نواصل، اليوم، الوقوف مع كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان"، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة البقرة فى الآية الرابعة عشرة (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ).
قوله تعالى: (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) أنزلت هذه الآية فى ذكر المنافقين. أصل لقوا: لقيوا، نقلت الضمة إلى القاف وحذفت الياء لالتقاء الساكنين. وقرأ محمد بن السميقع اليمانى: (لاقوا الذين آمنوا). والأصل لاقيوا، تحركت الياء وقبلها فتحة انقلبت ألفا، اجتمع ساكنان الألف والواو فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ثم حركت الواو بالضم. وإن قيل: لم ضمت الواو فى لاقوا فى الإدراج وحذفت من لقوا؟ فالجواب: أن قبل الواو التى فى لقوا ضمة فلو حركت الواو بالضم لثقل على اللسان النطق بها فحذفت لثقلها، وحركت فى لاقوا لأن قبلها فتحة.
قوله تعالى: (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ } إن قيل: لم وصلت (خلوا ) ب (إلى ) وعرفها أن توصل بالباء؟ قيل له: (خلوا) هنا بمعنى ذهبوا وانصرفوا، ومنه قول الفرزدق:
كيف ترانى قالبا مجنى ** أضرب أمرى ظهره لبطن
قد قتل الله زيادا عنى لما أنزله منزلة صرف.
وقال قوم: (إلى) بمعنى مع، وفيه ضعف.
وقال قوم: (إلى) بمعنى الباء، وهذا يأباه الخليل وسيبويه.
وقيل: المعنى وإذا خلوا من المؤمنين إلى شياطينهم، ف (إلى) على بابها. والشياطين جمع شيطان على التكسير، وقد تقدم القول فى اشتقاقه ومعناه فى الاستعاذة. واختلف المفسرون فى المراد بالشياطين هنا، فقال ابن عباس والسدي: هم رؤساء الكفر.
وقال الكلبي: هم شياطين الجن.
وقال جمع من المفسرين: هم الكهان. ولفظ الشيطنة الذى معناه البعد عن الايمان والخير يعم جميع من ذكر. والله أعلم.
قوله تعالى: (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) أى مكذبون بما ندعى إليه.
وقيل: ساخرون. والهزء: السخرية واللعب، يقال: هزئ به واستهزأ، قال الراجز:
قد هزئت منى أم طيسله ** قالت أراه معدما لا مال له
وقيل: أصل الاستهزاء: الانتقام، كما قال الآخر:
قد استهزءوا منهم بألفى مدجج ** سراتهم وسط الصحاصح جثم
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة