انتهت مقابلة السفير البريطانى فى القاهرة «مايلز لامبسون» أو «اللورد كيلرن» مع الملك فاروق فى قصر المنتزه بالإسكندرية يوم 17 يونيو 1940، بأمر من السفير للملك بإقالة على ماهر باشا رئيس الحكومة، لأن «الحكومة والسراى لها ميول نحو إيطاليا فى الحرب العالمية الثانية»، حسبما يذكر عبد الرحمن الرافعى فى كتابه» مصر فى أعقاب الثورة المصرية–ثورة 1919.. «راجع–ذات يوم 17 يونيو 2019» .
يكشف «لامبسون» فى الجزء الأول من مذكراته ترجمة الدكتور «عبد الرؤوف عمرو»، أنه بعد انتهاء مقابلته مع الملك التى بدأت فى الساعة الثالثة والنصف مساء، وكانا بمفردهما، أخبر أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى بما جرى، وأكد له ضرورة أن يختار الملك ما يناسبه من الاقتراحات التى قدمها له.. والتمس حسنين منى بأن نعطى على ماهر فرصة أخرى، ولكنى أخبرته: «هذا أمر مستحيل، لأن على ماهر لم يكن مستقيما فى سياسته».
كان رفض «لامبسون» لاقتراح «حسنين» وقبله إنذاره للملك، دليلًا شافيًا على أن القرار السياسى لمصر كتشكيل حكومة وإقالتها لابد أن يحظى بموافقة الاحتلال البريطانى، ووفقًا لمذكرات «لامبسون» نفهم منها أنه منذ أن غادر قصر المنتزه عائدًا إلى القاهرة، ترقب نتائج مقابلته، فى نفس الوقت كان حسنين باشا وفاروق يبحثان الأمر، واستمر ذلك عدة أيام بدأت من 18 يونيو–مثل هذا اليوم–1940«اليوم التالى للقاء» وحتى 22 يونيو، وفيه استدعى الملك لفيفًا من الكبراء وزعماء الأحزاب إلى قصر عابدين للتشاور فى الأمر، وفقًا لعبدالرحمن الرافعى.
بعث «لامبسون» تقريرًا إلى حكومته فى لندن عما دار فى اللقاء، وورد فيها طبقًا لمذكراته، أنه قال للملك: «على ماهر يجب أن يٌطرد من الوزارة وبسرعة، ولا نستطيع الموافقة على عودته إلى القصر ثانية».. يؤكد«لامبسون»: «قال الملك فاروق بأنه لايستطيع أن يتصرف فى الأمور نظرًا لضيق الوقت، ولايستطيع أن يعرف مدى رد الفعل؟».. يكشف لامبسون: «أجبته على تساؤلى هذا بقولى: الأمر غاية فى الوضوح ليس بالنسبة لى، بل من الأمور المنطقية، واستجابة لرغبتنا التى تملى علينا بأن يتولى الوزارة أى شخص سوف يتعهد أن يكون حليفًا كاملًا معنا، وأن ينفذ بنود معاهدة ١٩٣٦ نصًا ورحا، وأن تكون مترجمة لمشاعر الشعب بصدق، ونحن لانستطيع أن نضع شروطا مسبقة، إنما يجب أن تلتزم الحكومة بإعلان الحرب»، وكررت هذه العبارة بوضوح مرات أثناء حديثى معه»، ولكن جلالته أدرك تمامًا ماذا أقصد، ولا أستطيع أن أقترح اسما معينا لتولى الوزارة.. لكن يمكننى اقتراح الخطوة الصحيحة على وجه الخصوص، يتعين عليه أن يرسل إلى زعيم المعارضة «محمد محمود باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين» أوأى زعيم آخر، وليكن زعيم الأغلبية الشعبية الساحقة على وجه التحديد «مصطفى النحاس»، ولقد كررت على مسامعه هذه النصيحة عدة مرات».
يضيف «لامبسون» أن فاروق قال له إذا هو غير حكومته فإنه من الأفضل أن يكلف بها زعيم المعارضة، ولكنه رفض تزكيتى للنحاس، والذى حقر من شأنه، مؤكدًا قوله بأنه غير جدير بأن يجلس على هذا الكرسى.. يكشف: «عند هذا الحد من الحديث أكدت عليه، أنه لايوجد أى شخص معين فى خطتنا، خاصة نحن لا نرغب أن يكلف النحاس بتشكيل الوزارة، لأننا نقدر مدى المصاعب التى يمكن أن يواجهها جلالته إزاء هذه الخطوة، ولكن أرى أن الأمر لن يكون بهذه الصورة، وفى نهاية الأمر يمكن جلالته أن يحافظ على مصالح دولته وكذلك عرشه من الضياع.. ثار جلالته لهذا الاقتراح، ولكنى اقترحت أن نرى صديقًا لنا، يكون رئيسًا لحكومة تقف بجانبنا، وأن تتعاون هذه الوزارة معنا فى كل ما نراه، وليس بالضرورة أن تعلن الحرب.. أكدت بحزم أن الجنرال ويفيل ينتظر عودتى هذا المساء وهو فى غاية القلق، ليعلم قرارنا واتجاهنا، ومدى التزامك بسياستنا».
يضيف: «رجوت جلالته أن لا يلعب بالنار، ويتخذ قراره بسرعة، وأن يتبع نصيحتنا ولا يترك الفرصة تضيع منه باستماعه إلى نصيحة على ماهر المنطوية على الأخطار، والتى سوف تلحق به كل الضرر، وكررت على مسامعه: آمل أن يحقق ما نحن فيه راغبون وهو فى مصلحتنا».. يذكر أن الملك قال له إنه يدرك تمامًا أبعاد هذا الموقف.. ويكشف: «بدون مقدمات حذرته بقولى: طالما أنك ملك مصر، فمن الواجب عليك أن تجنب شعبك ويلات الحرب، وعلى هذا فإنى أعتبر أننا فى قارب واحد ومن ثم فمن الأفضل لك أن تعدنا بذلك وأن تبارى قصارى جهدك».
يؤكد «لامبسون»، أنه لفت نظر الملك إلى عودته للقاهرة، ثم قال له: «آمل أن أسمع فى وقت مبكر أنك نفذت توجيهاتى لك».. يضيف: «أكدت له بكل وضوح متجنبًا بكل دبلوماسية ألايكون التهديد بشكل مباشر.. آثرت أن أتريث بعض الشىء فى تهديداتى إلى الوقت المناسب، وبإيجاز فإن إنذارى له رأيت أن أدخره إلى وقت آخر، ولاداعى للضغط عليه أكثر من هذا فى هذا الوقت».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة