جرائم ممتدة على مدى التاريخ ارتكبها العثمانيون، فما بين غزو باسم الدين، وتوسع استعمارى تحت ستار الخلافة، تعددت الانتهاكات على امتداد الخرائط والقارات، وكان للمحروسة، قاهرة المعز.. تلك المنارة التى كانت مقبرة للغزاة موعدا مع تلك الجرائم، قبل أن تنال مصر استقلالا وراء استقلال، وتنفض عنها غبار السنين ودنس المحتلين.
وفى مصر، كان للعثمانيين مآرب عدة.. فما بين موقع استراتيجى وموارد تعادل بطبيعة الحال جباية المزيد من الضرائب، كان بديهيا أن يضع الغزاة الأتراك مصر فى مرمى أهدافهم التوسعية، ومؤامراتهم الممتدة.
ومنذ اللحظة الأولى لتواجد الأتراك على أرض مصر، بدأوا فى سفك الدماء، ونصب الشباك، والغدر، والسرقة، وأقاموا المذابح التى لم يغفرها لهم المصريون، فقد كانت القاهرة قبل عام 923 هجرية، عاصمة الخلافة الإسلامية، وكان حكامها من المماليك خير مدافع عن الأمجاد الإسلامية والعربية، وامتدت دولتهم إلى حدود آسيا الصغرى، مسيطرة على الشام، وكانت تدين لها بلاد الحجاز بالولاء، وكانوا القائمين على شؤون الحرمين الشريفين.
غزا العثمانيون مصر، بقيادة سليم شاه الذى وصل إلى عرش السلطنة بعد انقلاب قام به على والده، وقتل كل إخوته، بدافع الحفاظ على الدين وحماية الشريعة، ورغبته فى تأمين ظهر الدولة العثمانية.
وكان اليوم الأسود على مصر، بعد معركة مرج دابق فى سوريا، بين العثمانيين والمماليك والتى انهزم فيها المماليك وقتل فيها قنصوة الغورى، بسبب المدافع العثمانية، والفارق العددى البشرى بين الجيشين، بالإضافة إلى الخيانة التى بث العثمانيون سمومها بين المماليك.
وتقدمت جيوش الغزاة العثمانية بعد ذلك، واقتحمت حدود مصر وحاول السلطان الأشرف طومان باى الذى خلف الغورى التصدى لهم لكن الجيش الذى تبقى من معركة مرج دابق كان قد تشتت فى الشام، فانهزم فى معركة الريدانية.
ودخل العثمانيون مصر واحتلوا القاهرة فى 26 يناير 1517 ونهبوها وخربوها وتحولت مصر من دولة مستقلة لولاية عثمانية يحكمها السطان العثمانى من إسطنبول عن طريق نائب له.
ودخلت مصر فى عهد الأتراك، عصرا مظلما، حيث اختفى منها العلم والعلماء بعدما عزلها العثمانيون عن العالم والتطورات النهضوية التى كانت تحدث فيه، واقتصر هم العثمانيون على جباية أموال وخيرات الأمة المصرية. وبدأ المؤرخ ابن إياس الذى توفى عام 1523، يدون الأحداث والمصائب والمذابح التى قام بها العثمانيون، التى فاقت الخيال، حتى وصلت لاقتحام الأزهر الشريف ومسجد ابن طولون وجامع الحاكم، وإحراق جامع شيخو الذى كان يعقد فيه اجتماعات المماليك، وتخريبهم ضريح السيدة نفسية وداسوا على قبرها.
ويصف المؤرخ المصرى إبن إياس فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» ما وقع للمحروسة بعد سقوط القاهرة قائلا: إن بن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالهم وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها.
وقام العثمانيون بأعمال نهب وسلب وتخريب، كما يورد ابن إياس فإنه «شحت الغلال من القاهرة، وسبب هذا أن العثمانية لما دخلوا القاهرة نهبوا الغلال التى كانت فى الشون وأطعموها لخيولهم»، وفى موضع آخر «أنهم سرقوا دجاج الفلاحين وأغنامهم وأوزهم، ثم دخلوا إلى الطواحين وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش وأخذوا عدة جمال من جمال السقايين، وصارت العثمانية تنهب ما يلوح لهم من القماش وغير ذلك، واستمر النهب عمالا فى ذلك اليوم إلى بعد المغرب، وتوجهوا الى شون القمح التى فى مصر وبولاق ونهبوها».
وكانت القاهرة عامرة بأبنيتها الفخمة وتراثها المعمارى الذى حرص حكامها السابقون من الفاطميين والمماليك على المباهاة بها، وظل منها ما ظل ولم تطله يد الحرق أو النهب والهدم على يد الأتراك الذين هدموا المساجد ذات الطرازات المميزة، مثل جامع شيخو.
ونقل سليم الأول، أمهر العمال وأرباب الحرف فى مصر إلى اسطنبول مما سبب الخراب وتوقف الصناعات التى اشتهرت بها مصر، حتى انقرضت 50 حرفة.
أما المؤرخ المصرى عبدالرحمن الجبرتى ففى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، رصد فضائح وجرائم العثمانيين، منها خطفهم النساء والغلمان، فيذكر أن «أربعة من الجند اغتصبوا غلاما، وذهبوا به إلى بيت لهم، وتكاثر عليهم الناس يريدون إخراج الغلام، فأطلق الجند الرصاص على الناس فمات منهم 15 رجلا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة