"تم تحديد مفهوم التقوى بأنها التوازن بين الخرافة والإلحاد، وفى هذا السياق تم التأكيد على أهمية العادات، فمن الضرورى احترم التعبد التقليدى والشعائر المعتادة، كما يجب احترام الحدود" هذه جملة أساسية فى كتاب "منابع تاريخ الأديان" لـ فيليب بورجوه ترجمة الدكتورة فوزية العشماوى، والصادر عن المركز القومى للترجمة.
ويقول الكتاب فمن جهة نجد الإلحاد وهو متضامن مع رفض أى تصوير أو تجسيد ويرفض كذلك الآلهة نفسها، ومن جهة أخرى نجد (الخرافة) والوسوسة وهى الاعتقاد المبالغ فيه والكفيل بإعطاء أهمية كبرى للأحجار ولقطع الخشب غير المصنع أو إلى تفاصيل صغيرة فى الشعائر، وبين الاثنين هناك العلاقة الطبيعية بالآلهة، والتى يمكن تحديدها ووصفها بأنها تشتمل على نقد معتدل ونسبى للصور غير المصقولة (تماثيل الآلهة من الخشب العتيق أو أحجار غير مصقولة) كما يمكن أن تكون قبولا بدون تحفظ لهذه الصور والتماثيل ما دام أنها تنتمى لموروث دينى مستقر، وهذا الفارق بين الدين والخرافة فى العالم القديم وهو ليس محتوى التعبد نفسه.
ويرى الكتاب أن الحركات نفسيهما يمكن اعتبارها أحيانا دينية، وأحيانا خرافية طبقا لدرجة كثافتها (طبيعية أم مبالغ فيها) وكذلك طبقا للسياق (ممارسة تقليدية مدنية أم ممارسات خاصة أجنبية وغريبة عن المكان) وكما رأينا وطبقا لـ توماس داكان" العالم اللاهوتى من القرون الوسطى، فإن المسيحية قد استعارت فكرة المبالغة أو التغيير والانتقال: إن الخرافة تتجاوز الطريقة التى يجب اتباعها فى التعبد للإلهة. وتقع هذه المبالغة فى كل مرة نؤدى الشعائر الإلهية لغير من تجب تأديتها له، وفى الواقع يجب ألا نعبد إلا الله الواحد الملك غير المخلوق مثلما يريد أصل الدين.
ويتابع الكتاب إذن هناك خرافة كلما أدينا العبادة أمام مخلوق ما، وفى الديانة الرومانية القديمة لم يكن ما يتم التعبد له يعد معولا قاطعا أمام الخرافة، وبالنسبة للعالم اللاهوتى الكبير فى القرون لوسطى فإنها أصبحت مرادفة للوثنية أى التعبد لمن لا يستحق، والقراءة المسيحية للملف الإغريقى والرومانى الخاص بالخرافة تقودنا إلى تفسير شامل للوثنية القديمة بوصفها دينا كاذبا وأصبحت كلمة دين هى التى تعنى العلاقة التى تجمع بين المؤمن وبين الله الواحد الحقيقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة