عملية كشف هوية الجناة أو الفاعلين الأصليين من الأمور الهامة التى يعمل الخبراء والفنيين والمحققين جهود مضنية لتحديثها لمواكبة العصر الحالى بكل تطوراته، وذلك من خلال وضع القوانين المتعلقة بعلوم مسرح الجريمة حيث أن الجانى عقب مغادرته لمسرح الجريمة أصبح يحمل آثار من هذا المسرح لم يكن يحملها قبل دخوله المسرح.
ومسرح الجريمة فى حقيقة الأمر هو المكان الفعلى والحقيقى الذى اقتحمه فاعل الجريمة – المتهم - وبالتالى يُعتبر المكان الذى مكث فيه الفاعل أو الفاعلون فترة من الوقت مكنهم من ارتكاب الجريمة، مخلفين وراءهم أثارا تدل عليهم وعلى ارتكاب جرمهم.
فى التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على علوم مسرح الجريمة الذى يعتبر مستودع الأسرار والشاهد الصامت على المجرمين من خلال استخلاص الأثار منه ورفعها وفحصها واستخلاص النتائج عن طريق نظرية تبادل المواد التى وضعها البروفيسور "لوكارد" فى عام 1928 والتى تتلخص فى أن: "كل تلامس لابد أن يترك أثراَ" – بحسب لواء كيميائى محمود الحارث الباسوسي، خبير فحص التزييف والتزوير والبصمات بمصلحة الأدلة الجنائية سابقا.
1ـ نظرية تبادل المواد:
قبل الحديث عن استخلاص الآثار من مسرح الجريمة ورفعها لابد من التطرق إلى نظريات البحث الجنائى الفنى مثل نظرية تبادل المواد ونظرية الطبيعة لا تكرر نفسها، فالأولى تمثلت فى أن "كل تلامس لابد أن يترك أثراَ"، ويمكن تبسيط مفهومها فى أنه عند احتكاك أى جسمين صلبين ببعضهما فإنه ينشأ عند الاحتكاك تبادل للمواد أو بعضها المكونة من هذين الجسمين مع الأخر وبسهولة يمكن تطبيق ذلك فى إطار البحث الجنائى على مسرح الجريمة بالقول، إن الجانى عقب مغادرته لمسرح الجريمة أصبح يحمل أثار من هذا المسرح لم يكن يحملها قبل دخوله المسرح، وأن مسرح الجريمة أصبح يحتوى على آثار عقب مغادرته الجانى له لم تكن موجودة قبل وصوله، وهذا المفهوم يمكن تطبيقه و تعميمه دون استثناء.
ويرى البعض إن الجريمة الكاملة هى التى أحكم تخطيطها وتدبيرها وتنفيذها على نحو لا يترك للباحث الجنائى إى فرصة لكشف غموضها مهما طال الزمن البحث فيها، ويؤمن أصحاب هذه النظرية بأن هنالك العديد من الجرائم الكاملة التى تم ارتكابها فى أنحاء متعددة فى العالم، ويدللون على صحة نظريتهم بأن مثل تلك الجرائم لم يتم كشف غموضها حتى الآن.
بينما هناك فريق آخر يقول بأنه لا وجود للجريمة الكاملة ويستند أصحاب هذا الرأى على تطبيقات نظرية تبادل المواد، فلا بد لمسرح الجريمة أى مسرح جريمة من أن يوجد به الآثار التى تساعد على كشف هذا غموض الجريمة، كما يوجد على الجانى مجموعة أخرى من الآثار التى تساهم غفى كشف هذا الغموض، ومع التسليم بأنه قد وقعت جرائم كثيرة محكمة التخطيط والتنفيذ إلا أنه لابد من وجود خطاً ما هنا أو هنالك يكون بداية الخيط لكشف غموض الحادث – وفقا لـ"الباسوسى".
أما الجرائم التى يكشف النقاب عن غموضها، فإن ذلك ليس بدليل كافى على كونها جرائم كاملة بل إشارة إلى أن هنالك خطاً أو قصور من الباحث أو الباحثين الجنائيين أدى إلى عجزهم عن رؤية الأثر المطلوب فى مسرح الجريمة، أو عدم استخلاص المدلول السليم له أو قصور ما فى وضع خطة البحث أو إجراءات تنفيذها.
ويُعد مسرح الجريمة الشعاع الذى يضئ للباحث الجنائى الطريق للوصول إلى الجناة وكشف غموض الحوادث من خلال التعامل مع أدوات المسرح المتخلفة عند ارتكاب الحادث، وتقترب المساحة أو تبعد فى تحديد الجناة، وضبطهم فى ضوء التعامل الباحث الجنائى تعاملاً علمياً وفنياً مع الآثار الموجودة بمسرح الجريمة.
2- الطبيعة لا تكرر نفسها
كافة ما خلقه الله عز وجل من حيوان أو نبات أو جماد يتميز بالفردية، فمن بين بلايين البشر فى الأجيال المتعاقبة لن تجد التماثل بين شخصين، الأمر الذى لن يوقعنا فى حيرة للتعرف عمن يكون هذا الشخص زيد أم عبيد أو حسن؟ بل إن الأكثر إدهاشا من ذلك أن نجد لكافة البشر أصابع حاملة لبصمات ويستحيل أن تتماثل بصمة إصبع مع بصمة آخر فى كافة البشر وحتى على مدار الأجيال المتعاقبة، أيضا نفس الشيء بالنسبة للتوقيعات اليدوية سوف نجد استحالة التماثل التام بين التوقيعات، ليس فقط بين توقيعان لشخص وآخر، بل أيضاً استحالة التماثل التام فى توقيعات الشخص الواحد، فالوحدة مع التنويع هما لب خصائص الطبيعة فى كافة نواحيها.
ذلك أن البشر شأنهم فى ذلك شأن كافة ما خلقه الخالق ـ يتميزون بالوحدة فى الشكل النوعى العام مع التنويع فى التفاصيل التى تميز مخلوق عن آخر، وتميز بين إصبع وآخر، بل لو أننا قد فحصنا أوراق الشجرة الواحدة لوجدنا تماثلاً فى شكلها العام مع التنويع فى تفاصيلها، وينطبق ذلك أيضاً على كافة ما خلقه الله خالق هذا الكون جل جلاله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة