إذا كنا قد تحدثنا على أن البداية الصحيحة لتجديد الخطاب الدينى فى الإسلام هى إعمال العقل أولاً، واعتبار أن العقل أحد أهم مصادر التشريع طالما أن العقل نفسه كان أحد أهم عناصر إدراك التوحيد فى العقيدة الإبراهيمية فإن أولى الخطوات التى يجب أن نتحرك بها لإعمال العقل هى تطبيق أحكام العقل على الأحاديث الواردة فى صحيحى البخارى ومسلم.
أعلم جيداً حساسية الحديث عن الصحيحين بالنسبة لعلماء الدين الإسلامى والمؤسسات الدينية الرسمية، وأعلم أن هناك حساسية خاصة لديهم تجاه هذه الكتب التى تحتل مرتبة فى التقديس تالية على القرآن الكريم، ولكننى أدعو أيضاً إلى أن تكون قداسة القرآن الكريم هى أحد أهم عناصر تقييم الأحاديث الواردة فى صحيحى البخارى ومسلم، فإعمال العقل بين النص المقدس الوارد من الوحى السماوى فى القرآن الكريم مع النصوص، أو بعض الأحاديث الواردة فى صحيحى البخارى ومسلم، ستكشف عن الكثير من الأخطاء أو الأحاديث التى لا يمكن الحكم بصحتها إذا قيمناها مع نص القرآن الكريم، وبالتالى فإننى لا أدعو إلى إعادة تقييم عقلى لصحيحى البخارى ومسلم من منطلق فلسفى، أو من منطلق دنيوى، أو من منطلق قانونى، أو من منطلق سياسى، ولكننى أدعو فقط فى المرحلة الأولى لتقييم ما ورد فى صحيحى البخارى ومسلم تقييما قرآنيا، أى أننا على الأقل، علينا أن نراجع الأحاديث التى تخالف نصوصا قرآنية أو تخالف أحكاما واردة فى القرآن الكريم، وهناك أمثلة متعددة على هذه المخالفات بين النصوص القرآنية وما بين الأحاديث النبوية، فإذا كنا نريد بالفعل تجديد الخطاب الدينى، وإذا كنا سنحتكم إلى العقل كأحد مصادر هذا التجديد، وإذا كنا نؤمن بأن العقل كان الأساس فى إدراك عقيدة التوحيد لدى إبراهيم النبى، عليه السلام، فإن العقل بالضرورة سيكون هو أساساً لهذا التشريع، وبالتالى فأول ما أدعو إليه، هو وضع كتابى صحيحى البخارى ومسلم على طاولة التقييم العقلى النقدى بالقياس على القرآن الكريم، وعلى آيات الله الواردة فى الكتاب المقدس، وعلى التشريعات والأحكام التى تم النص عليها صراحةً فى القرآن.
إن البدء بهذا العمل العقلى فى حركتنا نحو تجديد الخطاب الدينى سيكون هو أساس كل عمليات التجديد التالية.
إن الكشف عن الأخطاء الكبيرة الواردة فى عدد من الكلمات المنسوبة إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، باعتبارها أحاديث نبوية فى صحيحى البخارى ومسلم وإخضاعها لأحكام العقل بالمنطق القرآنى والكشف عن عدم صحتها بداية الطريق نحو تعديل منهجى فى آليات تجديد الخطاب الدينى.
لن يكون هناك خطاب دينى دون شجاعة، لن يكون هناك خطاب دينى دون عقل، لن يكون هناك خطاب دينى دون الاحتكام إلى القرآن الكريم أولاً قبل أى كلمات منسوبة إلى النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، هنا أو هناك، حتى لو كنا من الصحيحين، لا أريد الخوض فى كل ما أثير فى الفترة الماضية من بعض المنتسبين إلى عمليات التجديد، والذين هرولوا إلى الطعن فى البخارى ومسلم، نحن لا نريد أن نطعن فى البخارى ومسلم، نحن فقط نريد أن نخضع هذه الآليات العلمية التى اعتمدوا عليها فى جمع الأحاديث، نُخضعها مرة أخرى لآليات علمية حديثة، نُخضعها مرة أخرى للعقل، ونطابق بينها وبين القرآن الكريم، ووقتها سنبدأ ثورة التجديد الحقيقى فى الإسلام، ونعيد الإسلام إلى صورته الأولى فى نسخته المحمدية كدين للوسطية والتنوير والسلام العالمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة