يبدو أن الاتحاد الأوروبى بات أشبه بذلك الوحش الذى يلتهم من يخالف قواعده حتى لو كان احد مؤسسيه كبار، وبالفعل أصبحت تريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا الضحية البريطانيا الرابعة لقاتل رؤساء وزراء المملكة المتحدة، التى استقالت أخيرا بعد ثلاث سنوات من القتال والإخفاق فى مهمتها الأصعب بقيادة بلادها للخروج من الكتلة الأوروبية.
ثلاثة من أسلاف ماى غادروا داوننج ستريت أثناء محاولتهم كسر "الكود الأوربى"، خلال ثلاثة عقود، من مارجريت تاتشر عام 1990، وجون ميجور عام 1997 وديفيد كاميرون عام 2016، وأخيرا تيريزا ماى.
غير أن الاستقالة الأخيرة تأتى فى ظل واقع هو الأكثر توترا وربما استقطابا، فى لندن، وقالت صحيفة نيويورك تايمز، الأمريكية، إن استقالة ماى، من منصبها، يلقى ببلدها المنقسم فى مزيد من الاضطرابات وسط غموض الموقف العام للمملكة المتحدة.
وأوضحت الصحيفة فى تقرير على موقعها الإلكترونى، رصدت فيه مشهد رحيل ماى بعد سنوات من قيادة بلادها فى مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبى "البريكست" وفشلها فى هذه المهمة الصعبة، مشيرة إلى أن رحيل رئيسة الوزراء بعد ثلاث سنوات يضع المملكة المتحدة فى موقف لا يمكن التنبوء به وإثارة منافسة حامية بين المشرعين المحافظين الأخرين ليحل أحدهم محلها.
بينما كانت تقف "ماى"، وهى ثانى إمرأة تتولى منصب رئاسة وزراء بريطانيا بعد مارجريت تاتشر الملقبة بالمرأة الحديدية، وراء منبر خارج 10 داونينج ستريت، اعترفت أن هناك حاجة إلى قائد مختلف لإدارة عملية الانفصال Brexit والتفاوض مع أعضاء الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، وانتقدت المشرعين المتشددين داخل البرلمان البريطانى ممن اتخذوا موقف متجمد من مفاوضات البريكست.
وقالت ماى: "لتحقيق النجاح، سيتعين إيجاد توافق فى الآراء داخل البرلمان حيث لم أجد". وأضافت "لا يمكن الوصول إلى مثل هذا التوافق إلا إذا كانت الأحزاب فى جميع أطراف النقاش على استعداد لتقديم تنازلات"، غير أن نيويورك تايمز تشير إلى أنه لا يزال من غير الواضح عما إذا كان مثل هذا التفاهم متاح فى بلد يشهد استقطاب سياسى واسع.
وتسببت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى إنقسام واسع بين حزبى المحافظين الحاكم والعمال المعارض وباتوا فصائل متحاربة منذ الاستفتاء الشعبى الذى وافق على المغادرة فى 23 يونيو 2016 وقد تم رفض خطة ماى للخروج، التى عقدتها مع بروكسل فى ديسمبر 2018، مرارا من قبل البرلمان حيث وصلت البلاد إلى طريق مسدود. ولا يزال الاستفتاء الثانى الذى يمكن أن يبقى بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى بعيد المنال.
وأشارت صحيفة واشنطن بوست أن هناك قائمة متزايدة من ساسة حزب المحافظين فى بريطانيا يتنافسون على خلافة رئيسة الوزراء تريزا ماى، و يعد كل منهم بإنهاء المأزق الذى ترك بريطانيا عالقة فى منطقة بين عضوية الإتحاد الأوروبى والعيش على الهامش.
ولكن إذا كان لخليفة ماي أن يتجنب المصير نفسه، يقول المحللون، فلربما يكون أمامه خيار ضئيل وهو توجيه بريطانيا نحو ما كان ينظر إليه في السابق على أنه احتمال بعيد، ولكن يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه احتمال واقع وهو "خروج فوضوى من الاتحاد الأوروبى، دون اتفاق على ما يأتى بعد ذلك."
وقال ستيفن فيلدينج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نوتنجهام: "إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بدون اتفاق أصبح مرجحًا بدرجة كبيرة". وأضاف "كل من يتبع ماى سيواجه تهديد وجودى، و سوف يفكرون إذا لم أنه عملية البريكست، فقد انتهيت".
ويقول آخرون إذا قفزت بريطانيا إلى عالم ما بعد الاتحاد الأوروبى بدون شبكة، فإن التأثير سوف يهز الاقتصاد البريطانى، مع تموجات وربما موجات، أبعد بكثير من شواطئها. ومع ذلك، جادل بالفعل العديد من خلفاء ماى لصالح هذا الخيار، إذ أشاروا إلى أن رحلة بريطانيا إلى التحرر من قيود الاتحاد الأوروبى، يبدأ بمغادرتها بشروطها الخاصة، بدلاً من حل وسط.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة