يبدو أن حالة الانقسام تتفاقم بصورة كبيرة داخل أروقة السياسة البريطانية، وهو ما يبدو واضحا فى فشل رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون فى استقطاب البرلمان البريطانى، على الطرح الذى قدمه حول مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبى، مما خلق حالة من الشقاق، امتدت إلى داخل الأحزاب الرئيسية فى بريطانيا، مما يهدد بانهيارها فى المستقبل القريب، وهو ما يبدو واضحا فى خروج عدد من البرلمانيين من حزب المحافظين، والذى ينتمى له جونسون، بالإضافة إلى حالة عدم القبول لزعيم المعارضة جيريمى كوربين، بسبب مواقفه السياسية تارة، والاتهامات التى تلاحقه بين الحين والآخر تارة أخرى، وهو ما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت هناك إمكانية ظهور أطراف أخرى، يمكنها القيام بدور لإنهاء الأزمة السياسية فى البلاد.
ولعل لجوء رئيس الوزراء البريطانى إلى ملكة بريطانيا لاتخاذ قرار بتعليق أعمال البرلمان، لعدة أسابيع، حتى يمكنه تفعيل قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق، فى شهر أكتوبر القادم، إجراء يحمل فى طياته أبعادا تتجاوز الروتين التقليدى، فى ظل حساسية الموقف السياسى الذى تعيشه لندن فى الآونة الراهنة، خاصة وأنه لم يحصل أولا على مباركة حزبه (حزب المحافظين)، والذى كان يحظى بأغلبية البرلمان حتى ذلك الحين، حيث أعلن النائب فيليب لى انشقاقه عن الحزب، فى وقت مبكر من هذا الشهر، والانضمام إلى كتلة حزب الديمقراطيين الأحرار المعارض لـ"بريكست"، وذلك احتجاجا على سياسات جونسون.
وهنا ربما تتحول الكرة إلى قصر باكنجهام، والذى نأى بنفسه عن السياسة لعقود طويلة من الزمن، آثرت فيه ملكة بريطانيا بمبدأ الابتعاد عن الأزمات السياسية، حيث تضعها حالة الانقسام الراهنة، بين البلدين، فى طريق الاستئثار، أو على الأقل المشاركة فى القرار السياسى، فى المرحلة المقبلة، فيما يتعلق بالمصير الأوروبى لبريطانيا، خاصة وأن الخروج من العباءة الأوروبية ربما يفتح الباب ليس فقط أمام مستقبل مظلم أمام الاقتصاد البريطانى، فى ظل الانهيار المحتمل للاتفاقات التجارية بين بريطانيا ودول الاتحاد، والتى سوف تقوضها خطوة الخروج أن تمت بدون اتفاق، ولكن أيضا ربما تترك تداعيات كبيرة أمام مستقبل العرش البريطانى، والذى قد يتقلص نفوذه فى ضوء الرفض الاسكتلندى للخروج، وما قد يترتب على ذلك من احتمالات عقد استفتاء جديد، لاستقلال أسكتلندا عن التاج البريطانى.
يبدو أن تدخل العرش البريطانى على خط أزمة بريكست فى المرحلة الراهنة، أمرا ضروريا، ليس فقط لحسابات السياسة المعقدة وانقسامات الأحزاب، ولكن يمتد إلى أبعاد أخرى، تتعلق بالحفاظ على الإرث الإمبراطورى، والذى ربما أصبح شكليا، ولكن يبقى مهما لكونه يحمل قيمة رمزية وتاريخية لبريطانيا العظمى، والتى كانت يوما ما "المملكة التى لا تغيب عنها الشمس".
ولعل الرهان على ملكة بريطانيا لم يتوقف على لجوء جونسون إلى ملكة بريطانيا لاتخاذ القرار بتعليق أعمال البرلمان، وإنما سبقها فى ذلك الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى بدا حريصا خلال زيارتيه إلى المملكة المتحدة، على لقاء الملكة، مما دفع السلطات البريطانية لقبول ذلك، رغم التظاهرات التى كانت بانتظاره فى لندن، من قبل قطاع كبير من النشطاء، والذين يرونه ساعيا للتدخل فى الشئون البريطانية من بوابة "بريكست"، بالإضافة إلى مواقفه الأخرى، التى لا تروق لهم، وعلى رأسها الموقف من البيئة، وسياساته التى يصفونها بالمناهضة للديمقراطية.
حرص ترامب على لقاء الملكة إليزابيث فى زيارتيه للندن، ربما تحمل فى طياتها قراءة متأنية للمستقبل، حيث رأى الرئيس الأمريكى أنها ربما يكون لديها الكلمة الفاصلة فى النهاية، فى ظل الانقسام الراهن فى أروقة السياسة التقليدية فى لندن، حيث إنه يدرك جيدا مخاوفها، والتى ربما سعى إلى طمأنتها فيما يتعلق بمستقبل العرش، فى ظل مخاوف من تداعيات الخطوة البريطانية على إثارة النزعات الانفصالية فى الدول الساعية للخروج من سطوة التاج البريطانى، وعلى رأسها أسكتلندا أو أيرلندا الشمالية، عبر وعود تتعلق فى إنعاش الاقتصاد.