التراث وقضاياه ومشكلاته فى العالم العربى لا تنتهى أبدًا، دائمًا هناك فريقان، الأول يرى أن ننصره ظالما أو مظلوما، والآخر يرى أن نهدمه وقضى عليه، أما الرأى الوسط الذى يذهب إلى أن نهتم به ولا نقدسه فهو رأي أنصاره قليلون، وقد اهتمت الكتب كثيرًا بهذا الموضوع ومن ذلك كتاب "التراث والحداثة" لمحمد عابد الجابرى.
يضم الكتاب مجموعة من الدراسات والمناقشات أنجزت فى أوقات متباعدة، وتناولت موضوعات مختلفة، ولكنها تدور كلها حول مسألة رئيسية واحدة، هى مسألة المنهج والرؤية فى الدراسات التراثية وقد رتبت على أساس نوع علاقتها به.
وقد أدرج فى قسم أول مجموعة من الأبحاث يتناول بعضها مسألة المنهج والرؤية تناولاً مباشراً، تنظيراً وتطبيقاً، بينما يطرح بعضها الآخر ضرورة الانخراط الواعى فى الفكر العالمى المعاصر للاستفادة من المناهج الحديثة والتفتح على الرؤى الجديدة، ثم أدرج فى قسم ثان مجموعة أخرى هى عبارة عن دراسات قطاعية أو تطبيق ميدانى للمنهج الذى اختاره المؤلف الدكتور محمد عابد الجابري.
هذا ولما كانت أعمال هذا المجال قد حظيت بمناقشة عدد من الأساتذة فى المغرب والمشرق، فقد أدرج الدكتور الجابرى نصوص حوار ومناقشات جرت بينه وبين بعض زملائه محتفظًا بنصها كما نشره فى مجلات فكرية.
وجعل من هذه النصوص القسم الثالث من هذا الكتاب وهى تكتسى أهمية خاصة لكونها تتضمن توضيحات لمسائل أثيرت على سبيل الاستفهام أو الاعتراض، وتقدم وجهات نظرة مغايرة لوجهة نظر الدكتور الجابري، فهى بذلك تعنى الموضوع وتفتح أمام القارئ آفاقاً جديدة.
ومحمد عابد الجابرى (1936 - 2010)، مفكر وفيلسوف عربى من المغرب، له 30 مؤلفًا فى قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربى" الذى تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية، كرّمته اليونسكو لكونه "أحد أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار".
