"الإتجار بالبشر جريمة عابرة للحدود وانتهاك صارخ لحقوق الأنسان"، هكذا وصفت كريستينا ألبرتين الممثلة الإقليمية لمكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الإتجار بالبشر والتي يقع في إطارها الهجرة غير النظامية أو العشوائية، وتعد الهجرة العشوائية أحد أشكال الإتجار بالبشر ومن بين الأزمات التي طفت على السطح بشكل مُلح في عدد من البلدان، وتوضح الأرقام حجم الأزمة فهناك 2.5 مليون مهاجر تم تهريبها بطريقة غير نظامية مقابل رح مادى حوالى 5مليارات دولار خلال 2016فقط وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة الصادرة عام2018 ، وما بين 2014 إلى 2018 هناك 30.510شخصا لقوا حتفهم بعرض البحر وفق تقرير المنظمة العالمية للهجرة الصادر عام 2019.
من بين البلدان التي برزت فيها قضية الهجرة غير الشرعية في الآونة الأخيرة "لبنان"لتضيف لأعبائه عبئا جديدا، وللوقوف على دور الأمم المتحدة فى مكافحة جريمة "الإتجار بالبشر" بشكل عام و تجارة الهجرة العشوائية بشكل خاص ودعم لبنان تحديدا فى مواجهة هذه الجريمة، التقينا مع ألبرتين، وإلى ملخص الحوار
ـ ما أشكال الإتجار بالبشر؟
توجد ثلاثة عناصر لجعل جريمة جنائية فعل من أفعال الاتجار بالأشخاص: فعل – بوسائل - لغرض الاستغلال، وحتى نستعرض أركان الجريمة بشكل أكثر وضوحاً فيمكن القول إن العناصر سالفة الذكر تتمثل في الفعل وهو تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم.
الوسيلة وتشمل التهديد والإكراه والاحتيال وما إلى ذلك.
والغرض وهو للاستغلال وذلك على سبيل المثال للحصر: استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. يمكن للدول الأطراف النظر في أشكال أخرى من الاستغلال وفقاً لسياقها الوطني.
ما القوانين الدولية التى تجرم هذه الجريمة وما العقوبات؟
تعددت الاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بجريمة الاتجار بالأشخاص بِشَكْل أو بآخر في إطار القانون الدولي إلا أن أهم تلك الاتفاقيات هي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها ومنها بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2003 و2004 على التوالي.
هذا هو الصك الدولي الأول الذي لا يعرّف جريمة الاتجار بالأشخاص على أنها شكل من أشكال الجريمة المنظمة عبر الوطنية فحسب، بل يجرم الفعل أيضًا. وتجدر الإشارة إلى أن البروتوكول المتعلق بالاتجار بالأشخاص قد وضع إطاراً محددا لتعريف هذا العمل غير المشروع باعتباره جريمةٍ خطرة ويتعين على الدول الأطراف في البروتوكول إلى صياغة قوانينها الوطنية بما يتماشى مع متطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكول.
الممثلة الإقليمية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة
حدثينا عن دور الأمم المتحدة في مكافحة جريمة الإتجار بالبشر؟
وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، فإن بعض دور الأمم المتحدة يشمل دعم الدول الأعضاء في الجهود على سبيل المثال: توفير السبل والوسائل الأزمة لتقويض تلك الجريمة ومنعها من خلال برامج التثقيف والتوعية والمشاريع الهادفة إلى زيادة سبل الرزق واتساع سوق العمل.
وتعزيز القدرات الوطنية على ضبط جرائم الاتجار بالأشخاص والتحقق مع مرتكبيها وإحالتهم إلى المحاكمة الجنائية.
وعلي الصعيد الإنساني، حماية ومساعدة ضحايا الاتجار مع آلاء الحماية الكاملة لحقوق الإنسان وفقاً للمعايير الدولية شاملاً ذلك: توفير الدعم الطبي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي.
وتعزيز التعاون الدولي في المسائل الجنائية بين الدول الأطراف لتقديم الجناة إلى المحاكم وإنصاف الضحايا.
و ما دور الأمم المتحدة في مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية؟
يتمثل دور مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في دعم جهود الحكومات في التحقيق في حالات تهريب المهاجرين والتصدي للشبكات الإجرامية الدولية المتورطة في هذه الأعمال غير المشروعة التي تجني أرباحاً طائلة بهدف تفكيكها وضبط عناصرها وإحباط مخططها فضلاً عن ضبط الأموال غير المشروعة المستخدمة في ارتكاب تلك الجريمة أو الناتجة عن ارتكبها.
وتجدر الإشارة إلى نقطتين هما في هذا الخصوص وهو أن جريمتى الاتجار بالأشخاص والهجرة غير الشرعية مختلفتين من حيث العناصر، إذ إن أهم ما يميز جريمة الاتجار عن جريمة التهريب هو عنصر الاستغلال الذي يقصد به استغلال حالة الضعف التي تمر بها الضحية اجتماعيا أو اقتصاديا للزج بها في إحدى أنماط الاتجار غير المشروع.
وقد تتداخل خيوط الجريمتين في بعد الأحيان وفقاً لظروف ووقائع كل جريمةً على حدة فقد تشكل مظاهر السلوك في البداية جريمة هجرة غير شرعية عندما يكون الانتقال برغبة خالصة من شخصاً ما دون استغلال واقع عليه ثم تتحول الوقائع إلى جريمة اتجار في مرحلةٍ لاحقة نظراً لعدم توفر سبل للرزق لهذا الشخص وهنا تبدأ مراحل استغلاله أو استغلالها.
وعلاوة على ذلك فقد يكن من غير الأقدر استخدم مهاجر غير شرعي والمصطلح الأدق هو الهجرة غير الشرعية نظراً لان الهجرة أو الانتقال يتم بِطُرُق غير قانونية.
على صعيد لبنان.. ما أبرز طرق استغلال البشر التي تم رصدها من قبلكم هناك ؟
بصفةٍ عامة ونظراً لتنوع أشكال الاستغلال في جريمة الاتجار بالأشخاص قد يكن من الصعب تحديد أكثر أشكال الاتجار وضوحاً على وجه الدقة. وهنا تبرز أهمية البيانات والإحصاءات في تقدير سياسات المواجهة والتصدي. وفيما يتعلق بالوضع في الجمهورية اللبنانية على وجه التحديد فوفقاً للبينات الواردة من المديرية العامة للأمن العام تتمثل أكثر أنواع الاتجار شيوعاً في الاستغلال الجنسي والمالي والسخرة المنزلية.
ما عدد من تم ضبطهم عبر الهجرة غير الشرعية فى لبنان عام 2020؟
لم يرد حتى الآن بيانات تخص الهجرة غير شرعية لعام 2020 للمكتب، وقد يكون مرجع ذلك الصعوبات التي تواجه الدول نتيجة تفشي جائحة كورونا.
بالنظر للحادث الذى وقع مؤخرا في لبنان وهو موت مهاجرين غير شرعيين على متن أحد القوارب بشواطئ طرابلس.. ما دوركم في دعم لبنا لمكافحة الظاهرة؟
يتمثل دور مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في دعم جهود لبنان في التحقيق في حالات تهريب المهاجرين وجلب المهربين ومكافحة الأعمال غير المشروعة لعصابات وكيانات الإجرام غير منظم العابر للحدود التي تعمل على مستويات واسعة النطاق والتي كما سبق أن ذكرت تحقق أرباحاً طائلةٍ من هذا النشاط الإجرامي. كما يعمل المكتب على تعزيز التعاون بين الدول في هذا الشأن (حيث أن تهريب المهاجرين بحكم تعريفه جريمة عابرة للحدود الوطنية) وفي سياقاً متصل يضع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة حماية حقوق المهاجرين اَلْمُهَرَّبِينَ وسلامتهم في صميم استجابته – أن مثل هذه الجرائم المنظمة تعرض حياة هؤلاء المهاجرين لمخاطر كبيرة دون أن يشكل ذلك أي اهتمام من جانب المهربين وعلي ذلك فإن حماية حقوق الإنسان وحريته الأساسية أي في مقدمتها الحق في الحياة أمر بالغ الأهمية
ما الجهات المنوطة بمكافحة وتعقب الهجرة غير الشرعية؟
داخل الأمم المتحدة، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة مكلف بدعم الدول في تنفيذ بروتوكول تهريب المهاجرين. في لبنان، يمكن التحقيق في قضايا جرائم تهريب المهاجرين فالأساس من جانب الأمن الداخلي (ISF) والمديرية العامة للأمن العام (DGS)، من بين مؤسسات ودوائر حكومية أخرى.
للمرأة أيضا نصيب وافر من الاستغلال والاتجار ..ما أبرز أساليب استغلال المرأة بشكل عام وفى لبنان بشكل خاص وما القوانين التي تكفل لها الحماية ؟
التقرير العالمي لمكتَب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2018 بشَأن الاتِجار بالأشخَاص أبرز أنه، منذ عام 2003 إلى عام 2018 تم الكشف والإبلاغ عن 25000 ضحية من ضحايا الاتِجار بالأشخَاص عالميا.
