كانت الساعة الثانية صباح يوم 12 فبراير، مثل هذا اليوم، عام 1970 حين قامت إسرائيل بشن غارات وحشية بطائرات الفانتوم على مصنع «أبوزعبل»، فسقط من عماله 88 شهيدا و150 جريحا، حسبما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر فى خطابه يوم 1 مايو 1970 أمام العمال فى منطقة شبرا الخيمة، حيث شارك الرئيس العمال احتفالاتهم بعيدهم فى هذه المنطقة القريبة من «أبى زعبل».
قبل هذا العدوان الإسرائيلى الإجرامى الذى وقع ضد مدنيين، كان الجيش المصرى يواصل عملياته البطولية فى حرب الاستنزاف ضد الجيش الإسرائيلى، وكان يوم 11 فبراير 1970 على موعد مع عملية «الشلوفة» وهى عملية بطولية نفذتها سرية مشاه مصرية، وحسبما جاء فى البيان العسكرى المنشور فى الصحف المصرية عنها، فإنها أسفرت عن تدمير 3 مدرعات بمن فيها، والخسائر لا تقل عن 20 قتيلا وجريحا، وعادت القوة المصرية إلى مواقعها ومعها أسيران من الجنود الإسرائيليين.
كانت عملية «الشلوفة» التى لم تخسر فيها قواتنا أى جندى، ووفقا لقائدها الضابط «مجدى ناجية» فى حواره لجريدة «وطنى - 8 أكتوبر 2014»: «كانت العملية فضيحة مدوية أفقدت توازن القيادة الإسرائيلية».
بعد ساعات من العملية وفى الساعة الثانية صباحا يوم 12 فبراير 1970 شنت إسرائيل غارتها الإجرامية على مصنع أبوزعبل، أى خارج خطوط القتال.. وفى يوم 15 نوفمبر قال عبد الناصر: «نحن ندرس الغارة على مصنع أبو زعبل، وإذا أصبحت المسألة ضرب مصانع، فلن تكون مصانعنا وحدها معرضة للضرب.. وما حدث فى أبى زعبل يجسد الصراع بيننا وبين العدو، ويجسد حقائق الصراع، ومعانى الصراع، وأهداف الصراع».
كان الحدث هو محور خطابه أمام عيد العمال يوم 1 مايو 1970، وقال فيه: «لقد قصدت أن أحضر عيد العمال معكم هنا فى شبرا الخيمة، فى المنطقة الصناعية الكبرى التى تمثل «أبو زعبل» قطعة منها، وامتدادا عضويا لها، أردت ذلك لأنه ما من شىء يشرح الحقيقة فيما نمثله، وفيما ندافع عنه وفيما نقاتل من أجله، كذلك المثل الأعلى الذى نستطيع أن نستلهمه من هنا، ونتحقق من صحته وصدقه على الطبيعة، فى هذه البقعة المكافحة من أرض مصر الخالدة».
وأضاف: «بجوارنا فى «أبو زعبل»تقوم الشركة الأهلية للصناعات المعدنية بـ«أبو زعبل»، تكلف هذا المصنع حوالى 5 ملايين جنيه، دفعها الشعب المصرى الذى عاش طول عمره يبنى للسلام وللحضارة وللحرية، يعمل فى هذا المصنع 2000 عامل، أجورهم فى السنة حوالى مليون جنيه، يرعون أو يعولون 2000 أسرة طيبة عاملة مكافحة، مصنع ناجح يتصل العمل فيه ثلاث ورديات، تستغرق كل الـ24 ساعة فى اليوم، ينتج هذا المصنع 75 ألف طن من حديد التسليح الذى يستخدم فى البناء، وبالتالى فإن المصنع كله يكاد أن يكون رمزا حيا لأمل التشييد والبناء والتعمير، هذا هو المصنع الذى بنيناه، وعملنا فيه، ووجهنا طاقته الى خدمة الحياة، نحن نبنى طاقة الحياة والأمل والحرية، والعدو يفجر القوى المدمرة للقتل والحريق والخراب».
انتقل «عبدالناصر» فى خطابه إلى سرد قصة الغارة الإجرامية التى شنتها إسرائيل على المصنع، والخسائر التى أسفرت عنها، قائلا: «صباح يوم 12 فبراير الماضى، فجأة وعلى ارتفاع منخفض، تسللت طائرات الفانتوم التى أرسلتها أمريكا لإسرائيل سنة 1969، تسللت وتوجهت إلى هذا المصنع بنيرانها، بالصواريخ وقنابل النابلم، والقنابل الموقوتة زمنيا، وبعد دقائق أيها الإخوة كان أحد العنابر الرئيسية فى هذا المصنع صورة للدمار والموت، وكانت الخسارة تقدر بـ350 ألف جنيه، وكانت الخسارة 88 شهيدا و150 عاملا جريحا، والآلات التى كانت فى هذا العنبر تحطمت، ومزقتها الإنفجارات».
جاء هذا الاعتداء الغاشم فى سياق يتحدث عنه الكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «اليوم السابع.. الحرب المستحيلة حرب الاستنزاف»، بأنه بمجرد أن بدأت تقارير المخابرات الإسرائيلية تتحدث عن دلالات شحن السلاح السوفيتى الجديد إلى مصر، والذى جاء فى أعقاب زيارة سرية قام بها جمال عبد الناصر إلى موسكو، بدأت إسرائيل تتصاعد بغارتها ضد المدنيين فى العمق المصرى، لتتخذ طابعا هستيريا ومحموما، وفى سباق إسرائيل مع القوت لمنع الصواريخ الجديدة من اتخاذ مواقعها للخطة المصرية «بناء حائط صد الصواريخ»، يذكر محمود عوض أن موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى خرج ليقول فى تبريره لهذه العمليات: «نحافظ على معنويات الشعب الإسرائيلى وتقويض الزعامة السياسية والعسكرية فى مصر»، غير أنه أمام الإدانات الدولية لجريمة «أبو زعبل» اضطرت إسرائيل إلى الزعم بأن الغارات وقعت بطريق الخطأ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة