يعد كتاب "الحداثة المتجددة" الصادر عن دار الساقى، لعالم الاجتماع الفرنسى آلان تورين، ونقله للعربية جلال بدلة، أحد الكتابات التى تتصدى للنظريات التى تختزل المجتمعات الحديثة إلى مجرد مجتمعات اقتصادية أو ثقافية أو استهلاكية، ويرفض كل حتمية تقيد السلوك الإنسانى بقوانين ثابتة بما فى ذلك القوانين الثقافية.
الكتاب محاولة لتبيان ما يشكل خاصية الحداثة، أى الإبداعية البشرية أو التاريخ، فما يميز مجتمعنا المعاصر هو التفطن إلى هذه الخاصية، الذى أسفر عن حداثة يدعوها "الحداثة الفائقة" التى وعت شرطها الإبداعى والتاريخى، إضافة إلى ما خلفته من دمار ومجازر جماعية وعرقية، هذا "الوعى التام والمباشر" هو ما يسم مجتمعات الحداثة الفائقة.
يرى عالم الاجتماع آلان تورين (1925) أن الحداثة القائمة على فكرة العقل مسألة تم التشكيك فيها من قبل مختلف الأطراف، مثلما جرى انتقاد عالميتها المزعومة بسبب عدم تمكن النخبة فيها من التعرف على التجارب الخاصة لمجموعات مثل الطبقة العاملة والمستعمر والنساء والأطفال، يدرك تورين أن هذا يمثل مشكلة لكنه يرفض قبول التنوع البشرى كحل، لأن قبول الاختلاف يعنى أيضًا قبول التعصب والصراع، كما أنه يرفض ما بعد الحداثة التى يعتبرها ببساطة استنفادًا لنفس الحداثة.
يقترح تورين إعادة بناء الحداثة، بدلاً من الحداثة المزدوجة لرينيه ديكارت وإعلان حقوق الإنسان والمواطن التى يرى أن فريدريك نيتشه وسيجموند فرويد والنزعة الاستهلاكية والقومية قد قضت عليها، يريد تورين أن يبنى الحداثة على نضال الفرد من أجل الحرية، وهذا يشمل إرادة الفرد والجماعة للسيطرة على حياتهم، على عكس منطق قوى السوق والسلطة، لذلك فإن حداثة تورين تعترف بالحاجة إلى الذاكرة والانتماء والتى تصبح جزءًا من التطابق مع العقل وتحرير الذات.
يدعونا آلان تورين إلى الانطلاق من جديد من فكرة الحداثة من أجل التفكير فى عصرنا ضد نظام اقتصادى شرس يهدد بالإجهاز على العلوم الاجتماعية، ويعيد بناء تصور عن ذاك الإنسان القادر على تغيير بيئته الاجتماعية وحتى شرطه الإنسانى انطلاقاً من ممارسة الإرادة وتجربتها.
وقد كتب تورين نقده للحداثة فى عدة كتب ومقالات من بينها "الحداثة المتجددة.. نحو مجتمعات أكثر إنسانية"، الذى نقله المترجم جلال بدلة إلى العربية وصدر مؤخرًا عن دار "الساقى"، وجاء فى تقديم الناشر: "الكتاب محاولة لتبيان ما يشكل خاصية الحداثة، أى الإبداعية البشرية أو التاريخ. فما يميز مجتمعنا المعاصر هو التفطّن إلى هذه الخاصية، ما أسفر عن حداثة يدعوها "الحداثة الفائقة" التى وعت شرطها الإبداعى والتاريخي، إضافة إلى ما خلفته من دمار ومجازر جماعية وعرقية. هذا "الوعى التام والمباشر" هو ما يسم مجتمعات الحداثة الفائقة".
يُعتبر تورين من أبرز علماء الجيل الأول الفرنسيين بعد الحرب العالمية الثانية، كان تورين رائدًا فى العمل الميدانى الاجتماعى فى البيئات الصناعية فى فرنسا، وتأثر بعلم الاجتماع الصناعى الأمريكي. كان تورين أستاذ علم الاجتماع فى جامعة نانتير عندما اندلعت الحركة الطلابية فى مايو 1968 فى حرمها الجامعي. راقب تورين الحركة على الأرض وكتب أولى الدراسات عنها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة