حازم حسين

ترامب وإيران الصراع على طريقة هوليوود (3)

الأربعاء، 29 مايو 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بين عامى 1985 و1987 كانت الحرب العراقية الإيرانية فى أَوجها، وبينما كانت الولايات المُتّحدة حليفةً للأولى وعدوّةً للثانية، فإنّها بالمُخالفة للمنطق وطبيعة التحالفات السياسية، زوّدت العدوّ بصواريخ وأسلحة مُتطوّرة، نُقلت من الأراضى الأمريكية تحت ستار أنها صفقة لثوار حركة «كونترا» المناوئة للنظام الشيوعى فى نيكاراجوا، عقب لقاء جمع رونالد ريجان برئيس الوزراء الإيرانى أبو الحسن بنى صدر، بوساطة المليادير السعودى عدنان خاشقجى، ومندوب المخابرات الإسرائيلية آرى بن ميناش، والمفارقة أنها عبرت إلى طهران من خلال إسرائيل.
 
كان المقابل الذى حصلت عليه واشنطن آنذاك، الإفراج عن خمسة مُحتجزين أمريكيين فى لبنان، وقتها كان حزب الله، الذى تأسَّس فى العام 1982 بإدارة إيرانية مباشرة، يعيش مرحلة فتوّته الأولى مع إطلاق نشاطه العسكرى. ورغم غرابة الصفقة التى جرت بالمُخالفة لمصالح الحليف العراقى لواشنطن، بينما لم تكن ضربة اقتحام السفارة الأمريكية فى طهران خلال شتاء العام 1979 قد هدأت بعد، فإن المشهد بكامله يُلخِّص جانبًا غامضًا من علاقة الإدارة الأمريكية بملالى الدولة الشيعية، وهى العلاقة التى تبدو فى ظاهرها عداءً مُستحكِمًا، بينما تترعرع فى باطنها خطوط اتصال وتنسيق ومصالح مشتركة. هذا الأمر بالتحديد يُغذّى الآن احتمال أن تكون بوّابات العبور مفتوحةً بين البلدين، رغم التصعيد الإعلامى وحرب التصريحات المُتبادَلة، أو فى أضيق الفروض يُبقى على احتمالات التهدئة، ويدفع سيناريو الحرب بعيدًا، إلى المدى الذى يقطع باستحالة تحقُّقه!
 
يصعُب افتراض أن تكون موجة التصعيد الحالية صفقة جديدة تشبه «إيران - كونترا». لكن يظلّ مقبولاً جدًّا أن تكون موجة المناورة التى يخوضها البلدان بجدّية وإصرار كبيرين، تحمل فى طيَّاتها مصالح مشتركة ومكاسب مُتدفِّقة للجانبين، خاصّة فى ظل صعوبة إملاء شروط مُغلقة من أحدهما على الآخر، أو مُصادرة أىٍّ منهما لإمكانات الخصم وحدود تمدُّده فى ساحة الصراع. فالولايات المتحدة من جانبها تستهدف أمورًا تتّصل بالاقتصاد والسياسة، وترتبط عوائدها المُبتغاة بمردود تلك التحرُّكات على الساحة الداخلية، وحجم تأثيرها على المواطن الأمريكى العادى، الذى لا يعرف طبيعة المنطقة ولا يُلمّ بصراعاتها. أما إيران فإنّها اعتادت الحصار الاقتصادى، فلم يعد أمرًا مُؤرّقًا لها، لذا فإنّها ما لم تتورَّط فى صدامٍ خَشن مع القوّة العسكرية الأولى فى العالم، فلن تكون التطوُّرات المُتوقَّعة أو المُحتملَة مصيرًا أسود بالنسبة لها، بل إنّها قد تُحقّق منها مكاسب مُضاعفة!
 
فى تصريحات صحفية من قلب نيويورك، خلال الأسبوع الماضى، قال وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف، إن إيران تحمل دكتوراه فى الالتفاف على العقوبات، والأفضل للولايات المتحدة أن تجلس إلى طاولة الحوار. هذا المعنى يقتنص ترجمته العملية من أحداث السنوات الماضية، وليس فى حاجة إلى بَرهنة جديدة، فطوال سنوات من الحصار الاقتصادى لم يتوقَّف النفط الإيرانى عن التدفُّق فى شرايين سوق الطاقة العالمية، إما بتحدٍّ مُباشرٍ من مستهلكيه التقليديين فى أوروبا والصين واليابان، أو بمناوراتٍ وعمليات تهريبٍ من خلال ميناء «جهان» التركى، تستفيد منها أنقرة بعمولات نفطية ومالية، فى ضوء فقرها الشديد فى الطاقة، وعلاقاتها الاقتصادية الجيّدة بدول جنوب وشرقى آسيا، وعدد من الأسواق الشرهة فى القارة العجوز!
 
فى الجانب المقابل، فإن المدخل الأول بالنسبة لإدارة «ترامب» فى تلك الأزمة، يرتبط بالصراع التقليدى بين الجناحين الجمهورى والديمقراطى فى السياسة الأمريكية، خاصة فى ظلّ الاقتراب من انتخابات رئاسية فى خريف العام المُقبل. وإذا تتّبعنا مواقف البيت الأبيض منذ انتخابات العام 2016، قد نكتشف أنها تقتفى آثار باراك أوباما بشكل مُباشر، رُبّما فى إطار عداء مُباشر من الرئيس الحالى لسلفه، أو استهدافٍ واسع المدى للأجندة الديمقراطية، المعروفة بتساهلها مع اليمين الدينى فى الشرق الأوسط، وسعيها لتوظيفه فى إطار الرؤية الأمريكية لهندسة المنطقة بصورة ناعمة. هكذا تغيَّرت انحيازات واشنطن فى الملفات الإقليمية الساخنة، من الإبقاء على «داعش» فى سوريا والعراق، إلى مواجهة التنظيم والعمل على اقتلاعه، ومن مراقبة المشهد اليمنى وتجاوزات الحوثيين، إلى السعى لحصار الميليشيات المدعومة من إيران، وأيضًا من دعم حكومة الوفاق الليبية ورئيس المجلس الرئاسى فائز السرَّاج، بعلاقاته المُتشعِّبة مع الإسلاميين والمجموعات المُسلَّحة، إلى الوقوف فى صفّ الجيش الليبى، وهو ما أكده اتصال «ترامب» بالمشير خليفة حفتر قبل أسابيع، وتأكيد دعم الإدارة الأمريكية لجهوده فى استعادة العاصمة طرابلس والقضاء على جيوب الحركات المُسلَّحة.
 
تحرّكات الرئيس الأمريكى تستهدف إحراج الديمقراطيين قبل الانتخابات، بإثبات خطأ انحيازاتهم السابقة، واتخاذ مواقف مُضادّة لها، مع تحقيق نتائج أكثر إيجابية. هذا الأمر يفرض عليه تجنّب التورّط فى نزاع عسكرى، حتى لا تفشل خُطّته، أو يُثبت للناخب الأمريكى عكس ما كان يتطلَّع إليه. وإلى جانب تلك الرؤية فإنه ربما يُنفّذ عملية فرز واسعة لأوراق المنطقة، وترتيب للصفوف والتحالفات، فى ضوء مُخرجات قمة الرياض قبل سنتين. ومع انقسام الإقليم إلى مُعسكرين بالفعل، ووقوف مصر والسعودية والإمارات فى جانبٍ، مُقابل قطر التى انحازت لتركيا وإيران وجماعات العنف المُسلَّح فى بؤر الصراع الساخنة، فإن الولايات المُتّحدة ربما تكون بصدد إعادة ترتيب صفوفها وقائمة أولوياتها فى الشرق الأوسط، ما يعنى احتمال إخراج الدوحة من مُعادلة تحالفاتها، وربما نقل قواعدها العسكرية منها إلى إحدى دول الخليج، وصولاً إلى إغلاق دائرة التحالفات بخطوطٍ حادّة لا تقبل المرونة ولا العبور المُرتبك فى اتجاهين، كما سارت أمور قطر خلال السنوات الستّ الأخيرة على الأقل!






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة