خيط رفيع بين النقد والحرب المستمرة التى تتجاوز النقد إلى التحطيم، ونحن نعرف أن التشجيع والجمهور فيما يتعلق بكرة القدم لا يعرف الحسابات المنطقية، وإنما يستند إلى عواطف وأحاسيس تصعد وتهبط فى لحظات، والجمهور يريد الفوز وليس غيره، وفى حال الخسارة يصب غضبه على الفريق والجهاز الفنى واتحاد الكرة، وهو ما جرى فى أعقاب الخروج السيئ لفريقنا من أمم أفريقيا، والمقارنة مع أداء الفرق الأخرى.
يمكن تفهم الغضب والانتقادات للفريق وفى القلب منه محمد صلاح بوصفه نجم الفريق، لكن لا يمكن تفهم تحميل صلاح وحده مسؤولية الهزيمة والخروج المهين من كأس الأمم، فيما يتعلق بصلاح تجاوز النقد الى اختصار الخسارة فيه، وتجاهل عناصر كثيرة تتعلق بالإدارة الفنية والاتحاد.
يضاف إلى ذلك أن ما جرى فى كأس الأمم سبقه أداء متردٍ للفريق والاتحاد فى كأس العالم فى روسيا، والذى كان واضحا فيه الأداء السيئ وتم الاكتفاء بإقالة هيكتور كوبر واختيار خافيير أجيرى، وتم هذا بعد هجوم على كوبر، بينما كانت هناك عوامل وعلامات أخرى.
ويستحق محمد صلاح نصيبه من النقد ولو بنسبة أكبر من زملائه، وأيضا فيما يتعلق بموقفه من قضية «وردة»، لكن الأمر دخل فى حملة تتجاوز النقد لتحاول هدم صلاح، بشكل يبدو غير مفهوم، بل وأحيانا تشير إلى تربص. الكثير من الأخبار الكاذبة وغير الموثقة، وتم نسبة أقوال لصلاح تدخل فى سياق الإيقاع بينه وبين الجمهور، وتربص واضح بكلماته وتحركاته، واتهامه بالغرور واللامبالاة، وأنه اختار لاعبين وتسبب فى استبعاد آخرين، وهى معلومات مجرد «عنعنات»، مأخوذة مباشرة من بوستات مجهولة على فيس بوك.
أيضا محاولة إقحام اسم هذا اللاعب أو ذاك بتعمد، ومهاجمة صلاح بشتى الطرق وهو هجوم يتجاوز النقد إلى التهجم، وحتى علاقة اللاعب بقريته وجمهوره تحولت إلى مجال للتلاعب، فضلا عن محاولة استغلال صلاح فى مناسبات أو احتفاليات لأهداف دعائية ولما رفض بدأت عمليات الهجوم من كل اتجاه.
محمد صلاح لاعب عصامى احترف وعبر على ظروف صعبة، وساهم فى رفع اسم مصر فى بريطانيا وأوربا بشكل غير مسبوق، وجذب حبا فطريا ساعدت فيه طبيعته البسيطة وتصرفاته الفطرية الذكية التى جعلته واحدا من أكثر اللاعبين جاذبية للأطفال، واجتماعيا قدم صلاح الكثير لأهل قريته وبلدته وفى حالات كثيرة لم يتحدث أو يعلن عما فعله من مجهودات خيرية، وتطور وعيه بدرجة لافتة تجاه قضايا مختلفة وأصبح قادرا على مخاطبة المجتمع الأوربى بشكل متوازن.
نحن هنا نتحدث عن نجم كرة محترف، نجح فى صناعة صورة رائعة لنفسه وبلده، وطبيعى أننا نتعامل مع لاعب كرة موهوب، ليس مطالبا بأن يلعب دورا سياسيا أو يصبح فيلسوفا ومتحدثا، مع الأخذ فى الاعتبار طبيعة عالم النجومية فى ظل عولمة كروية تضع النجم فى دوائر معقدة، وتجعل كل حركة وكلمة منه محسوبة، وعليه أن يعرف مكانه بالضبط، وأن يلتزم بما تحتمه عليه مكانته كلاعب ونجم دولى، وهى صيغة نجح صلاح فى بنائها، خلال فترة خمس سنوات.
وعليه أن يتمسك بها وألا يدخل فى تشابكات تسبب له الخسارة ويتحمل فيها مواقف وأخطاء زملائه، أو زلات لسان يمكن تأويلها.
يمكن تفهم انتقاد محمد صلاح، وغضب الجمهور، فى لعبة تحكمها المشاعر وأيضا المصالح والتحالفات، أما ما لا يمكن فهمه، فهو هدم كامل لصالح «اللاشىء». وعلى محمد صلاح أن ينتبه إلى أنه فى لعبة تصعد بالنجم للسماء فى لحظة وتلعنه فى لحظة.