على الرغم من استمرار حالات الإصابة بفيروس كورونا في الصين، إلا أن ثمة نجاح كبير تحقق في الآونة الأخيرة فيما يتعلق باحتوائه، وهو ما بدا واضحا في العديد من المؤشرات، أبرزها الانخفاض الكبير فى حجم الإصابات اليومية، الأمر الذى دفع السلطات الصينية إلى إغلاق مستشفى "ووهان"، والتي دشنتها الحكومة مؤقتا لعلاج الحالات المصابة بالفيروس القاتل، فى انعكاس صريح لتراجع حدة الخطر الذى حدق بالبلاد خلال الأشهر الماضية.
ولعل النجاح الصينى الكبير فى احتواء الفيروس يمثل انعكاسا صريحا لقدرتها على التعامل مع الأزمة، والتى حملت العديد من الأبعاد السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى الجانب الصحى، وهو الأمر الذى يلفت الانتباه بصورة كبيرة في القدرات غير العادية التي باتت تتمتع بها القوى الاقتصادية الكبيرة، لتتحول الأزمة التي طالما نظر لها قطاع كبير من المحللين والمتابعين باعتبارها الشوكة التي ستعيق "العملاق" الآسيوى من مواصلة طريقه نحو قمة النظام الدولى، إلى فرصة جديدة تمكنت من خلالها بكين تقديم نفسها كدولة قادرة يمكنها تقديم الدعم للعالم في مواجهة الأزمات الصعبة.
فلو نظرنا إلى خريطة الفيروس، نجد أنه في الوقت الذى تتراجع فيه المخاطر في الصين، والتي كانت بمثابة المصدر الذى انتشر منه إلى العالم، نجد أن المخاطر تتفاقم بصورة كبيرة في دول أخرى، وعلى رأسها ما يسمى بـ"دول العالم الأول"، كالولايات المتحدة وأوروبا الغربية، خاصة تزايد حالات الإصابة، خاصة في إيطاليا، مما دفع بعض الدول الأوروبية إلى إغلاق حدودها، وهو الأمر الذى ربما تتجاوز تداعياته مجرد الإجراء المرتبط بالأزمة الراهنة، ليحمل أبعادا أخرى، تصل إلى حد التساؤل عن مستقبل أوروبا الموحدة، بل ومستقبل الدولة الوطنية في القارة العجوز، في ظل إجراءات من شأنها غلق أقاليم داخل الدول منعا لانتشار الفيروس القاتل.
النجاح الصينى في احتواء "كورونا" لم يقتصر على مجرد احتواء أزمة عابرة، وإنما يحمل في جوهره انتصارا دوليا، على خصومها، الذين سعوا بدورهم إلى استغلالها لفرض المزيد من الضغوط عليها، فيما يتعلق بالقضايا الخلافية، على غرار الحرب التجارية الراهنة، بين واشنطن وبكين، والتي بدأت منذ اعتلاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عرش البيت الأبيض، في 2017، على خلفية اختلال التوازن التجارى بين البلدين.
إلا أن الملفت في الانتصار الصينى، ليس فقط في الخطوات الواسعة التي تحققت لاحتواء الفيروس القاتل، وإنما انتقاله "الجنونى" نحو خصومها، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، والذين قد يجدوا أنفسهم بحاجة إلى الاستعانة بالتجربة الصينية، هو ما يعنى زيادة كبيرة في نطاق التأثير لبكين، على حساب منافسيها الدوليين، الذين كانوا يخططون لاستخدام "كورونا"، لإجهاض قصة الصعود التي بدأت منذ سنوات، عبر النمو الاقتصادى الكبير من جانب، ودورها السياسى المتنامى في العديد من القضايا الدولية من جانب أخر.
الصين نجحت في لفت الانتباه العالمى إليها كقوى دولية عبر التعامل مع الأزمة الكبيرة التي لحقت بها، بعدما توقع الكثيرون أنها ستكون النهاية بالنسبة لها، لتقدم درسا جديدا في الكيفية التي يمكن بها إدارة الأزمات، وتحويلها إلى فرص يمكن استخدامها لتحقيق الطموحات الكبيرة في المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة