لم تنهب اسرائيل الأرض فقط، بل نهبت التراث أيضا، سرقت الكتب العربية والمكتبات الفلسطينية وراحت تنشئ بها مكتبتها الإسرائيلية الوطنية، هذا ما يشير إليه كتاب "بطاقة ملكية" الإسرائيلي.
يكشف جيش عميت فى كتابه "بطاقة ملكية: تاريخ من النهب والصون والاستيلاء فى المكتبة الوطنية الإسرائيلية" الذى ترجمه للعربية علاء حليحل، وصدرعن مدار" ــ رام الله ـ فلسطين، والأهلية للنشر والتوزيع ـ عمان ـ الأردن الكتاب فى الأصل رسالة دكتوراه، الكثير من المعلومات والحيثيات التى رافقت ثلاث "عمليات" كبيرة ضلعت فيها المكتبة الوطنية الإسرائيلية، من أجل زيادة مخزونها من الكتب وترقية مكانتها العلمية والبحثية.
هذه الحوادث هى جلب أكبر كمية ممكنة من الكنوز الثقافية اليهودية التى خلفها يهود أوروبا والاستيلاء بطرق ملتوية وجنائية على الكنوز الثقافية والدينية التى جلبها معهم يهود اليمن فى هجرتهم إلى إسرائيل الفتية، وعملية جمع عشرات آلاف الكتب من المكتبات الفلسطينية فى القدس بعد احتلالها فى النكبة.
واللافت أن هذه القضايا الثلاث تتشابه فيما بينها بإصرار إدارة المكتبة الوطنية على الاستيلاء على هذه الكتب القيمة، بأى ثمن، ما يسقط الضوء على الصراعات الداخلية والخارجية التى رافقت هذه العمليات الثلاث، وهى صراعات تشهد بقوة على تداخل البحث الأكاديمى بالسياسة والحرب والقوة، إلى جانب الخداع والتضليل والتنافس المحموم.
وتكشف حيثيات الكتاب على نحو جلى استراتيجيات النهب وآليات إخفائه وكبته بل وتمويهه وتقديمه كعمل جليل منحاز للمعرفة، وتفكك هذه الاستراتيجيات عبر الكشف عن مصائر الثروة الثقافية المنهوبة، وتعرية ما تخفيه ذرائع النهب من استعلاء استشراقى فجّ يتجاهل الضحية ويقلل من جدارتها بما تمتلكه، مع إلقاء الضوء على الصراعات الداخليّة والخارجيّة التى رافقت عمليات النهب هذه، وهى صراعات تشهد بقوّة على تداخل البحث الأكاديمى بالسياسة والحرب والقوّة. يثير الكتاب قضايا شائكة فى تاريخ المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة وتاريخ أكاديميّيها وباحثيها المؤسّسين، حتى قبل قيام إسرائيل، وهو يفعل ذلك بمهنيّة عاليّة ودراسة بحثيّة معمّقة، ما يجعل قراءة هذا الكتاب أمراً ضرورياً لكلّ دارس ومهتمّ بتاريخ الصراع السياسى والثقافى بين إسرائيل والفلسطينيّين من جهة، ولكلّ دارس ومهتمّ بتاريخ تجذّر الصهيونيّة فى فلسطين، على اختلاف توجّهاتها.
وقد تعرض الباحث والكاتب الفلسطينى أحمد الدبش لقراءة الكتاب حيث يشير إلى إيضاح المؤلف أن فكرة ولادة المكتبة الوطنية تعود إلى عام 1892 "بمبادرة يوسف حزنوفتش (1844 ـ 1919)، وهو طبيب وعضو حركة "حوفقيه تسيون" (محبى صهيون) وفى عام 1925 تأسست الجامعة العبرية، التى بسطت رعايتها على المكتبة الوطنية"
وتناول المؤلف فى هذا الفصل كتب ضحايا المحرقة وإعادة توزيعها بعد الحرب العالمية الثانية، يقول "مع صعود النازية للحكم اجتاحت ألمانيا عدائية للكتاب والكتب والناشرين وحوانيت الكتب، وشملت هذه النشاطات اعتقال أدباء وحبسهم، ومصادرة منهجية للأدب الماركسى وتدمير الأدب الإباحى ونهب الكتب من الحوانيت التى كانت بملكية اليهود".
و"عند انتهاء الحرب كانت ملايين الكتب والمكتبات الثقافية التى نهبها النازيون متوزعة على طول القارة برمتها، جزء كبير من الممتلكات لم يكن تابعا لليهود بل الكنائس والشيوعيين وأعداء آخرين للنظام النازي".
وفى الفصل الثانى يتفحص المؤلف فى هذا الفصل، "قضية جمع عشرات آلاف من الكتب الفلسطينية فى حرب 1948، وخصوصا من أحياء القدس الغربية، وتحويلها إلى جزء من مجموعات المكتبة الوطنية" فيقول:
"بين ديسمبر 1947 وسبتمبر 1949، فر أو طرد من بيته 600.000 ـ 700.000 فلسطيني، كانوا يسكنون فى المدن وفى 440 قرية احتلها اليهود إبان حرب 1948 لم تحظ الكارثة التى ألحقتها الحرب بالثقافة الفلسطينية حتى الآن إلا باهتمام محدود، فبين (مايو) 1948 ونهاية فبراير 1949، جمع عمال المكتبة الوطنية نحو 30.000 كتاب وصحيفة ومخطوطة خلفها من ورائهم فلسطينيون من سكان القدس الغربية زد على ذلك أن عمال الوصى على أملاك الغائبين جمعوا فى عام 1948 والأعوام التى تلته، نحو 40.000 كتاب من مدن يافا وحيفا وطبرية والناصرة وأماكن سكنية أخرى، كانت غالبية الكتب تعليمية جمعت من مؤسسات ومدارس، وحفظت فى مخازن أقيمت لهذا الغرض فى حيفا ويافا والناصرة والقدس.
الكثير من هذه الكتب بيع مجددا للمدارس العربية، ونحو 100 منها نقلت عام 1954 إلى قسم علوم الشرق فى المكتبة الوطنية، فيما جرى القضاء على 26.315 كتابا، حين قرر الوصى على أملاك الغائبين عام 1957 أن "هذه الكتب لا تلائم المدارس العربية فى البلد وأيضا لأن قسما منها احتوى على مواد مناهضة للدولة، ويمكن لنشرها أو تسويقها أن يلحق الضرر بالدولة".
عند انتهاء الحرب كانت ملايين الكتب والمكتبات الثقافية التى نهبها النازيون متوزعة على طول القارة برمتها. جزء كبير من الممتلكات لم يكن تابعا لليهود بل الكنائس والشيوعيين وأعداء آخرين للنظام النازي
ومنذ مارس 1948 أسست الهاغاناه "لجنة الممتلكات العربية فى القرى" بغية مصادرة ممتلكات الفلسطينيين، شملت أعمال المصادرة والنهب الكتب والتحف الأثرية.
وكتب بن جوريون فى يومياته: "زرت برفقه ساسون المكتبة العربية التابعة لدولة إسرائيل فى يافا، لقد جمعوا عشرات آلاف الكتب العربية. يعمل هناك تسيماح ود. يسرائيل بن زئيف. لم يقوموا بعد بتصنيف وتسجيل الكتب يواصلون التجميع".
وفى 26 يوليو 1948 تم جمع نحو 12.000 كتاب وتزيد، قسم كبير من مكتبات الأدباء والمثقفين العرب موجود الآن فى مكان آمن، وهناك بضعة أكياس من المخطوطات التى لم تتضح قيمتها بعد، موجودة بحيازتنا أيضا. يعود مصدر غالبية الكتب إلى القطمون".
و"بين مايو 1948 وفبراير 1949 جمع فى القدس نحو 30.000 كتاب كانت بملكية فلسطينية خاصة، غالبيتها بالعربية وبعضها بالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، وقد جمعت أيضا آلاف الكتب التى كانت تابعة لمؤسسات تربوية وكنائس.
وقد كانت الكتب متنوعة ومختلفة: القضاء الإسلامى، الشريعة الإسلامية، تفسيرات القرآن، الأدب المترجم من لغات أجنبية، القليل من الأدبيات العلمية، التاريخ والفلسفة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة