كان الكلاشينكوف هو السلاح المفضل لدى المقاومين العرب ضد الاحتلال الإسرائيلى عبر كل المراحل الزمنية للمقاومة العربية، هو رفيق الدرب، ونصير الأرض، وذراع المجاهدين، ولهذه البندقية الآلية الهجومية قصتان كبيرتان فى العالم، القصة الأولى ترتبط بحكاية هذا الاختراع السوفيتى نفسه خلال الحرب العالمية الثانية، والقصة الثانية مرتبطة بتاريخ المقاومة العربية والحركات الثورية فى العالم مع هذا السلاح، وفى القصتين عبرة كبيرة لمن كان فى قلبه بصيرة..
القصة الأولى:
الحكاية ببساطة أن هذا الاختراع الذى اهتدى إليه مصمم السلاح الروسى ميخائيل كلاشينكوف جاء نتيجة غيرة سوفيتية جارفة من عمليات تطوير السلاح الألمانية، كانت ألمانيا قوية وجامحة آنذاك، وكانت ماكينة العلم فى مجال التسليح بلغت مجدها فى سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى، بينما كان السوفييت يعانون مع الأسلحة الألمانية، فأدرك قادة الاتحاد السوفيتى أنه لا يمكن أن يحافظ هذا العملاق على قوته من دون المنافسة العلمية والابتكار فى مجال التسليح، فأعلن قادة الدولة فى مطلع الأربعينيات من القرن العشرين عن مسابقة لتصميم السلاح الشخصى للجنود ليضمن تفوق القوة الهجومية للمشاة على دفاعات العدو، فسخر مصمم السلاح ميخائيل كلاشينكوف فترة وجوده فى المستشفى العسكرى ليفوز بالجائزة الكبرى فى تصميم هذا السلاح المتفرد فى التاريخ العسكرى، وليحتل هذا السلاح مكانة مرموقة فى 40 جيشا على مستوى العالم، ويكون الكلاشينكوف هو الصديق الصدوق للحركات الثورية فى الستينيات والسبعينيات، ويبقى حتى الآن الرفيق الأول للمقاومة العربية، فاز كلاشينكوف، وفاز الاتحاد السوفيتى، ليس فقط فى استخدام السلاح فى الحرب، ولكن فى تطوير منظومة الصناعات التسليحية فى أحد أقوى بلدان العالم بالعلم والبحث والمعرفة، والآن كلما ازدادت قوة البلدان فى التصنيع العسكرى، تضاعفت قدرتها على الردع، ليكون هذا الردع حائلا دون تورطها فى حروب لا تقوى عليها مع العدو.
القصة الثانية:
اعتبرت المقاومة العربية أن الحل فى الكلاشينكوف، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، ومن ثم كانت عمليات تهريب الكلاشينكوف للمقاومة هى وقود المواجهات والاشتباكات المسلحة مع العدو، واستنزاف الخصم عبر سنوات طويلة من الكفاح، لكن الفرق الأساسى هنا أن العدو كان يصنع سلاحه بنفسه، ويطور صناعاته العسكرية عاما بعد عام، بينما المقاومة العربية لاتزال متجمدة فى «المربع كلاشينكوف»، فى القصة الأولى كانت الغيرة العلمية هى الأساس، كانت الرغبة فى اللحاق بمستوى العدو الألمانى فى المعرفة والابتكار والتصنيع فجاء الكلاشينكوف، لكن فى حالات المقاومة العربية كان الغرض هو وصول السلاح فقط، وضمان الذخيرة ولا شىء آخر، لم ينظر هؤلاء الذين استخدموا الكلاشينكوف هنا إلى قصة هذا الابتكار من الأساس، فقط أرادوا أن يكونوا مستهلكين لأدوات القتل أكثر مما يجعلون من أنفسهم منافسين أقوياء فى ميدان العلم.
الكلاشينكوف منتج علمى، وابتكار صناعى فى الحالة الأولى، ضمن للاتحاد السوفيتى تفوقا فى الميدان، وصدارة فى التصنيع العسكرى.
لكن الكلاشينكوف كان سلعة للقتل فى الحالة الثانية، لم يشعر المقاومون العرب بالغيرة العلمية، ولم ينظروا إلى العدو الذى يبتكر سلاحا ومعرفة وعلما ورخاء، فقط تعاملوا مع معادلات القتل والقتال، أكثر مما تعاملوا مع معادلات العلم والانتصار الاستراتيجى والعلمى والحضارى.
انتصر الاتحاد السوفيتى فى الحرب العالمية الثانية، ليس لأنه استخدم الكلاشينكوف وغيره من الأسلحة، لكن لأنه نافس عدوه فى العلم والصناعة، أما هؤلاء الذين استهلكوا الكلاشينكوف هنا للقتل، فلم ينتصروا، وظل العدو متقدما خطوات على الأرض، وفى العلم والمعرفة والصناعة.
لن يفيدنا شىء فى أن نعلم الصغار كيف يستخدمون أدوات القتل..
الانتصار هو أن نعلم الصغار كيف يغيرون من علم العدو ومعرفته
الانتصار بالعلم أعظم وأبقى من الانتصار بالقتل.
والله أعلى وأعلم..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة