على مدار 15 شهرا هي عمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ارتكبت الدولة العبرية انتهاكات وفظائع غير مسبوقة فى حروب الزمن الحديث، ورغم أن العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية وثقت لهذه الانتهاكات، إلا أن شهادات جنود من جيش إسرائيل نفسها تأتى لتوثيق تلك الفظائع على لسان مرتكبيها.
حيث رصدت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية تزايد عدد الجنود الإسرائيليين الرافضين لمواصلة القتال فى قطاع غزة، وقالت إن هؤلاء ينتقدون الحرب، ويقولون إنهم فعلوا أو رأوا أشياء تتخطى الحدود الأخلاقية.
وتحدث توتام فيلك، الضابط فى قوات المدرعات، عن صورة عالقة فى ذهنه لجنود إسرائيليين يقتلون مراهقا فلسطينيا أعزل فى قطاع غزة، وقال إن التعليقات كانت تنص على إطلاق النار على أي شخص لا يحمل تصريحا يدخل إلى المنطقة العازلة الخاضعة لسيطرة إسرائيل فى غزة. وقد شاهد مقتل 12 شخصا على الأقل، لكنه قال إن إطلاق النار على المراهق تحديدا قد ترك أثره عليه.
وأشار فيلك، الضابط البالغ من العمر 28 عاما، فى تصريحات لأسوشيتدبرس إن المراهق مات كجزء من قصة أكبر، كجزء من سياسة البقاء هناك وعدم التعامل مع الفلسطينيين كأشخاص.
ويقول الضابط الإسرائيلي أنه فى يوم مقتل المراهق الفلسطيني فى أغسطس الماضى، صاحت به القوات ليتوقف وأطلقوا طلقات تحذيرية على قدميه، لكن واصل التحرك. وقال إن أخرين أيضا قتلوا وهم يسيرون فى المنطقة العازلة التي تفصل شمال غزة عن جنوبه.
وقال بعض الجنود لأسوشيتبرس إن الأمر استغرق وقتا لـ "هضم" ما رأوه فى غزة. بينما قال آخرون إنهم أصبحوا غاضبين لدرجة أنهم قرروا التوقف عن الخدمة على الفور.
وتحدث يوفال جرين، العامل الطبي بالجيش الإسرائيلي عن تخليه عن عمله فى يناير العام الماضى بعد أن أمضى شهرين فى غزة، لأنه لم يستطع التعايش مع رآه.
وقال إن الجنود دنسوا المنازل، واستخدموا أقلاما سوداء مخصصة للطوارئ الطبية لرسم الشعارات على الجدران، ونهبوا المنازل بحثا عن "سبح" الصلاة لجمعها كتذكارات.
وأشار إلى أن القشة الأخيرة بالنسبة له كانت عندما أمر قائده القوات بحرق منزل، قائل إنه لا يريد أن تتمكن حماس من استخدامه. وقال جرين إنه جلس فى مركبة عسكرية مختنقا من الدخان وسط رائحة البلاستيك المحترق. ورأى أن الحريق كان انتقاميا ولم يرى سببا لأن يأخذوا من الفلسطينيين أكثر ما تركه، على حد قوله، وترك وحدته قبل اكتمال المهمة.
وقالت أسوشيتدبرس إن فيلك وجرين من بين عدد متنامى من الجنود الإسرائيليين الذين ينتقدون الحرب على غزة، المستمرة منذ أكثر من 15 شهرا، ويرفضون الخدمة مجددا، ويقولون إنهم رأوا أو فعلوا أشياء تتجاوز الحدود الأخلاقية. وفى حين أن هذه الحركة صغيرة، حيث وقع نحو 200 جندي على خطاب يقولون فيه إنهم سيتوقفون عن القتال لو لم تؤمن الحكومة وقف إطلاق النار، إلا أن الجنود يقولون إن هذا ليس إلا "قمة جبل الثلج" وأنهم يريدون أن ينضم آخرون إليهم.
ويأتى موقفهم الرافض فى الوقت التي تزداد فيه الضغوط على إسرائيل وحماس للتوصل إلى وقف إطلاق النار. ولا تزال مفاوضات وقف إطلاق النار جارية، وقد دعا كل من الرئيسين الأمريكيين المنتهية ولايته جو بايدن والمنتخب دونالد ترامب إلى اتفاق قبل تنصيب الأخير فى 20 يناير.
ووصف الجنود الرافضون لمواصلة القتال فى غزة الكيفية التي تم بها قتل الفلسطينيين دون تمييز وكيفية تدمير المنازل. وقال العديد منهم أنهم تلقوا أوامر بحرق أو هدم منازل لم تكن تمثل تهديدا، وقد شاهدوا الجنود ينهبون المنازل ويخربونها.
ويطالب الجنود الإسرائيليون بالابتعاد عن السياسة، ونادرا ما ينتقدون الجيش.
وكان الإسرائيلون قد توحدوا بعد هجوم السابع من أكتوبر لشن الحرب على قطاع غزة، لكن مع استمرار الحرب زادت الانقسامات. إلا أن أغلب الانتقادات تركزت على العدد المتنامى من الجنود الذين قتلوا أو الفشل فى إعادة الأسرى، وليس على ما يقوم به الجيش فى غزة.
واتهمت منظمات حقوق الإنسان الدولية إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية فى غزة. وتجرى محكمة العدل الدولية تحقيقا فى مزاعم الإبادة، كما أن المحكمة الجنائية الدولية تسعى لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يواف جالانت.
وزعم الجيش الإسرائيلي إنه لم يتعمد قتل المدنيين، وأنه يجرى تحقيقا ويضع عقوبات فى الحالات التي يشتبه فى ارتكاب مخالفات فيها. إلا أن المنظمات الحقوقية طالما قالت إن الجيش أدائه سىئ فى التحقيقات نفسها.
وقال الجيش لأسوشيتدبرس إنه يدين رفض الخدمة، ويتعامل بجدية مع اى رفض للخدمة، ويتم دراسة كل حالة بشكل فردى. ويمكن أن يتم سجن الجنود لرفضهم الخدمة، لكن لم يتم اعتقال أيا من الموقعين على الخطاب، وفقا لمن نظموا الامر.