طلب السفير الفرنسى فى ليبيا مقابلة أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية يوم 15 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1969، فالتقى به عبد المنعم الهونى، وفقا لسامى شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر فى الجزء الرابع من مذكراته، مضيفا: «عرض السفير الفرنسى على الهونى استعداد بلاده لبيع مائة طائرة «ميراج» إلى ليبيا».
جرى الاتصال بعد شهر ونصف من قيام الثورة الليبية «1 سبتمبر 1969» بقيادة العقيد معمر القذافى، يذكر «شرف» أن مجلس قيادة الثورة أبلغ هذا العرض للرئيس جمال عبد الناصر، وإذا تم شراؤها فستكون لصالح المعركة ضد إسرائيل، وإذا وافقت مصر على التعاقد على هذه الصفقة أن تتكفل بالطيارين والفنيين الذين سيقومون على إدارتها وتشغيلها واستخدامها».
كان فتحى الديب رئيس دائرة الشؤون العربية فى رئاسة الجمهورية، ومبعوث عبد الناصر المقيم فى ليبيا منذ قيام ثورة 1 سبتمبر، طرفا فى هذه القصة.. يؤكد فى كتابه «عبد الناصر وثورة ليبيا» أنه تلقى رسالة من الهونى يبلغه فيها بالعرض الفرنسى، وحاجتهم إلى إيفاد ضابط طيار مصرى ملم بخصائص الطائرة الميراج ليسافر مع اللجنة الليبية، وسيزودونه بجواز سفر ليبى، وتتلخص مهمته فى أسلوب الدفع والتوريد، وقطع الغيار اللازمة لأطول مدة ممكنة، أسلوب الصيانة وإجراء عمرة المحركات، التسليح المفروض تواجده بالطائرة والذخائر اللازمة لأطول مدة ممكنة، أسلوب التدريب، أية نقاط أخرى ترى القاهرة إضافتها.
يؤكد سامى شرف: «جاء العرض إلى القاهرة، واجتمع الرئيس عبد الناصر مع الفريق محمد فوزى وزير الحربية، وأسفر القرار على السير فى إتمام الصفقة، وفى نفس الوقت يتم توفير الطيارين والفنيين اللازمين، وتم إبلاغ مجلس الثورة الليبى بهذا القرار بواسطة كل من فتحى الديب الذى كان فى القاهرة فى هذه الفترة، وتقرر عودته فورًا حيث قام مع صلاح السعدنى بإبلاغهم القرار».. كان السعدنى ملحقا عسكريا لمصر فى ليبيا ثم أصبح سفيرا هناك.
يذكر شرف أن وفدا ليبيا، برئاسة عبد السلام جلود سافر إلى باريس للتفاوض، وضم فى عضويته طيارا مصريا هو عبد الخالق مطاوع، وتم الاتفاق بالفعل على توريد 110 طائرات من طرازات مختلفة يتم استلامها وفقا لتوقيتات هى 4 طائرات تدريب نهاية سنة 1970، 26 طائرة مقاتلة خلال عام 1971، 61 طائرة مقاتلة يتم توريدها فى 1972، 19 طائرة مقاتلة يتم توريدها فى 1973، وكانت القيمة الإجمالية للصفقة 300 مليون دولار، وأن تبدأ المراحل التدريبية خلال عام 1970.
يؤكد شرف: «وضعت فرنسا شرطين فى بروتوكول الصفقة أصرت عليهما، ويقضى الأول بعدم استخدام الطائرات فى حرب ضد فرنسا أو ضد أى دولة تربطها بفرنسا علاقات صداقة، أما الشرط الثانى فكان يقضى بألا تعطى ليبيا الطائرات والمعدات لأية دولة أخرى لاستخدامها بأوامر دولة أخرى أو تتركز فى دولة أخرى، وعند استفسار المفاوض الليبى عن هذين الشرطين أوضح الجانب الفرنسى بأن المقصود بالدولة الصديقة تونس والنيجر وتشاد، ولا تتضمن إسرائيل بأى حال، بل على العكس هم يوافقون على أى عمل ضدها، أما المقصود بالتمركز فهو أن يكون تمركزا دائما مصحوبا بنقل الورش والمعدات الثقيلة إلى دولة أخرى، وأشار الجانب الفرنسى أيضًا إلى أنهم لا يعارضون هبوط الطائرات فى مطارات مصر، وإذا لزم الأمر أن تقيم فيها مدة لا تزيد على خمسة شهور، وأصر الوفد الليبى على تضمين هذه الشروح والتفسيرات بروتوكول الصفقة، واستجاب الجانب الفرنسى لذلك، كما وافق الجانب الفرنسى على تزويد الطائرات بقطع غيار فى حدود 20 % تكفى احتياجات الطائرات ثلاث سنوات، ووافق الجانب الفرنسى على الشروط الليبية فيما يتعلق بالتسليح والتدرب ومعامل التصوير الجوى وأجهزة التنشين الآلى، علاوة على إضافة ثمانية وعشرين طائرة هليكوبتر».
يؤكد شرف: «لما كان الرئيس عبد الناصر وضع موعدًا مبدئيًا لشن معركة التحرير هو ربيع 1971، فقد طلب من الجانب الليبى أن يمارس أقصى ضغوط للتعجيل بتوريد أكبر جزء من الصفقة خلال عامى 1970 /1971، وبالفعل شاركت هذه الطائرات بدور مهم فى معركة أكتوبر 1973».