- فصائل الرفض السياسى تحاول الآن استعادة المشهد القديم وصفقات الغرف المغلقة
- إذا كان دستور 2014 المكتوب بمشاركة المعارضة الحالية يعترف بتعديله وينظم مساره.. فهل اعتراض القوى السياسية على التعديل يمثل رفضا للدستور نفسه ومصادرة للإرادة الشعبية؟!
تجارب القوى المدنية الناجحة كانت تحت رعاية الإخوان.. ودعوات المصالحة المترددة من رموز التيار تؤكد إيمانه القاطع بالعجز عن اللعب منفردا
إذا كانت القوى السياسية عاجزة عن الوجود فى الشارع بسبب القدرات المالية فلماذا تغيب عن مواقع التواصل الاجتماعى والفضاء الإلكترونى؟
مضت السنوات الأخيرة فى حكم مبارك وفق حدود مرسومة بعناية بين النظام والمعارضة، يتبادل فيها رجال الطرفين الأدوار تحت سقف منخفض، لا يُسمح بتجاوزه، ولا يقبل النظام نفسه النزول عنه، وهكذا تمتّعت فصائل عدّة من الساحة السياسية بعلاقات وطيدة مع أجهزة الحكم، وصلت إلى المساندة والدعم المادى المباشر، على أن تضطلع بالدور المُحدد لها، كديكور ضابط لفراغ الساحة السياسية، ولمسات «مكياج» محسوبة على وجه الدولة.
تلك المعادلة التى تبدو مُختلة فى جوهرها، ترسخت حتى أصبحت قاعدة حاكمة لعمل قوى المعارضة وألوان الطيف السياسى، لا يتمسكون بها ويناضلون فى سبيل بقائها وحسب، وإنما لا يحيدون عن ضوابطها الحادة، ولا يتصورون لوهلة أن تنسحب مزاياها من تحت أقدامهم، ولو على سبيل الاحتمال القائم وفق تطورات الأوضاع وتبدّل خريطة الموازين السياسية، وهكذا نمت وتربّت فصائل من الرموز السياسية المحميّة، على طريقة «زراعات الصوب» وحضّانات الأطفال المبتسرين، وبينما حملت تفاصيل العلاقة فى الماضى قدرا من الابتزاز السياسى وتوظيف آليات الاحتجاج الحنجورية وديكتاتورية الأقلية، كان من الطبيعى أن تصطدم تلك القوى السياسية بتبدّل آليات العمل، أو تَشكُّل أغلبية داعمة للدولة لكنها خارج حسابات المواءمة والتنازلات المُقنّنة، وفى ظل تلك التركيبة تتعمّق أزمة المعارضة فى ظل إصرارها على اعتماد آليات احتجاج قديمة، جرت هندستها وفق صيغة توازن تجاوزها الظرف السياسى، وبالضرورة ستتجلّى تلك الأزمة بشكل بالغ الوضوح والصدمة فى الاستحقاقات السياسية والدستورية، وفى الفعاليات التى يتوجّب على القوى السياسية اللجوء فيها إلى الشارع، بدلا من صفقات الغرف المغلقة، لذا كان الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية مُنعطفا حادا فى مسار قوى المعارضة، وضوءا كاشفا لمحنتها العميقة واهتراء أدوات عملها.
عجز عن العمل الشرعى
على مدى أربعة أيام كاملة من الجمعة إلى الاثنين، بواقع ثلاثة للخارج وثلاثة للداخل بالتشارك فى يومين، احتشد ملايين المصريين أمام قرابة 14 ألف لجنة تصويت فى الداخل و139 لجنة فى 122 دولة حول العالم، وحسب المراقبة والرصد المباشرين من المتوقع ألا تقل نسبة المشاركة عن حدود 39 إلى 40% من إجمالى المقيدين فى قاعدة بيانات الناخبين، وهى الحدود نفسها التى سجلتها المشاركة فى كل الاستحقاقات التالية لثورة 25 يناير، بما يعنى استمرار حالة الزخم التى أثمرتها التطورات السياسية التالية للإطاحة بالنظام السابق، وربما لا يكون ذلك فى صالح خطاب المعارضة وقوى الاحتجاج التى تتحدث عن إغلاق المجال السياسى وانحسار المشاركة وتراجع الإقبال الشعبى على الاستحقاقات الانتخابية والدستورية.
إذا عدنا بالزمن إلى ما قبل الاستفتاء، وتتبعنا مسار التعديلات الدستورية فسنجد أنه بدءا من تقديم مشروع التعديل موقعا من 155 عضوا بمجلس النواب «يشترط الدستور خُمس الأعضاء بما يوازى 120 نائبا»، لم تفرز المعارضة خطابا متماسكا للتعاطى مع الأمر، بل ربما لم تبلور رؤية واضحة للحوار والاشتباك السياسى، وحصرت موقفها فى الرفض جملة واحدة بشكل مطلق، مع ادعاء أن خريطة التعديلات المقترحة تمثل تعدّيًا على المجال السياسى وذهابا به إلى مدى أبعد من الحصار والمصادرة، إلى جانب تعدّيها على الدستور الذى يشترط فى المادة 226 عدم المساس بالمواد المتعلقة بمُدد الرئاسة، وبعيدا عن التبسيط الذى تعاطت به قوى الرفض السياسى مع الأمر، فإن التفاصيل المتواترة داخل مشهدها الواسع حملت قدرا لافتا من التناقض، أولا بتمسّكها القاطع بدستور 2014 فى صيغته القائمة رغم حديثها الدائم عن عواره وامتلائه بالثغرات، وثانيا بسيرها فى اتجاه مصادرة الإرادة الشعبية الحاكمة للدستور والمالكة له، بمحاولة حرمانها من تقرير مصيره والحق فى تعديله، بعدما وضعته موضع النفاذ فى استفتاء شعبى سابق قبل خمس سنوات، والأخطر أن تلك القوى التى شاركت فى كتابة الدستور ثم رأت لاحقا أنه مشوب بالعوار، عادت وتمسكت به، بدون إقرار بمشاركتها فى كتابة وثيقة مرتبكة، أو اعترافها بحاجة تلك الوثيقة للضبط وسد الثغرات، وربما إعادة التأسيس بشكل أكثر اتزانا وتماسكا.
بدا موقف المعارضة، داخل البرلمان وخارجه، رافضا للدستور نفسه وليس لتعديله، إذ تعترف الوثيقة الدستورية بإمكانية التعديل وتنظم مساره، ومن ثمّ فإن مصادرة ذلك الاعتراف بمثابة مصادرة للدستور نفسه، ومصادرة للإرادة الشعبية المنشئة له والمالكة لحق صياغته وضبطه بشكل حصرى، وإذا ترافق ذلك الرفض مع إقرار سابق بعوار الدستور واحتياجه للنظر، فى ظل تطورات الأوضاع والظروف الاستثنائية التى كُتبت فيها، فإن ذلك الموقف لا يعدو كونه إصرارا مباشرا على إبقاء الدولة رهن وثيقة مهتزة، والأهم أن يُمثل رفضا من أجل الرفض، وعجزا حقيقيا عن بلورة رؤية ناضجة وخطاب عاقل يعمل وفق الأطر الشرعية المنشئة للدساتير والمعدلة لها، سواء من خلال البرلمان باعتباره صاحب حق مباشر فى اقتراح التعديل، أو من خلال الشارع باعتباره صاحب الحق النهائى فى إقرار الدستور أو إعادة صياغته أو حتى إلغائه.
من الحوار المجتمعى إلى المجتمع نفسه
أخذت مذكرة التعديلات مسارها داخل المجلس بدءا من تقديمها فى 3 فبراير الماضى، ثم موافقة اللجنة العامة عليها الثلاثاء 5 فبراير، وعرضها على الجلسة العامة التى وافقت على مبدأ التعديل منتصف الشهر نفسه، لتُحال إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية التى بدأت مناقشتها تفصيليا، ونظمت 6 جلسات حوار مجتمعى بإجمالى 20 ساعة متصلة شارك فيها 193 من رموز السياسة والقضاء والإعلام والشخصيات العامة والأكاديميين والمهنيين، أثمرت بين 3 و4 آلاف مقترح درستها اللجنة قبل أن تُعيد النقاش مرة ثانية، وفى تلك المرة قدم بعض نواب المعارضة تصورات مغايرة للتعديل المقترح للمادة 140 الخاصة بمدد الرئاسة، وبالفعل خرجت المادة بصورة مختلفة تماما عما أراده طالبو التعديل، وهم من نواب ائتلاف دعم مصر «الأغلبية البرلمانية»، ما يعنى أن الجلسات شهدت مساحة من التوافق واتساع مدى الحوار بما سمح بتسرّب جانب من أجندة المعارضة/ الأقلية إلى أذهان الأغلبية، وبالتبعية يفتح الباب لمزيد من احتمالات التوافق والإزاحة وتعديل الرؤى، لكن يظل الأمر مرهونا بامتلاك المعارضة رؤية واضحة ومتماسكة يمكن تسريبها إلى خطاب الأغلبية، وهو ما لم تكشف جلسات المجلس أنه كان حاضرا ضمن تفاصيل المشهد للأسف.
فى جلسات الحوار اقترح أحد رؤساء الأحزاب المشاركين تخصيص كوتة حزبية ضمن عضوية البرلمان، بواقع مقعد لكل حزب، واقترح آخر إلغاء الحظر الدستورى على انتماء رئيس الجمهورية لحزب سياسى، وإذا ربطنا تلك الاقتراحات وما يشبهها من أفكار بما تتداوله كثير من فصائل المعارضة عن وجوب دعم الدولة للأحزاب ماديا، فربما نكون أمام محاولات حثيثة لاستعادة الصيغة السياسية التى توافقت عليها القوى السياسة مع النظام السابق، بما حملته من مشاهد كوميدية مزرية فى كثير من الأحيان، كأن يترشح المرحوم أحمد الصباحى رئيس حزب الأمة المصرى فى انتخابات الرئاسة 2006، ليحصل على الدعم المالى المخصص بواقع 500 ألف جنيه لكل مرشح، ثم يصرح للإعلام بعد توقيع استمارة الترشح والحصول على شيك الدعم مباشرة، بأنه سينتخب الرئيس مبارك لأنه الأحق! وللأسف فإن تلك الصيغة تكررت كثيرا فى مصالح مالية وسياسية، وصفقات أراض وتعاقدات مع الجهات الحكومية، بل وتمرير عضويات محددة بمجلسى الشعب والشورى، سواء بإخلاء بعض الدوائر أو تعيين بعض قيادات الأحزاب ضمن كوتة الرئيس، وللأسف لا يبدو النظام الحالى فى حاجة لتلك المواءمات، أو تقديم تنازلات تصب فى صالح وجوه سياسية وليس أحزابا وتيارات، ومع انتفاء الحاجة للمعارضة الديكورية الملتزمة بالخطوط الحمراء، تنتفى ضرورة عقد صفقات أو منح مزايا مجانية، وهو الأمر الذى لا تستنكفه المعارضة فقط، وإنما لا تجيد العمل خارجه للأسف، ولا تملك مسارا بديلا له على ما يبدو.
تراجع حجم استثمار قوى المعارضة للحوار المجتمعى وجلسات مناقشة التعديلات فى البرلمان، لم ينعكس فقط على ضحالة الاقتراحات والرؤى، وسعى أغلبها إلى استعادة صفقات النظام القديم، أو خريطة المصالح السابقة، وإنما بدا واضحا فى خريطة التصويت بإقرار التعديلات بأغلبية 531 نائبا مقابل رفض وامتناع 23 عضوا فقط، وبالتأكيد سينعكس بنسبة شبيهة أو مقاربة على أرقام تصويت المواطنين فى الاستفتاء الشعبى. لنكون أمام ترجمة مزدوجة لعجز القوى السياسية المحسوبة على المعارضة والرفض السياسى عن بلورة وامتلاك وترويج خطاب واعٍ وعميق ومقنع للنخب أو عوام المواطنين، أى أننا أمام فشل مزدوج فى الدوائر السياسية وفى الشارع، تتزايد فداحته وآثاره السلبية مع استمراء حالة الإنكار والمكابرة فى الاعتراف بالفشل والعجز.
فشل متصل من 2011 إلى 2019
كانت ثورة 25 يناير مفاجأة مدوية للجميع، النظام والمعارضة على حد السواء، ولم يكن فى الساحة السياسية طرف جاهز إلا جماعة الإخوان، هكذا أقنعت القوى السياسية نفسها مع أول فشل فى الاستفتاء على تعديل دستور 1971 خلال مارس 2011، لكن استمرار تلك الجاهزية مقابل استمرار العجز فى كل الاستحقاقات التالية، سواء انتخابات البرلمان 2011 أو انتخابات الرئاسة والاستفتاء على دستور 2012، وانتخابات الرئاسة والاستفتاء على دستور 2014، وانتخابات مجلس النواب 2015، وانتخابات الرئاسة 2018، يبدو أنه لم يكن كافيا لإشعار القوى السياسية بحاجتها للتوقف وتدارس المشهد واستخلاص الدروس من تكرار الفشل.
فى استفتاء مارس 2011 عجزت القوى السياسية عن تنظيم صفوفها واستقطاب الشارع، فتركت الصناديق للتيار الدينى وجماعة الإخوان التى زرعت اثنين من أعضائها ضمن سبعة تولوا تعديل الدستور، وفى انتخابات البرلمان التالية انشقت الصفوف، فتحالفت بعض قوى المعارضة من الناصريين والتيار القومى للتحالف مع الإخوان والترشح على قوائمها، بينما شكلت مجموعات أخرى قوائم مستقلة، وانضمت مجموعة ثالثة إلى تحالف من الأحزاب القديمة والناشئة، وكانت النتيجة أن استحوذت الجماعة الإرهابية وحلفاؤها على أغلبية المجلسين، وتكرر الأمر فى الاستفتاء على دستور الجماعة، ثم فى الانتخابات الرئاسية التى لعب فيها الإخوان بأربعة مرشحين من التيار الدينى، بينما تشرذم التيار المدنى بين 9 مرشحين، حتى انتهى المشهد إلى ترويج «الاشتراكيين الثوريين» أشد فصائل اليسار تطرفا وعداء للإسلاميين لمرشح الإخوان فى جولة الإعادة، وفى انتخابات الرئاسة 2014 انقسم التيار المدنى حول حمدين صباحى، فحل ثالثا بعد الأصوات الباطلة، وفى رئاسة 2018 عجز مرشح التيار المحتمل، خالد على، وكيل مؤسسى حزب العيش والحرية «تحت التأسيس منذ أكثر من 5 سنوات» عن استكمال عتبة التأييد الشعبى، إلى جانب تزامن الأمر مع فضائح أخلاقية داخل الحزب والمركز الحقوقى المملوك له، فأعلن انسحابه من السباق، مستعينا بآليات المزايدة والابتزاز السياسى بدلا من الإقرار بالعجز عن الوصول للشارع أو انقسام تياره حوله واختلافهم عليه!
هذا المسار الطويل المصحوب بمحطات فشل عديدة طوال ثمانى سنوات كان يُوجب على القوى السياسية التوقف ودراسة المشهد، خاصة أن لمحات النجاح القليلة للتيار تحققت فى كنف الإخوان وتحت رعايتهم، سواء فى انتخابات برلمان 2011، أو حتى فى الانتخابات الرئاسية 2012 التى التفوا فيها حول مرشح الجماعة فى «مؤتمر فيرمونت» وتبنوا خطاب الإخوان الضاغط على مؤسسات الدولة لإعلان النتيجة كما يريدون، وهو ما يُعيد للأذهان مسارات التحالف السابقة فى برلمانات 1984 و1987، بالتحالف مع أحزاب الوفد والأحرار و«العمل» الذى كان اشتراكيا قبل أن يتحول إلى الوجهة الإسلامية!
معارضة الحناجر والخناجر
لم يكن تعاطى المعارضة مع اقتراحات تعديل الدستور بالرفض المطلق كتلة واحدة، مسارا موفقا ومقنعا للنخب أو العوام، فالمسودة التى تشتمل على تعديل 12 مادة واستحداث 11 جديدة، لا يُمكن اختزالها فى مدة الرئاسة فقط، وتجاهل الأمور الأخرى المتصلة بكوتة المرأة والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة، أو استمرار نسبة العمال والفلاحين بعدما كانت مؤقتة، أو استحداث مجلس الشورى الذى ترى مدرسة معتبرة فى الفقه الدستورى أهمية وجوده والاستناد إلى نظام الغرفتين النيابيتين بدلا من الغرفة الواحدة، وغيرها من المواد المتصلة بسدّ ثغرات الوثيقة الدستورية التى وضعتنا أمام نظام مشوه، لا رئاسى ولا برلمانى ولا حتى مختلط، لصالح إرضاء أهواء لجنة الخمسين وانقساماتهم ودفاع كل فريق منهم عن مصالح فئته وجماعته.
خروج المادة 140 الخاصة بمدد الرئاسة بصيغة دامجة بين اقتراح مقدمى التعديلات واقتراحات المعارضة، خصم كثيرا من اتخاذ القوى الرافضة مسارا مؤسسا للرفض على حجية تلك المادة وتأبيدها للسلطة، خاصة مع حفاظها على قدسية الفترتين باعتبارها واحدة من أبرز مكتسبات الثورتين المصريتين، إضافة إلى الآثار المعنوية والدلالات التى سيحملها إقرار التعديلات، حال موافقة الأغلبية الشعبية عليها، باعتباره انحيازا مباشرا من المواطنين لشخص الرئيس فى مواجهة معارضيه، وهو المعنى الذى حتى مع تحققه بنسبة كبيرة ليس موفقا أن تُجند المعارضة قواها لتأكيده وترسيخه شعبيا وإعلاميا، وهى بالتأكيد لم تقصد ذلك الترسيخ، لكن الأمر يعود بالأساس إلى غياب الرؤية والعجز عن تأسيس خطاب متزن ومتماسك كما أسلفنا.
الآن تزخر الساحة السياسية بـ104 أحزاب، لم ينجح فى الوصول للبرلمان منها إلا 16 حزبا، أصبحت 15 بعد إسقاط عضوية محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، إضافة إلى حزب التجمع الذى حصل على مقعد واحد بالتعيين، ما يعنى أن 90 حزبا تمثل قرابة 90% من إجمالى الساحة السياسية غائبة تماما عن السلطة التشريعية، وإلى جانب ذلك فإنها غائبة أيضا عن الوجود السياسى، فأغلبها لا تملك مقرات فى المحافظات أو حتى أنحاء العاصمة، ولا يزيد أعضاؤها عن مجموعة المؤسسين، بل إن نسبة منها اشترت توكيلات التأسيس من مواطنين لا ينتمون لتلك الأحزاب ولا مدوناتها السياسية وانحيازاتها الأيديولوجية، وبينما تبرر أغلب الأحزاب غيابها بالعجز المالى وكُلفة الوجود والعمل السياسى، فإنها تغيب أيضا عن الأنشطة غير المُكلفة، مثل تنظيم الندوات واللقاءات، واستقطاب العضويات وتدريب الكوادر والقواعد الدُنيا، بل إنها لا تملك حسابات على مواقع التواصل الاجتماعى ولا يتواجد خطابها بأية صورة حتى فى الفضاء الافتراضى، وبطبيعة الحال لا تملك خططا ولا برامج عمل ولا استعدادات للاشتباك السياسى أو الاستحقاقات الانتخابية والدستورية المقبلة، ما يُبشر بمزيد من الفشل، ومزيد من المزايدات.
حالة الغياب شبه الكامل تلك تستعيض عنها الأحزاب والقوى السياسية بمواصلة آليات العمل القديمة، عبر خطابات شعبوية زاعقة، وأداء حنجورى، ومزايدة وابتزاز، وبينما لا تستجيب الأغلبية لمنطق المواءمة والتربيطات، ولا يحتاج النظام للمعارضة الديكورية، تتوسع تلك الممارسات وتتشعب فى مسارات عشوائية، كأن تجلس فصائل المعارضة والمنظمات الحقوقية مع الرئيس الفرنسى، أو تنشط فى ترويج دعوات المصالحة مع الإخوان، أو تحتفظ كوادرها باتصالات مع الجماعة وتواصل توسيع قنواتها وتجذيرها، وهو ما يُعمّق حالة الفشل للأسف، ويضع الخناجر فى أياديها، ومع كل فشل آتٍ – وهو أمر متوقع وطبيعى – ستتعالى الحناجر، وتتزايد الخناجر، وتذهب قوى الرفض إلى مزيد من إدمان التبسيط والتبرؤ من الفشل وإدمان ديكتاتورية الأقلية!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة