"الزعيم المخلص".. شعار سعى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ليرفعه منذ بداية حقبته، أو ربما قبل ذلك، خلال حملته الانتخابية، عندما كال الانتقادات اللاذعة لأسلافه، لتطال ليس فقط إدارة أوباما، وإنما امتدت إلى إدارات الجمهوريين، وعلى رأسهم جورج بوش الإبن، والذى تمركزت سياساته حول استخدام القوة العسكرية، لتحقيق أهداف واشنطن، فى إطار ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب"، والتى كانت سببا رئيسيا فى خسائر فادحة، سواء على المستوى العسكرى، أو الاقتصادى، ليكون الخطاب الذى تبناه الرجل، منذ بزوغ نجمه على الساحة السياسية الأمريكية، بمثابة "انقلاب" صريح، سواء فيما يتعلق بإرث الأسلاف، أو حتى فى داخل الحزب الجمهورى، فى ضوء غياب الانسجام بينه وبين ما يسمى بـ"تيار الصقور"، والذين خسروا الكثير من النفوذ فى السنوات الأخيرة.
انقلاب ترامب على الإرث السياسى الأمريكى تواكب مع خطاب يبدو متدينا، بدا واضحا فى العديد من السياسات، والقرارات التى اتخذها الرئيس الأمريكى فى التعامل مع العديد من القضايا المثارة على الساحة السياسية والدولية، وهو ما يتجلى، على سبيل المثال، فى اختياره لثلاثة محطات دينية، لتكون وجهته فى أول جولة خارجية يقوم بها، بعد تنصيبه، والتى شملت السعودية وإسرائيل والفاتيكان، فى انعكاس صريح لتوجه يسعى الرئيس إلى ارسائه، يقوم فى الأساس على إضفاء صبغة دينية ولايته، بالإضافة إلى حرصه المنقطع النظير على استرضاء الكنيسة الإنجيلية الأمريكية، عبر تنظيم اجتماعات للصلاة فى البيت الأبيض، بل وأن الدين كان مرتبطا بمواقفه من بعض القضايا، وعلى رأسها رغبته فى تجريم الإجهاض، باعتباره متنافيا مع الجذور المسيحية لأمريكا.
إدارة ترامب ارتبطت بصورة "المخلص"
ولعل حرص الرئيس الأمريكى الكبير على التسلح بالجذور المسيحية، لتكون مرجعية لقراراته، سببا رئيسيا فى هجوم كاسح استهدفه من قبل زعماء الحزب الديمقراطى، عندما تقاعس، وزوجته ميلانيا، عن ترديد قانون الإيمان إبان جنازة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب فى عام 2018، حيث أنهم اعتبروا أنه سلاح مهم يمكنه تقويض القاعدة الشعبية التى يعتمد عليها سيد البيت الأبيض، حيث ذكر حينها إعلامى أمريكى، يدعى جون زيجلر، وهو معروف بانتمائه للحزب الديمقراطى، أن "البطل الإنجيلى" على ما يبدو لا يعرف قانون الإيمان، فى الوقت الذى يردده بطلاقة باراك أوباما، والذى سبق وأن لاحقت الشائعات ديانته، عندما كان فى البيت الأبيض.
ترويج ترام لنفسه باعتباره بطلا مسيحيا، أو بالأحرى "مخلصا"، لم يتوقف على الخطابات أو الشعارات السياسية التي طالما أطلقها، وإنما امتدت إلى العديد من المناحى الأخرى.
فعندما تمكنت القوات الأمريكية من قتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليمانى، في يناير الماضى، انتشرت صورة للرئيس الأمريكي بأحضان المسيح "المخلص"، بينما انتشرت مؤخرا صورا أخرى للرئيس الأمريكي، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، والمقررة في نوفمبر المقبل، لـ"ترامب المصلوب"، بينما يشارك خصومه في صلبه، وعلى رأسهم منافسه جو بايدن، ورئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى، بالإضافة إلى الرئيس الصينى شى جين بينج، والروسى فلاديمير بوتين، لتشكل تلك الإشارات في مجموعها صورة مكتملة للكيفية التي يحاول بها الرئيس الأمريكي استقطاب القطاع المؤيد له، بالإضافة إلى حشد الدعم الشعبى لسياساته المناهضة لخصومه، سواء في الداخل الأمريكي أو الخارج.
هل تعلن أمريكا التوصل إلى لقاح "الخلاص"؟
إلا أن صفة "المخلص" الذى يسعى الرئيس الأمريكي إلصاقها بنفسه، ربما لا تقتصر على الجانب السياسى، وإنما يبقى فى حاجة إليها، فى مواجهة الوباء، الذى ضرب العالم، بينما تكبدت الولايات المتحدة قدرا كبيرا من الخسائر البشرية، في الآونة الأخيرة، خاصة وأن تفشى كورونا في أمريكا يمثل أحد أهم الأسلحة التي يسعى خصمه بايدن لاستخدامه لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، على اعتبار أن الإدارة الحالية فشلت في احتواء الأزمة الراهنة، فى الوقت الذى كان فيه من المفترض أن يتجاوز دور واشنطن الداخل الأمريكى لتقوم بدور أوسع فى مساعدة حلفائها في كل أنحاء العالم لاحتواء الفيروس القاتل وتداعياته.
الضربة القاضية.. للقاح فرصة ترامب للقضاء على منافسه
ويعد نجاح العلاج التجريبى مع ترامب، في حال تحققه، هو بمثابة إعلان صريح عن الوصول إلى لقاح كورونا في الوقت الراهن، وهو ما يعد بمثابة ضربة قوية تصب في صالح الإدارة الحالية، خاصة إذا ما نظرنا إلى التوقيت، حيث لم يتبق سوى أسابيع قليلة قبل اندلاع المعترك الرئاسي، يتخللها مناظرات ستكون شرسة للغاية بين الرئيس ومنافسه، الذى شغل منصب نائب الرئيس في عهد إدارة أوباما، حيث أنها ربما تقوض السلاح الوحيد الذى يسعى الديمقراطيون لاستخدامه لتحقيق أرضية كبيرة، يمكنهم من خلالها الاحتفاظ بفرصتهم في المنافسة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة