على الرغم من أن تفشى فيروس "كورونا" يمثل فرصة مهمة للحزب الديمقراطى في الولايات المتحدة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية في الانتخابات الرئاسية المرتقبة والمقررة في نوفمبر المقبل، إلا أنه في الوقت نفسه يعد بمثابة فرصة، على الجانب الأخر للرئيس دونالد ترامب لتمرير سياساته التي طالما وعد بها منذ حملته الانتخابية الأولى في 2016، وهو ما يبدو في العديد من الخطوات المتسارعة التي يتخذها، في الآونة الأخيرة، لاسترضاء القطاع العريض من مواطني الولايات المتحدة.
ففي الوقت الذى أطلقت فيه منافسة ترامب السابقة هيلارى كلينتون تغريدة، على حسابها بموقع "تويتر"، سخرت فيها من شعار ترامب "أمريكا أولا"، على خلفية تسجيل الولايات المتحدة أكبر عدد من الإصابات بالفيروس القاتل، معلقة عليها بكلمة "وعد فأوفى"، نجد أن مسارا أخر يتبناه ترامب من رحم الأزمة الراهنة، يقوم في الأساس على تصدير حقائق مفجعة للمواطن الأمريكي، بهدف إبراز الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة في سبيل حماية المواطنين وإنقاذهم من شبح المرض.
إلا أنه بعيدا عن البعد الصحى للأزمة الراهنة، تبقى تحركات الإدارة على مسارات أخرى، من بينها قرارات اتخذتها وزارة الدفاع الأمريكية لتخفيف الوجود العسكرى الأمريكي في العديد من مناطق العالم، وهو ما تجلى بوضوح في الانسحاب من قاعدة "كى 1" بالعراق، بالإضافة كذلك لتعليمات بتجميد تحركات الجيش لمدة 60 يوما وذلك لمنع تفشى "كورونا" بين الجنود الأمريكيين، وهو ما يعكس رغبة واشنطن الملحة في تحقيق أكبر قدر من الوعود التي قطعها ترامب على نفسه، قبل انطلاق الجولة الانتخابية المرتقبة في وقت لاحق من هذا العام.
الأزمة الحالية تمثل فرصة كذلك لتحقيق تعديلات قوية على نظام الرعاية الصحية الذى أرساه باراك أوباما، خاصة مع الزيادة الكبيرة في أعداد الوفيات والإصابات بالفيروس القاتل في الداخل الأمريكي، في إطار رغبة الإدارة الحالية في نسف كل ما تركه الرئيس السابق من إرث، وهو الأمر الذى بدأ منذ اليوم الأول لتنصيب ترامب، وهو ما بدا في سلسلة من القرارات التي اتخذتها واشنطن بالانسحاب من اتفاقات ومعاهدات دولية والتنصل من التزامات، كانت الإدارة السابقة قد قطعتها على نفسها، تحت ذريعة واحدة، وهى أن الأولوية لدى إدارة ترامب هي فقط للمواطن الأمريكي، وبالتالي ينبغي تقليص المزايا الممنوحة للدول الأخرى.
تحركات ترامب على خلفية مخاوف تفشى "كورونا" تحمل أبعادا تتجاوز الأزمة الراهنة، على عكس خصومه الديمقراطيين الذين يخططون لاصطياده، عبر زيادة أعداد الضحايا، والإصابات بالفيروس، حيث تراه الإدارة الحالية بمثابة فرصة لتقديم نفسها باعتبارها أكثر الإدارات في واشنطن التزاما بالوعود، وذلك بعد نجاحها المنقطع النظير، في تحسين الأوضاع الاقتصادية، وكذلك دحض الكثير من المخاطر، وكذلك فيما يتعلق بالإرهاب، بعد القضاء على داعش واستهداف أبرز الخصوم، على غرار أبو بكر البغدادى، وقاسم سليمانى وغيرهم.
ربما تكون الرؤية الأمريكية في التعامل مع الأزمة محفوفة بالمخاطر، خاصة مع حالة الغضب التي ربما يؤججها الديمقراطيون، لتشوية صورة الرئيس قبل الانتخابات، إلا أن ترامب ربما يجيد التعامل مع مثل هذه المغامرات في العديد من المناسبات السابقة، إلا أن ثمن الخسارة، إن حدثت، ربما سيكون فادحا هذه المرة.