مع شركات أجنبية عملاقة فى نفس تخصص كل شركة.
خامسا: ضرورة أن يضمن متخذو القرار فى الشركات أن مصيرهم لن ينتهى إلى السجن، وبالتالى فإن العقوبات السالبة للحريات فى الملفات الاقتصادية ينبغى أن تقتصر على جرائم مثل الرشوة أو الإهدار العمدى للمال العام، لكن ما شهدناه فى الفترة التى تلت ثورة يناير أن بعض الملفات الاقتصادية يمكن تكييفها قانونا بحيث تنتهى إلى حبس المسؤول، رغم عدم تربحه من القرارات التى اتخذها، أو عدم تربيحه للغير بسوء نية، أو عدم تلقيه رشوة من أى نوع، وهذه التجربة المريرة هى السبب الرئيسى فى أجواء الأيدى المرتعشة التى تعيشها الشركات العامة فى البلاد.
سادسا: أن تتم التفرقة بين المشروعات الحكومية بغرض الاستثمار، وبين المشروعات الحكومية التى تدار بمنطق «سبيل أم هاشم»، فالمشروع يؤسس على قواعد الربح والخسارة، وليس على قواعد بيوت رعاية الأيتام والمسنين، فالعامل له حقوق وواجبات، يربح إن التزم بها، ويخسر وظيفته إن خالفها، حتى يتم تشجيع الحافز الفردى، وليس الحوافز الجماعية غير العادلة التى تساوى بين من يعمل ومن لا يعمل، وتتحول من خلالها شركات القطاع العام وقطاع الأعمال إلى مؤسسات اجتماعية وتكية للموظفين، وليست مؤسسات اقتصادية تستهدف الربح والتنمية فى البلد.
هذه اجتهادات مراقب عام، وليست اقتراحات تخصصية، وأتصور أن المتخصصين يمكن أن تكون لديهم أفكار أوسع للبناء عليها، والمهم هنا أولا وأخيرا، ألا نهدر فرصة هذه المكاشفة المهمة من الرئيس السيسى، وألا يمر هذا التشخيص الدقيق والأمثلة المهمة التى استمعنا إليها خلال افتتاح هذه المشروعات العملاقة، دون أن نؤسس عليها عملية تغيير حقيقية لواقع هذه الشركات، وأن نضمن نقلة نوعية فى حركتها ومساهمتها فى التنمية، وبدلا من أن تتراكم كل المهام على عاتق السيد الرئيس شخصيا وعلى جهاز الخدمة الوطنية ورجال القوات المسلحة تتصدى كل شركة من 121 شركة من شركات قطاع الأعمال للتحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى، وقتها سيكون عبورنا أسهل، وإنجازاتنا أكبر، ونفرح بعشرات المشروعات الناجحة فى البلاد.
لا تهدروا الفرصة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة