فشلت البعثات الأممية التى عملت فى ليبيا منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وبات المبعوثون الأمميون رهينة لمصالح إقليمية ودولية تدفعهم لإدارة ملف الأزمة الليبية وليس لحلها، وهو ما يشير إلى ضعف دور الأمم المتحدة فى التعاطى مع أى أزمة سياسية فى منطقتنا العربية.
تسببت السياسات الخاطئة للمبعوث الأممى السابق إلى ليبيا برناردينو ليون ومن قبله مارتن كوبلر فى تعميق هوة الانقسام بين المكونات الليبية، ودفع بعض الأطراف للتوقيع على اتفاق الصخيرات وعدم الالتفات للأصوات الرافضة للاتفاق والمطالبة بتعديل بعض بنوده.
أصدرت الدول الكبرى فرمانا يعترف بالمجلس الرئاسى الليبى وحكومة الوفاق الوطنى متجاوزين دور مجلس النواب المعنى بمنح الثقة للحكومة بعد الموافقة على الأسماء المرشحة لتولى الوزارات، وهو ما عمق الانقسام بين الشرق والغرب الليبى وزاد من وتيرة التصعيد السياسى والإعلامى منذ عام 2016.
ومع تعيين غسان سلامة مبعوثا أمميا فى ليبيا توسم الليبيون خيرا فى الرجل الفرنسى، باعتبار أن جذوره عربية ويدرك المعاناة التى تعيشها شعوب المنطقة، طرح سلامة خطة الحل للأزمة الليبية فى الأمم المتحدة وتم الموافقة عليها ولعل أبرزها تعديل بنود اتفاق الصخيرات، إلا أن الرجل اتجه لتغيير خطته مرارا وتكرارا دون الرجوع للمكونات الليبية التى صدمت فى سلوك المبعوث الأممى غسان سلامة.
سجل غسان سلامة أولى خطاياه فى ليبيا بشرعنة وجود المليشيات المسلحة فى طرابلس وتأييد دمجها دون تسليم أسلحتها أو تقليم أظافرها فى مشهد كرتونى حاول تصديره لدول الإقليم والعالم، متجاهلا تفعيل الترتيبات الأمنية بشكل كامل فى طرابلس للتخلص من حكم المليشيات وقادتها والاتجاه نحو تقوية المؤسسة العسكرية الليبية التى وجدت النواة الأساسية لها على يد المشير خليفة حفتر.
حاول غسان سلامة الالتفاف والقفز على اجتماعات القاهرة لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية والتى طرح فيها الليبيون رؤية شاملة لتوحيد المؤسسات العسكرية وإعادة بناء المؤسسات الأمنية، واكتفى سلامة باجتزاء بعض الأفكار ونقاط الحل لاجتماعات القاهرة بدعوته لتشكيل مجلس أمن قومى دون التطرق لدوره وآلية عمله والمكونات الليبية التى ستنال عضوية به.
تجاهل غسان سلامة الاجتماعات التى جرت فى تونس بين ممثلين عن مجلسى النواب والدولة لتعديل بنود اتفاق الصخيرات، وهى الاجتماعات التى حددت البنود المختلف عليها بل ووضعت الدباجة الجديدة للتعديلات اللازمة، وعلى الرغم من ذلك لم يلتفت سلامة لهذا الحراك الهام واتجه لتسويق مشروع غامض يقوده تحت اسم "الملتقى الوطنى الجامع" لعقده فى مدينة غدامس.
تعامل سلامة بنهج الاستعلاء والتفرد فى الترويج للملتقى الوطنى الجامع ووجه دعوات للأطراف والمكونات الليبية – المجهولة للشعب الليبى – للمشاركة فى ملتقى غدامس التى لم يعرف أى طرف أسماء المكونات المشاركة فى الملتقى وآلية اختيار الأسماء ورؤية البعثة للحل، وهو ما دفع الأطراف الليبية للانفضاض عن البعثة الأممية واتهامها بالتلاعب بمصير الشعب الليبى لتحقيق مجد شخصى لغسان سلامة.
وبعد إطلاق الجيش الليبى لعملية عسكرية لتحرير طرابلس من قبضة المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، فقدت البعثة الأممية فى ليبيا الحياد الكامل وارتمت فى أحضان المجلس الرئاسى الليبى وشنت هجوما لاذعا للقيادة العامة للجيش، متغافلة عن فشلها الذريع فى التخلص من المليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية فى طرابلس والتى تهدد أمن واستقرار دول الإقليم والجوار الليبى.
ويتغاضى المبعوث الأممى إلى ليبيا غسان سلامة عن شحنات الأسلحة والمقاتلين الأجانب الذين تصدرهم تركيا وإيران بتمويل قطرى إلى الأراضى الليبية، فضلا عن تجاهله لتحالف المليشيات المسلحة مع جماعات متطرفة فى طرابلس، الغريب فى الأمر أن البعثة الأممية ارتضت لنفسها أن تكون تحت حراسة مليشيات مسلحة فى مدينة جنزور.
الخطايا التى ارتكبها غسان سلامة فى ليبيا تحتم علينا توجيه النصح للمبعوث الأممى الجديد الذى سيخلف سلامة لعدم تكرار خطايا المبعوثين السابقين فى ليبيا، وذلك بالعودة للحياد الكامل فى التعاطى مع الأطراف الليبية، والعمل على تفعيل الترتيبات الأمنية فى طرابلس بنزع سلاح المليشيات وحلها، دعم بناء مؤسسة عسكرية وطنية ورفض وجود أى كيانات موازية لها، والعمل بشكل حثيث لتحييد دور الدول التى لا ترتبط بحدود مع ليبيا وتحجيمه لضبط إيقاع المشهد، واتباع نهج الشفافية والصراحة مع كافة مكونات الشعب الليبى وتلبية رغبات الشعب وليس فرض حلول معلبة عليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة