وقف الشيخ محمد متولى الشعراوى، أمام قبر جمال عبد الناصر بـ«كوبرى القبة»، وقرأ الفاتحة على روحه ترحمًا، يوم 29 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1995، وفقًا لجريدة الأهرام التى نشرت صورة الشعراوى رافعًا يديه وهو يقرأ الفاتحة فى خشوع.
لم يكن الحدث عاديًا، فالرجل هاجم عبدالناصر كثيرًا بعد رحيله يوم 28 سبتمبر-1970»، ضمن حملة الهجوم الضارية ضد عبد الناصر فى السنوات الأولى من سبعينيات القرن الماضى، وقادها الكاتب الصحفى مصطفى أمين ورجاله فى الصحافة المصرية، بالإضافة إلى جماعة الإخوان وقطاع من حزب الوفد، وحسبما يؤكد الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين، فى كتابه «محاوراتى مع السادات»، فإن هذا الهجوم كان يشجعه الرئيس السادات رغم رفضه علنيًا.
كان أقسى مما قاله الشعراوى فى هجومه على عبد الناصر، أنه صلى ركعتين شكر لله على هزيمة مصر فى 5 يونيو1967 مما فتح عليه هجوما ضاريا بسبب تصرفه على هذا النحو فى مثل هذه المحنة، والمثير أنه كتب مقالا حزينا نشرته الأهرام بعد عبد الناصر، قال فيه: «قد مات جمال وليس بعجيب أن يموت والناس كلهم يموتون، ولكن العجيب وهو ميت أن يعيش معنا، وقليل من الأحياء يعيشون، وخير الموت ألا يغيب المفقود، وشر الحياة الموت فى مقبرة الوجود، وليس بالأربعين ينتهى الحداد على الثائر المثير، والملهم الملهم، والقائد الحتم، والزعيم بلا زعم، ولو على قديه يكون الحداد لتخطى الميعاد إلى نهاية الآباد».
وجدت الجماعات الإرهابية ضالتها فى آراء الشعراوى، ضد عبد الناصر، مستثمرة شعبيته الجارفة وتأثيره الدينى على القطاعات الشعبية، فكانت تردد ما يذكره فى هذا المجال، وتصدرت جماعة الإخوان هذا الأمر ببث فيديو له يشمل كلامه عن نكسة 1967.
فى هذا السياق، كان ذهابه إلى ضريح عبد الناصر مثيرًا، بما فى ذلك ذكره لأسبابها، حيث كشف لجريدة الأهرام أنه اتصل فى الصباح بجريدة الأهرام يطلب من أحد مسؤوليها صحفيا أو مصورا يرافقانه إلى زيارة ضرورية سيقوم بها بعد دقائق.. فوجئ المحرر والمصور بأن المكان الذى سيذهبان إليه هو ضريح عبدالناصر.
كشف الشعراوى سبب الزيارة بقوله، إنه فى فجر اليوم الذى توجه فيه إلى الضريح، جاء إليه جمال عبدالناصر فى المنام، ومعه شيخان أحدهما يرتدى ثوبا أبيض، وفى أذنيه أطراف سماعة طبيب، والثانى يحمل فى يده مسطرة حرف T الشهيرة الخاصة بالمهندسين.. وأضاف أنه فهم من هذه الرؤيا أن عبدالناصر يقول له، إنه هو الذى أدخل دراسة الطب والهندسة إلى جامعة الأزهر، وربما يغفر الله بهذا ما قد يؤخذ عليه.. أكد الشعراوى: «قررت بعد كلمة عابرة فى حق عبد الناصر من أيام «يقصد كلامه عن نكسة 5 يونيو 1967» أن أزور ضريحه».. وأضاف: «يجب على الإنسان ألا يسىء الظن بفعل أحد، وأن يترك سرائر الناس لله وحده».
ولأن الحدث كان مثيرًا، فإنه بقى لغزًا لدى البعض مما دفع الكاتب الصحفى حسنين كروم إلى محاولة فك شفراته فى مقاله، بعنوان «هل أراد الشعراوى مجاملة السعودية بمهاجمة عبد الناصر؟».. «المصرى اليوم، 13 ديسمبر 2006».. يتتبع «كروم» الأمر من خلال شهادة الدكتور محمود جامع فى كتابه «وعرفت الشعراوى».. كان «جامع» من أصدقاء الرئيس السادات المقربين، وأقرب أصدقاء الشيخ الشعراوى.. يذكر أن علاقة وطيدة ربطت بين الشعراوى ووزير الداخلية الشهير فى عهد عبدالناصر شعراوى جمعة ووجيه أباظة الذى شغل محافظًا للغربية والبحيرة والشرقية، وأطاح بهما السادات فى انقلاب 15 مايو 1971 مع وزراء ومسؤولين ممن عملوا إلى جوار عبدالناصر ووضعهم فى السجن..يؤكد «جامع» أنه كان هناك موعد للقاء بين الشعراوى وعبدالناصر بوعد أن يتولى الشعراوى أمانة الشؤون الدينية فى الاتحاد الاشتراكى «التنظيم السياسى الوحيد وقتئذ»، لكن الموعد تأجل أربع مرات ولم يتم.. يكشف جامع، أن الشعراوى أثناء عمله فى السعودية كان فى زيارة إلى مصر بعد القبض على «جمعة» و«أباظة»، وطلب منه ممدوح سالم وزير الداخلية إلقاء محاضرة دينية للضباط فوافق بشرط أن يزور شعراوى جمعة ووجيه أباظة فى السجن، وحدث هذا بالفعل.
ينقل «كروم» عن عبدالرحيم ابن الشعراوى، فى حوار له بمجلة «نصف الدنيا- 23 أكتوبر 2006» قوله: «الشيخ لم يكن بينه وبين قادة الثورة عداء، فلماذا العداء من الثورة، وهى التى علمت أولاده بالمجان، وعملت على تحقيق مبادئ العدل والحرية، وما قيل عن صلاته ركعتى شكر لله عند حدوث النكسة فى 1967، رد هو بأنه صلى لله على هذه المصيبة التى ألحقت بالبلد، صلى كى يكشف الله عنا هذه المصيبة، وليس شماتة فى مصر ولا النظام».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة