- هوس الخلافة تمكن من أردوغان بالرغم من التاريخ الدموى الأسود للعثمانيين
- يوسف القرضاوى مفتى الإرهاب قال إن الله سيساعد أردوغان ليخرج منتصراً ويبرر الاستعمار التركى الذى دمر البلاد الإسلامية وغير الإسلامية التى احتلها
- الرئيس التركى يكذب ويتجاهل أن الإمبراطورية الاستعمارية العثمانية لم تكن بيئة أمن وسلام للشعوب والبلاد التى احتلتها
لم يكن مؤتمر كوالالمبور هو المحاولة الأولى لرجب طيب أردوغان لأن يكون زعيماً للمسلمين، ولن تكون الأخيرة، ففى ماليزيا حاول بكل جهده أن يعيد توحيد الدول ذات الأغلبية من المسلمين تحت رايته، راية «الإسلام الإخوانى».
صحيح أن هذا المؤتمر فشل فشلاً ذريعاً، لكن هذا لا يعنى أن مخططه سوف يتوقف.
فالرجل يحلم ويخطط وينفذ منذ زمن طويل خطته لأن يكون خليفة المسلمين، أن يستعيد ما يسميه «المجد العثمانى»، فهو من قال من قبل: تركيا أكبر من تركيا؛ لا يمكن أن نكون محاصرين داخل 780 ألف كيلومتر «المساحة الإجمالية لتركيا» لأن حدودنا المادية تختلف عن الحدود فى قلوبنا، إخواننا فى الموصل، كركوك «فى العراق»، فى الحسكة، حلب، حمص «فى سوريا» قد تكون مصراتة «فى ليبيا»، سكوبيه «فى جمهورية مقدونيا»، وشبه جزيرة القرم «فى الاتحاد الروسى» والقوقاز خارج حدودنا المادية، ولكنهم جميعًا داخل حدود قلوبنا.
وأضاف: «لقد جعل أسلافنا من أى مكان الناس ينعمون بالازدهار، لدينا تقاليد الدولة التى أرست بيئة آمنة وسلاما فى جغرافية واسعة، تمتد من أوروبا الوسطى إلى أفريقيا لقرون».
بالتأكيد هو يكذب فالإمبراطورية الاستعمارية العثمانية كما سأثبت لاحقاً لم تكن أبداً بيئة أمن وسلام للشعوب والبلاد التى احتلتها، لكن أردوغان ورفاقه لن يتوقفوا عن الأكاذيب التى يعتقد أنه يمكن أن يخدع بها المسلمين. ولن يتوقف عن تنفيذ مشروعه الإمبراطورى على الأرض.
مركز الأبحاث الاستراتيجية لتركيا الذى يرأسه المستشار العسكرى الرئيسى لأردوغان، عدنان تنريفردى، نظم «مؤتمر الاتحاد الإسلامى الدولى» كل عام حتى عام 2023، لتوحيد «الدول الإسلامية».
شارك فى هذا المؤتمر الدائم منظمات تركية مثل رابطة محامى العدالة (ASDER)، وجامعة Üsküdar فى اسطنبول (ÜÜ)، واتحاد المنظمات غير الحكومية فى العالم الإسلامى (UNIW)، جمعية العلماء المسلمين الدولية (UMAD) والاتحاد الدولى لعلماء المسلمين (IUMS).
أعلن المشاركون فى المؤتمر الأول أن هدفهم إنشاء «قوة عظمى إسلامية» مستقبلية على الأراضى الإسلامية التى تملكها 60 دولة إسلامية، يقطنها 1.6 مليار مسلم، على 19 مليون كيلومتر مربع.
اقترح نائب وزير المالية التركى نور الدين النباتى أن يترأس هذه الكونفدرالية الإسلامية المخطط له «الإمام القائد للأمة الإسلامية» أردوغان، وتساءل «هل هناك أى شخص ستكون قوته كافية لهزيمة اردوغان الذى يعتمد على الله؟».
فى المؤتمر الأول تمت صياغة دستور نموذجى، يقول إن عاصمة الكونفدرالية الإسلامية هى اسطنبول. والسيادة «تنتمى إلى الشريعة الإسلامية»؛ وعلى كل دولة إسلامية أن تنشئ «وزارة الاتحاد الإسلامى» داخل مجلس وزرائها. ومن المتوقع أن تكون أربع دول أوروبية أعضاء هى ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا.
يؤكد قادة حزب العدالة والتنمية أن الحديث حول العودة إلى أمجاد الخلافة العثمانية، لا يعنى العودة إلى سياساتها وتكتيكاتها حرفيًا، إنما الحفاظ على الثقافة والتراث العثمانى الذى لا يمكن إنكاره؛ من خلال أدوات العصر الحديث، فهو أشبه بمحاولة الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
يصف أردوغان حزب العدالة والتنمية بأنه: «حزب محافظ وديمقراطى بمعنى أننا نحافظ على عادات وتقاليد وثقافة الأمة التركية ونسعى لتطبيق ديمقراطية قوية ومتطورة لا تقل عن الديمقراطيات المتطورة فى العالم».
وحول الاتهامات التى توجّه للحزب عن أطماعه الاستعمارية خارجيًا، وسياساته الاستبدادية للتفرّد بالسلطة داخلياً، يقول أحمد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا الأسبق: «لماذا حين تحاول أوروبا بأكملها العمل على توحيد دولها وإزالة الحدود بينها، لا تُنعَت بأنها «الإمبراطورية الرومانية الحديثة» أو «الرومانيون الجدد»، فى حين أننا حين ننادى للجمع بين مَن عاشوا تحت لواء دولة واحدة من قرن مضى، نصبح «العثمانيون الجدد»؟.
بالطبع الإجابة هى أن أوروبا لا تفعل ذلك على أساس دينى، فهى لا تدعو إلى وحدة العالم المسيحى، ولا تحلم باستعادة إمبراطورياتها الاستعمارية القديمة، بل وتبرأت منها، فلا تجد أحدا اليوم يتغنى بمجد الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية التى لا تغيب عنها الشمس ولا يحلم باستعادتها.
ولو فعلت إنجلترا هذا سوف نتهمها بالجنون. فى حين أن الإسلاميين الأتراك يفعلون ذلك مجدداً باسم الإسلام، أى على أساس دينى. والإسلام كان راية وأداة للعثمانيين فى بناء إمبراطوريتهم الاستعمارية التى احتلوا خلالها ليس فقط بلداناً غير إسلامية، بل استعمروا أيضاً بلدانا إسلامية!! .
وكان أولى بالإسلاميين فى تركيا أن يعتذروا للعالم عن الجرائم التى ارتكبتها تلك الإمبراطورية أثناء احتلالها بلاداً وشعوباً أخرى، بدلاً من الفخر بها.
هذا الحلم باستعادة الإمبراطورية العثمانية كانت له العديد من المؤشرات الواضحة منها صورة لأردوغان فى استقبال الرئيس الفلسطينى «محمود عبّاس»، مع مجموعة من الجنود مرتدين بملابس عثمانية، يمثلون 16 حارسًا للدول والشعوب التى حكمها الأتراك إبان حكم الإمبراطورية العثمانية.
هذا المشهد تكرر مرة أخرى، لدى استقبال أردوغان لنظيره الأذربيجانى إلهام علييف. كما أطلق أردوغان على الجيش التركى الذى غزا واحتل أراضى سورية «الجيش المحمدى» وودعوه بالموسيقى العسكرية للفرقة الانكشارية الدموية وهى كانت جزء من جيش الإحتلال العثمانى، كما تم الدعاء للجيش فى 90 ألف مسجدا بالانتصار، وذلك بقراءة سورة الفتح من القرآن الكريم!
ظهر أردوغان خلال الاحتفال بالذكرى السنوية 562 لغزو العثمانيين للقسطنطينية «إسطنبول»، وسط 478 رجلًا من الجيش التركى، وكانوا جميعًا يرتدون الزى العسكرى العثمانى، أطلق عليهم اسم «كتيبة الفتح العثمانى»، وانضم إليهم الفرقة العسكرية العثمانية المعروفة باسم «مهترخانة»، المؤلفة من 84 عازفًا.
شيد أردوغان قصراً إمبراطوريا أسماه القصر الأبيض الذى أطلقت عليه وسائل الإعلام التركية «قصر السلطان»، بتكلفة بلغت أكثر من 600 مليون دولار، حيث تبلغ مساحته 200 ألف متر، ويحتوى على 1000 غرفة وتزيد مساحته 30 مرة عن مساحة البيت الأبيض الأمريكى، كما أنه أكبر من قصر فرساى الشهير فى فرنسا.
أدانت المعارضة القصر واعتبرته ترفا مبالغا فيه، وقالت إن أردوغان ينحدر نحو الحكم السلطوى، إنه يخطط لنقل العاصمة من أنقرة إلى إسطنبول. اسطنبول هى العاصمة الأخيرة للإمبراطورية العثمانية.
كما أطلق اردوغان اسم مؤسس الدولة العثمانية «عثمان غازى» على جسر بإسطنبول، قائلاً بفخر: إطلاق هذا الاسم كان للدور العظيم للسلطان عثمان فى تأسيس الدولة «الإسلامية» العثمانية، وهذا المشروع هو استكمال فى طريق «الحضارة» الذى بدأه السلطان عثمان.
فهو يعتبر أن هذه الإمبراطورية الاستعمارية «إسلامية» ويكذب ويقول إنها كانت طريقا لـ«الحضارة» وليس للخراب.
وافقت رئاسة الشؤون الدستورية بالبرلمان التركى على اقتراح نواب حزب العدالة والتنمية بإعداد شعار رسمى جديد للجمهورية، هو ذاته شعار الإمبراطورية العثمانية المعروف بـ«الطغراء».
ينص مشروع القانون الجديد الذى اقترحه نواب من الحزب الحاكم على عودة شعار الدولة العثمانية مرة أخرى بعد أن ألغى عام 1922 بسقوط الخلافة العثمانية.
بعد الانقلاب المزعوم أصبحت هذه الرغبة لاستعادة الإمبراطورية القديمة أكثر وضوحاً. فقد قابل أردوغان فى باريس شخصيات من السلالة العثمانية المقيمة فى فرنسا. وانتقد الرئيس التركى عداء البعض لـ«تاريخ السلطان عبد الحميد الثانى الحافل بالإنجازات».
ويضيف: «هناك من يعمل بإصرار على أن يبدأ تاريخ تركيا من 1923 «تاريخ تأسيس الجمهورية التركية»، وهناك من يبذل قصارى جهده لانتزاعنا من جذورنا وقيمنا العريقة».
وقال : «بالنسبة لهؤلاء، الجمهورية التركية حديثة الظهور ولا تمثل امتدادًا للسلاجقة والعثمانيين، الذين وجهوا النظام العالمى طيلة ستة قرون».
يغيب عن أردوغان أن هذه الإنجازات ليست أكثر من احتلال شعوب وبلدان أخرى من جانب السلطان عبد الحميد وغيره من سلاطين الإمبراطورية الاستعمارية العثمانية، وأنه عليه هو والإخوان وعموم الإسلاميين التبرؤ من هذه الجرائم، بدلاً من الإصرار على استعادتها.
لكنهم لن يفعلوا، لأن ذلك هو جوهر مشروعهم «الإسلامى الإخوانى»، دولة إسلامية ومن بعدها «أستاذية العالم»، مشروع «الإسلام دولة وخلافة».
التعاون بين إخوان تركيا والإخوانى الرئيس السودانى السابق عمر البشير، أثمر الكثير ومنه وجود قاعدة عسكرية تركية فى جزيرة سواكن، ووقتها قال رئيس لجنة الإعلام فى البرلمان السودانى الطيب مصطفى، إنهم يتمنون إزالة الحدود بين الدول الإسلامية لتعود الخلافة العثمانية.
وأوضح أن تلك الحدود صنعتها اتفاقية «سايكس بيكو» لتمزيق العالم الإسلامى الذى قال إنه لم يتفتت إلا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية.
هذا بالطبع غير صحيح، فالعديد من الشعوب التى خضعت لسيطرة هذا الاحتلال، لم تر فيها سوى حكم غزاة مستعمرين جاءوا لنهب ثروات بلادهم وسرقة مواردها. ومن بين هذه الشعوب، الشعب السودانى الذى قاوم قهر الغزاة الأتراك ببسالة وشراسة، حتى استطاع دحرهم وطردهم من البلاد بواسطة الثورة المهدية فى عام 1885.
فكان هدف الاحتلال التركى للسودان ليس نشر الإسلام، كما يزعمون، بل كان هدفه الواضح والمعلن هو جلب العبيد والذهب.
بالإضافة إلى نهب ثروات السودان الحيوانية من الجمال والأبقار وريش النعام والعاج إضافة للمحاصيل الزراعية، وأرهقوا السكان بالضرائب الباهظة التى يتم إرسالها لمصر وبعدها لـ«الباب العالى»، «تركيا العثمانية».
قال وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو، إن بلاده مسؤولة عن «كل ملهوف ومظلوم فى العالم، وعن مليارين من أمتنا الإسلامية وليس فقط 80 مليونًا من مواطنينا. نحن مسؤولون عن الناس الذين يموتون فى جنوب السودان والصومال وجنوب شرق إفريقيا.
هل هناك من يتعاطف ويقدم المساعدات الإنسانية أكثر منا؟». وتساءل قائلا: «هل ترون الدول الإسلامية؟ وهل رأيتم بلدًا إسلاميًا آخر تحرك من أجل إنقاذ 45 ألف إنسان من حلب غير تركيا؟».
دعا زعيم حزب «الحركة القومية» التركى المعارض وحليف أردوغان، دولت باهجلى، إلى «عدم ترك القدس لمصيرها»، قائلا إنه «قبل 100 عام كنا قد اضطررنا لترك القدس، إلا أننا لن نتركها لمصيرها هذه المرة، وينبغى علينا ألا نتركها».
وأضاف: «فى حال سقطت القدس فإن التاريخ سيسقط، وسيتعرض الإسلام للضعف، وستخسر أنقرة، وستحترق إسطنبول، ولا يحق لأحد أن يفعل ذلك».
ستلاحظ هنا الأرضية المشتركة بين الإسلاميين والقوميين فى تركيا، والقوميون هم امتداد أتاتورك. فالقومية التركية تستند إلى الإسلام السياسى. هذا يفسر أن أردوغان ومن معه، تخرج معظمهم من المدارس الدينية التى أسسها أو رعاها أتاتورك الذى يقول الإسلاميون كذباً إنه علمانى ضد الإسلام. إردوغان أعاد ترتيب الدولة التركية «الإسلام والخلافة أولا والقومية ثانياً، فى حين كان ترتيب أتاتورك القومية أولا والإسلام ثانياً».
لذلك فهم يعتقدون أن قوة «الإسلام» فى قوة الإمبراطورية العثمانية القديمة، ولا يمكن أن يكون الإسلام قوياً إلا بأن يستعيدها الخليفة الجديد أردوغان.
دعك من الطلاء الحانى الذى يحاول الإسلاميون لصقه بـ«الخلافة العثمانية»، فلم تكن سوى إمبراطورية استعمارية. لكن حمى استعادتها تحتاج الكثير من الأكاذيب.
الدكتور على محيى الدين قره داغى، الأمين العام للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، يقول: «يكفى العثمانيون شرفاً وثواباً أنهم كوّنوا حضارة إسلامية عظيمة ونشروا الإسلام وحافظوا على أرض فلسطين المباركة، ولم يتنازلوا عن ذرة من ترابها وكلام السلطان عبد الحميد خير شاهد».
هذا الهوس وصل إلى الشباب، قالت «مؤسسة شباب تركيا» الموالية للحكومة، فى بيان هو أغرب من الخيال: «إن الأذان هو تجديد عزمنا على التغلب على روما ونيويورك وبكين وطوكيو وموسكو وبرلين وباريس واستكمال غزونا غير المكتمل لفيينا»، فى إشارة إلى المحاولات العثمانية الفاشلة لغزو العاصمة النمساوية.
إنه هوس استباحة الشعوب، واعتبار احتلالها حلالا، وطبيعى أن يكون مبنيا على أكاذيب، الكذبة الأولى التى تتجاهلها مؤسسة شباب تركيا أنها كانت احتلالا.
الكذبة الثانية «الحضارة الإسلامية»، والحقيقة أنه لا توجد هذه الحضارة من الأساس فالغزاة العثمانيون استولوا على المنتجات الحضارية للشعوب التى احتلوها، ونسبوها لأنفسهم ولدينهم.
ولعل القارئ الكريم يتذكر أن أول ما فعله العثمانيون عندما استعمروا مصر هو ترحيل كل أصحاب المهن والحرف البارزين إلى «الأستانة»، فهؤلاء لصوص حضارة وليسوا صانعوا حضارة.
الكذبة الثالثة هى أنهم نشروا الإسلام، فعندما احتل العثمانيون مصر وبلاد الشرق الأوسط بالسلاح كان حكامها مسلمين وأغلب أبناء شعوب المنطقة مسلمين. فهل منطقى أن يدعوهم الغزاة العثمانيون من جديد إلى الإسلام؟! ثم هل أمرنا الله أن نحتل شعوبا ونجبرها بالقوة على الإسلام؟!
قال أيضاً يوسف القرضاوى أحد الآباء الكبار لجماعة الإخوان، والرئيس السابق للاتحاد الدولى لعلماء المسلمين: «الله سيساعد أردوغان ليخرج منتصراً على مؤامرات الغرب طالما أن المسلمين الحقيقيين يقفون معه».
هى نفس الأكاذيب التى يرددها أردوغان، هذا الاتحاد تموله قطر حليف تركيا فى تمكين الإخوان من حكم الشرق الأوسط، لذلك هو يبرر الاستعمار التركى الذى دمر البلاد الإسلامية وغير الإسلامية التى احتلها، فلم يكن أبداً هدفه نشر الإسلام ولكن نهب الثروات، كما لم يكن لهذا الاستعمار البغيض أى مظهر حضارى. وحتى لو صدقنا أن هدفهم كان نشر الإسلام، فليس من حقهم أبداً نشره بالسلاح، فهذه جريمة ضد الإنسانية من الصعب أن يقبلها ضمير أى مسلم.
أعاد وزير الخارجية الإماراتى عبد الله بن زايد نشر تغريدة تقول: هل تعلمون (أنه) فى عام 1916 قام التركى فخرى باشا بجريمة بحق أهل المدينة النبوية فسرق أموالهم وقام بخطفهم وجعلهم يركبون قطارات إلى الشام وإسطنبول برحلة سميت (سفر برلك) كما سرق الأتراك أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة وأرسلوها إلى تركيا؟».
رد عليه أردوغان بعجرفة: «حين كان جدنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة، أين كان جدك أنت أيها البائس الذى يقذفنا بالبهتان؟». وأضاف: فخر الدين باشا أرسل الأمانات المقدسة العائدة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى إسطنبول، برفقة 2000 جندى، على خلفية تضييق البريطانيين حصارهم على منطقة الحجاز. وإمعاناً فى الكيد السياسى أصدرت السلطات المحلية فى أنقرة قراراً بتغيير اسم الشارع الذى فيه سفارة الإمارات العربية المتحدة، من «شارع 613» ليصبح «شارع فخر الدين باشا».
الحقيقة أن ما حدث هو صراع بين إمبراطوريتين استعماريتين، العثمانية والبريطانية. والحقيقة أن شعوب المنطقة لم تطلب من العثمانيين حمايتهم، فالعثمانيون كانوا يدافعون عن إمبراطوريتهم ومستعمراتهم، ولم يكونوا يدافعون عن «المقدسات الإسلامية»!
هذا التفاخر بهذه الإمبراطورية العثمانية متغلغل فى مؤسسات الدولة التركية، فى الجامعات ومراكز الأبحاث والإعلام.. إلخ. تسمى إحدى الدراسات الإمبراطورية العثمانية «آخر نسخ الخلافة الإسلامية».
وتؤكد الدراسة أن الذين يرفضون هذه الإمبراطورية الاستعمارية هم الذين يبحثون عن رضاء الغرب. وزعم أن هذه الإمبراطورية الاستعمارية كان لها إنجازات كثيرة، منها الحماية العسكرية مما أسمته «الحملات الصليبية» أى الغرب. وهذه الحماية تمثلت فى استعمار بلدان وشعوب أوروبية فى كوسوفو وغزو القسطنطينية وقبرص وغيرها.
يتجاهل صاحب الدراسة ما حدث فى مصر على سبيل المثال، لقد تم احتلالها مرة من فرنسا وثانية من بريطانيا وهى تحت الاحتلال العثمانى، كما يتجاهل ما هو أهم وهو أن العثمانيين كانوا يحاربون دفاعاً عن إمبراطوريتهم وليس دفاعاً عن الشعوب التى احتلوها.
كما تتجاهل الدراسة بالطبع أن هذا احتلال بالسلاح لشعوب، بل وتراه ضمنياً حقا دينيا للعثمانيين الأتراك، رغم أنه لا يجوز تبرير الاحتلال تحت أى زعم سواء دينى أو غير دينى، لكن الدراسة تتجاهل كل ذلك لتصل إلى نتيجة مبنية على أكاذيب، وهى أنه على المسلم أن يستعيد تلك الخلافة «الإمبراطورية» مجدداً، فقد فشلت كما تقول الدراسة الدولة القطرية، كما فشل مشروع القومية العربية، ولا حل سوى عدم استرضاء الغرب والتخلى عن «مشروع الخلافة»، فلابد من استعادته.
كما ترى مما سبق أن أردوغان لديه مشروع استعمارى توسعى خطر على الشرق الأوسط والعالم، وأن هذا المشروع ليس دعاية مضادة له لكنها حقائق موجودة على الأرض.
فصل من كتاب «إسلام أردوغان» صادر عن سلسة كتاب الهلال 2020.