عندما رأيت الصور التى نشرتها الكاتبة الصحفية أمل سرور عن ابن عمها "شهدى" ابن الشاعر الراحل نجيب سرور وهو مريض فى إحدى مستشفيات الهند، حزنت كثيرا وتذكرت نجيب سرور وحزنه الذى أكل روحه وترك شجنا غريبا فى أرواحنا.
"نحن جيل من يتامى يا أبى" كانت هذه الجملة الشعرية هى أول تعليق طرأ فى ذهنى عندما رأيت صورة "شهدى" فى سرير المرض، وهى ضمن قصيدة "رسالة إلى أبى" بديوان "التراجيديا الإنسانية" لنجيب الذى كان منذورا للألم، تأملت ما فى هذه الجملة من "تناقض" بين اليتم والخطاب للأب، بما يدل على الغربة التى عاشها نجيب سرور" ويعيشها ابنه الآن.
لقد كانت الغربة بمعناها المكانى والنفسى قاسما مشتركا بين نجيب وابنه، عبر عنها الأب فى قصائده ومسرحياته، خاصة بعد أن مر بتجربة الغربة الخارجية والنفى فى موسكو وبودابست بعد أن سُحب منه جواز سفره، حتى تدخل الكاتب الكبير رجاء النقاش وكتب عن أزمته، لكنه عاد مثقلا بجراح كثيرة واختلافات جمة تتعلق بكل المفاهيم ومنها اليسارية والشيوعية والوطن والشعب والعامل، عاد أكثر إصرارا على قضيته، كل ذلك ظهر فى ديوانه "لزوم ما يلزم" الذى مثل سيرة شعرية له ولأحلامه وللوطن، وهكذا أصبح لنجيب سرور شكلا معينا وأسلوبا واضحا فى الكتابة والإخراج المسرحى، لكن الأمر ازداد قتامة بمجىء السبعينيات، فقد جاء معها الانفتاح الأعمى ليقضى على آخر ثوابت "نجيب" فى الحياة "الفن" فقد امتلأت المسارح بالراقصات وبلغة هلامية لا علاقة لها بالفن، وبارت تجارة نجيب سرور، خاصة بعد أن تكاتفت مؤسسات الدولة ضده فصرخ فى قصيدة الحكم قبل المداولة:
وأحمل أطنان شعر
أطوف بها فى الشوارع
أسأل جرعة ماء جوابا على العطش الأزلى
عاش نجيب سرور غريبا مثل سقراط يطوف فى شوارع المدينة ببضاعته الكاسدة التى هى التعبير الحقيقى عن الأرض والعمال والنيل والحلم، وتزداد الوطأة عليه لكنه لا يخون نفسه أبدا ولا يخون دوره الذى آمن به وصدقه.
وشهدى أيضا خرج من مصر مضطرا فى بدايات الألفية الجديدة، بعدما طارده حكم بالسجن لمدة سنة لأنه نشر قصيدة (الأميات) ومن يومها وهو غريب فى بلاد الله، والآن ما الذى نملكه لشهدى نجيب سرور،لا شيء سوى الدعاء، وأن نضم أصواتنا مع أمل سرور وفريد شقيقه بأن تسمح له الحكومة المصرية بالعودة للوطن للعلاج هنا، لعل ذلك يخفف شيئا من أحزان نجيب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة