صدرت حوليات نجيب محفوظ، وهى ثلاثة مجلدات بالتزامن مع انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب 2019، عن الدار المصرية اللبنانية، تتضمن ما يزيد عن ألف مقال كتبها أديب نوبل العالمى، قبل أن يبدأ مشواره الإبداعى، حيث كانت بدايته مع فن المقال أسبق من إبداعه الروائى.
وتنوعت مقالات نجيب محفوظ موضوعيا بين ثلاثة حقول، الأول هو: الدين والفلسفة والثقافة، والتى بدأ بنشرها فى الصحف منذ ثلاثينيات القرن العشرين، والحقل الثانى هو: السياسة والمجتمع والشباب، والحقل الثالث هو: العرب والعلم والتقدم.
وفى حوليات نجيب محفوظ، التى أصدرتها الدار المصرية اللبنانية للنشر، يناقش أديب نوبل العالمى - بعقلية الخبير المحنك والمحلل - مشكلات السياسية الدولية والمحلية، وقضايا التغيير الاجتماعى، وما طرأ من ثورات وإصلاحات، وفيه يحمل نجيب محفوظ على فكرة "السياسى المستقل"، ويتساءل: مستقل عن ماذا؟.. فالسياسى فى نظره يسار أو يمين أو وسط، ويرى أن مهمة الحكومة هى التيسير على الناس، وقضاء مصالحهم دون عنت أو تجهم.
كان مثله الأعلى - كما يتبدى من المقالات الليبرالية - هو سعد زغلول ومصطفى النحاس. كما يلمس نجيب محفوظ برؤية مستنيرة وتفتح واع، قضايا فى غاية الخطورة، لا تزال إلى يومنا هذا محل حوار وجدل، هذه القضايا تمثلت فى: علاقة الدين بالمجتمع ودوره فى التحضر أو الثبات، وعلاقته بالديمقراطية عموما والعملية السياسية خاصة، حيث يرى نجيب محفوظ "أن الدين ليس علما من العلوم، ولا فرعا من المعرفة، ولكنه تربية روحية يتجلى جوهرها فى المعاملة والسلوك والرؤية".
كما يرصد نجيب محفوظ فى مقالاته ولادة الاتجاهات السياسية والفلسفية الجديدة التى هيمنت على مجمل القرن العشرين كله، وكيف أن المعتقدات القديمة التى قامت عليها مدنيات بأسرها تخضع للنقد والتحليل، بل والتسفيه أحيانا، إذ تحتوى فى باطنها على خرافات لا يقبلها العقل، إذ أن جميع المذاهب والعقائد أخذت تهتز تدريجيا وتتزحزح عن مكانها رويدا رويدًا، وذلك بنقد المفسرين الجدد لهذه المذاهب والمعتقدات، وينطق ذلك على الديانات ومذاهب الفلسفة وعلم الاجتماع والعلوم السياسية.