"إدارة وحدة وطنية".. شعار يبدو أن الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن فى حاجة إلى أن يرفعه، مع بداية حقبته، حتى يمكنه إنهاء الانقسام غير المسبوق فى الشارع الأمريكى، فى ضوء وجود كتلة قوية داعمة للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، تبدو رافضة تماما لقبول نتائج الانتخابات الأخيرة، مع إصرار الأخير على الترويج لفكرة "التزوير"، والتى يراها قطاع كبير من الشارع السياسى الدولى بمثابة "طعنة" نافذة فى قلب الديمقراطية النابض، ليصبح الحل الأمثل لتجاوز الحالة الراهنة، هو خلق مزيج فى أعضاء الإدارة الجديدة، بحيث تشمل شخصيات من أصحاب الرؤى التى طالما دعمتها الإدارة الحالية.
ولعل الحديث عن حكومات "وحدة وطنية" كان بمثابة "العلاج" الأمريكى للعديد من الأزمات المشابهة فى دول العالم النامى، لمنع الاضطراب الأهلى داخل المجتمعات، وهو ما كان يؤتى ثماره فى أحيان، بينما لم يكن مؤثرا فى أحيان أخرى، فى ظل رغبات أطراف اللعبة السياسية فى تلك الدول الاستئثار بالسلطة، وتهميش خصومهم، وهو ما يضع "واجهة العالم المتحضر" فى اختبار حقيقى بعيدا عن الصورة التى طالما روجت لها واشنطن، وبالأخص الحزب الديمقراطى، الذى يسعى دائما ليضع نفسه فى صورة "السباق" فى دمج كافة الفئات.
فلو نظرنا للإدارات الديمقراطية، نجد أن ثمة حرصا شديدا من قبل القائمين عليها، على تحقيق نقاط سياسية، عبر ما يمكننا تسميته بـ"لعبة السبق"، والتى تقوم فى الأساس على الأسبقية فى دمج فئات مجتمعية، ولكنها فى حقيقتها تحمل نفس الأفكار المؤسسية للحزب الديمقراطى، فأصبح التغيير شكلى أكثر منه جوهرى، على غرار ترشيح شيرلى تشيولم، لتكون أول نائبة سمراء بالكونجرس فى عام 1969، أو بعد ذلك باراك أوباما، ليكون أول أمريكى من ذوى الأصول الأفريقية رئيسا للولايات المتحدة، أو حتى فى الإدارة الحالية، عبر ترشيح كامالا هاريس فى منصب نائب الرئيس، لتكون أول امرأة، وكذلك أول شخصية من ذوى أصول أجنبية فى المنصب، إلا أن كافة الاختيارات، وإن اختلفت فى شكلها، لتقدم نموذج الاختلاف، فإنها فى واقع الأمر خضعت لمعايير الاختيار التقليدية، وبالتالى لم تقدم جديدا.
وهنا أصبح النموذج السياسى الذى قدمه ترامب ملهما، لأنه يمثل التغيير الذى يتوق له المواطن الأمريكى، بعيدا عن الأفكار التقليدية، والحسابات السياسية، فكان رهانه على المواطن العادى، قبل أن يكون على حسابات السياسة والحزب الجمهورى، وهو الأمر الذى يفسر تخلى قطاع كبير من حزبه عنه فى معتركه الانتخابى، بل ومطالبتهم له بالتنازل لخصمه الديمقراطى.
والحاجة لإدارة وحدة وطنية ربما أدركها بايدن وفريقه، عندما اختار سيندى ماكين، وهى زوجه السيناتور الجمهورى التاريخى جون ماكين، والذى توفى فى 2018، لتشغل منصب سفيرة بلاده فى العاصمة البريطانية لندن، وإن كان الاختيار نفسه لا يبتعد عن حسابات السياسة، فى ظل الثأر بين عائلة ماكين والرئيس ترامب، إثر انتقادات الأخير اللاذعة للسياسى الأمريكى الشهير، والتى امتدت إلى ما بعد وفاته، لتعلن بعدها زوجته دعمها لبايدن، مما ساهم فى فوزه بولاية أريزونا ذات التوجه الجمهورى لعقود طويلة من الزمن، ليحمل اختيارها فى طياته، بحسب رؤية البعض، محاولة ضمنية لتعزيز الانقسام داخل الحزب الجمهورى، بعيدا عن فكرة توحيد الأمريكيين.
يبدو أن توحيد الأمريكيين هو العقبة الأكبر فى طريق جو بايدن، مع بداية ولايته، وبالتالى تبقى اختياراته مهمة للغاية، فى ظل ما تقدمه من مؤشرات على مدى قدرته على استعادة حالة التوحد التى طالما تباهت بها الولايات المتحدة، فى ظل انقسام، يبدو التقارب الشديد فى الأصوات التى حصل عليها الخصمين الرئاسيين، دليلا واضحا عليه، وربما يحمل تداعيات كبيرة فى المستقبل.