72 %من الضحايا هم من النساء والفتيات، وتشكل النساء والفتيات 94٪ من ضحايا الإتجار لأغراض الاستغلال الجنسي و35٪ للعمل القسري.
إن حِصة ضَحايا الاتِجار في منطِقَة الشَرق الأوسَط وشَمال أفريقيا: 36 ٪ لغَرض الاستِغلال الجِنسي، 55٪ مِن أجل السُخرة و 9 ٪ لأغراض أخرى.
ـ ما أشكال الإتجار بالأطفال واستغلالهم خاصة في البلدان التي تشهد أزمات مثل لبنان؟
على الصعيد العالمي ووفقًا لتقرير العالمي لمكتَب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2018 بشَأن الاتِجار بالأشخَاص، تبلغ نسبة الأطفال حوالي 30 في المائة من الضحايا المكتشفة، مع اكتشاف عدد أكبر بكثير من الفتيات مقارنة بالفتيان. تكشف مقارنة البيانات في عامي 2004 و2016 عن زيادة واضحة في الكشف عن الأطفال، حيث تضاعف كل من حصص الفتيات والفتيان من الإجمالي. يتم استغلال الفتيات في كثير من الأحيان لأغراض جنسية والفتيان يتم استغلالهم في السخرة، بما في ذلك التسول.
ـ كيف يمكن مواجهة أشكال استغلال البشر في لبنان خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية ودور الأمم المتحدة في ذلك؟
يمكن للصعوبات الاقتصادية أن تجعل المرء أكثر عرضة للاستغلال. قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص في لبنان (القانون رقم 164 لسنة 2011) بشأن معاقبة جرائم الاتجار بالأشخاص يجرم الاتجار لغرض الاستغلال الجنسي والعمل الجبري والتسول وتجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة أو إزالة الأعضاء والأنسجة البشرية. وفي الوقت نفسه، تنسق الجنة التوجيهية الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص جهود مكافحة الاتجار، ويتم تشغيل خطوط ساخنة من قبل وزارة العمل لتلقي تقارير عن المعاملة التعسفية أو الاستغلالية للعمال المهاجرين، بما في ذلك المعاملة التي يمكن أن تصل إلى حد الاتجار بالأشخاص. ويتولى المكتب العمل مع الدول الأعضاء لتفعيل نصوص وأحكام تنفيذ بروتوكول الأمم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال، الذي يوفر إطارًا عَالَمِيًّا يوجه عمل الدول ضد ظاهرة الاتجار. وبالإضافة إلى مهام أجهزة الأمم المتحدة المعنية، يقوم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بتزويد لبنان بالدعم الفني لتطوير التشريعات الوطنية لمكافحة ظاهرة الاتجار بالأشخاص، تحسين تدابير الحماية والمساعدة للضحايا، وتعزيز قدرة نظام العدالة الجنائية على التصدي للاتجار بالأشخاص.
وفي هذا السياق أود التأكيد على أن الاتجار بالأشخاص جريمة خفية. وتتسم باستغلال الفئات المستضعفة من الأشخاص خلف الأبواب المغلقة انتهاكا لإنسانيتهم في ظل ظروفٍ يصعب معها اكتشاف هؤلاء الضحايا والتعرف عليهم.
ولكن في جميع البلدان أن يتم تعزيز الجهود المبذولة لتحديد أوضاع وضحايا الاتجار بالأشخاص وإحالتهم إلى الرعاية والدعم المناسبين حتى يتعافوا من معاناتهم التي تمت في أيدي مستغليهما. يعمل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى مثل المنظمة الدولية للهجرة والشركاء المحليين لتقديم الدعم الفني للسلطات اللبنانية في اعتماد إجراءات التشغيل الموحدة لتبسيط تحديد الضحايا ودعمهم. كما سيعمل المكتب في القريب العاجل على تنفيذ مشروع ممول من سويسرا لدعم جهود لبنان لتحديد حالات الاتجار بالأشخاص التي تؤثر على اللاجئين بها، والإحالة للحماية والتحقيق في تلقى الحالات.
علاوة على ذلك، يعتبر الإتجار بالأشخاص جريمة معقدة للغاية من حيث تعريفها القانوني وسلوك الضحايا التي تتأثر بشدة بالصدمات أو السيطرة التي يمارسها المتاجرين. لذلك من الهام أن يكون لدى المسؤولين عن إنفاذ القانون الجنائي إدراكٍ جيد ومعرفة متخصصة بطبيعة هذه الجريمة والظروف المحيطة بها وسماتها الخاصة حتى يتمكنوا من التعامل مع القضايا وتقديم الجناة إلى العدالة مع ضمان حماية الضحايا.