يتناول مركز المسبار للدراسات والبحوث فى كتابه "مستقبل التطرف فى أفريقيا.. إرهاب الملاذات الآمنة" التنظيمات الإرهابية فى دول أفريقية عدة، مستكملاً سلسلة دراساته عن الإرهاب فى القارة، بعد عددٍ من الإصدارات، منها: "المسلمون فى جنوب أفريقيا: التاريخ- الجماعات- السياسة" و"الحركات الإرهابية فى أفريقيا: الأبعاد والاستراتيجيات" و"الإسلام فى غرب ووسط أفريقيا" ويسلّط هذا الإصدار الضوء على تنظيمات إرهابية أفريقية قويت بعد سقوط دولة "داعش".
مستقبل التطرف فى أفريقيا
يدرس الكتاب توسع نشاط تنظيمات إرهابية بارزة مثل بوكو حرام (نيجيريا) والشباب المجاهدين (موزمبيق)، وغيرهما من جماعاتٍ نشأت من جذور محليّة، ثم تمددت إقليمياً وعالمياً، وتنازعها الولاء بين داعش والقاعدة، خصوصاً بعد تحول أفريقيا بفعل الفراغ الأمنى فيها إلى ملاذٍ آمن للمتشددين الهاربين من المعارك فى سوريا والعراق.
وشكّل تحول الولاء بين التنظيمين (داعش، القاعدة)؛ ظاهرة جديدة، إذ صارت داعش علامة تجارية يلجأ إليها التنظيم المحلى الأضعف، لمنافسة التنظيم الأقوى المنتمى – غالباً - إلى القاعدة، فى كل دولة أفريقية يحدث فيها هذا الصراع، فمرّت العلاقة بين التنظيمات المحلية بمرحلة معقدة تتأثر بوضعها الخارجي، من حيث العلاقة مع داعش، أو القاعدة.
بدأ الكتاب بدراسة عوامل صعود التطرف العنيف والإسلاموية فى أفريقيا عموماً، ثم تطرق إلى تفسيرات ترتبط بنظرية توافر الحواضن الآمنة فى دول أفريقية عدة، فرّ إليها عناصر تنظيم داعش، إثر سقوط دولته المفترضة فى الموصل العراقية والرقة السورية ولاحقاً درنة الليبية، وشرح الأسباب الدافعة نحو اهتمام التنظيم الإرهابى بالقارة ونشاط الفروع والولايات التابعة له داخلها، وبحثت الدراسات سيرة هذا الصراع، والتحالف بين وكلاء التنظيم والقاعدة، وتأثير ذلك فى بروز قياداتٍ بعينها تنافس الزعامات الإرهابية القديمة، وما تمثله من تحولات ذات مدلول قبائلى وازن.
ساد تصورٌ مفاده أن تراجع قوّة داعش سيؤدى إلى فتور الإرهاب، بيد أنّ التقييم للتهديد الإرهابى فى القارة الأفريقية، يؤشر إلى صعودٍ جديد للتنظيمات الإرهابية، بعد ملاحظة نشوء تيارات محليّة مدرّبة، توظف أجندة تنظيمى القاعدة وداعش -على حد سواء- لتحطيم الدولة ومؤسساتها.
تتداخل عوامل إثنية واجتماعية ودينية وسياسية تعقِّد فهم الظاهرة الإرهابية، وتعدد الولاءات فيها، وصلتها بمسألة الدولة فى أفريقيا؛ مما يجعل دراسة السياقات المحلية وجذورها الممتدة إلى ما قبل عصر الدولة الحديثة مهماً، مع استصحاب سيرة التنظيمات فى فضائها الداخلي، واعتبار العوامل الخارجية المشكلة لها، وظروف التدافع أو التجاذب الداعشي/ القاعدي.
تواجه أفريقيا تهديدات أمنية كبيرة بأثر من صعود التطرف الإسلاموي، أسهم –إلى حد كبير- فى زعزعة استقرارها. سعت الدراسات إلى تحليل هذا العنف الحركى الذى يستفيد من هشاشة الدولة وضعف مؤسساتها الأمنية، إلى جانب حرصه على المشاركة فى الصراع الإقليمى على موارد القارة. لم تغفل الدراسات جذور التطرف الأيديولوجى الإسلاموي، المتمثلة فى الأدبيات الإخوانية التى غزت وسط وجنوب أفريقيا منذ ستينيات القرن الماضي، فناقشت هذه المؤشرات ودلالتها، وسعت إلى فهم الكيفية التى تتعامل بها الدول ذات النفوذ التاريخى الاستعمارى معها.
غطى الكتاب سبل واستراتيجيات التعاون الإقليمى والدولى مع الدول الأفريقية فى مكافحة الإرهاب، بدايةً من جهود الاتحاد الأفريقي، ودول مجلس التعاون الخليجي، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى وروسيا وصولاً إلى الصين.
تقوم الدراسات على فرضية أساسية تشير إلى استعادة الإرهاب لقوته فى عدد من الدول الأفريقية، وهى فرضية تأتى على نقيض ما ذهبت إليه التحليلات السياسية، التى توهّمت أنّ تفكك تنظيم داعش المرحلى يحتم ضعفه وأفوله؛ بل وانحسار الإرهاب. غير أن الوقائع والأحداث فى هذا الكتاب تقود إلى الضد، إذ شكلت مناطق فى أفريقيا ملاذات آمنة لعناصر التنظيم، دخلت فى تحالفات مع تنظيمات متطرفة محلية، ربما تشكل مستقبلاً أيديولوجيا أشد تطرفاً، وتوفر انفتاحاً معرفياً شعبوياً متأهباً لتقبل خطابات المظلومية والأدلجة، التى تزعم حلاً لمعضلة التهميش وعلاجاً لواقع فشل الحكومات الأفريقية؛ بسبب التقاطعات بين الإثنيات والدين والسياسة والاقتصاد، وكذلك الصراع المحموم على الموارد الطبيعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة